عفوا.. انتهى وقت الدخول إلى المسجد
هوية بريس – إكرام الفاسي
الأحد 28 شتنبر 2014
الساعة تشير إلى الخامسة والربع عصرا؛ الحارس أغلق جميع مداخل باحة مسجد مولينا إلا بابا واحدا يقف خلفه، تاركا من بالداخل يخرج، ومانعا من أراد الدخول بحجة أنه انتهى وقت الصلاة في المسجد، رغم أنه لم تمر أكثر من نصف ساعة على الآذان وصلاة الجماعة.
نصف ساعة فقط يسمح فيها بالصلاة في مسجد يقع وسط العاصمة، بجانب حديقة نزهة حسان، والمحاذي لأهم محطات المواصلات، فهو على بعد أمتار من محطة سيارات الأجرة لباب شالة، ولمحطة الحافلات بشارع عبد المومن، وكذا لساحة الجولان حيث يمر خطا الطرامواي؛ وعلى مقربة من شارعي محمد الخامس وعلال بن عبد الله اللذان يعجان بالمارة، بالإضافة إلى وجود عدد كبير من المؤسسات والإدارات والمكاتب التي يحضر موظفوها للصلاة في هذا المسجد، وهو ما يجعله عامرا خصوصا في صلاتي الظهر والعصر…
فور انتهائي من بعض الالتزامات قدمت مسرعة إلى المسجد لأداء صلاة العصر، بعد نصف ساعة عن الأذان، وأنا أرجو ألا يردني الحارس هذه المرة، مُشعرا إيَّاي وكأن أبواب الجنة رُضخت في وجهي لأني من عصاة المسلمين المستحقين للويل نظرا لتهاونهم عن أداء الصلاة في وقتها، وكأنه سيَأمرني بأن أبتعد عن باب الجنة بعد أن دخل من دخل من المؤمنين الصالحين، وبقيت مع العصاة نرجو فتح الباب ونتذلل لعل تذللنا يشفع لنا في أربع ركعات ولو على أرضية باحة المسجد، بدلا من أن نرضى بالعذاب ونذهب لحال سبيلنا منتظرين نداء منادٍ آخر للفلاح، فنصلي مُكرهين صلاة النهار بعد حلول الليل، وخاصة إن تعلق الأمر بنا نحن النساء لمَّا تضطرنا أحيانا مشاغل الحياة للبقاء خارج البيت لساعات!
ها قد وصلت لباب المسجد، وأنا ألهث، إلا أني تفاجأت بأن انقضت الصلاة، وشرع المصلون في مغادرة المسجد، ووجدت عددا من المصلين غيري يتوسلون الحارس لكي يدخلوا إلى المسجد لأداء صلاة العصر؛ لبثت صامتة أنظر المشهد الذي رجع بي إلى أيام الثانوي حيث يتوسل التلاميذ الحراس لكي يلجوا المؤسسة، بل وذكرني بنظرائه من المشاهد، حينما نأتي لإدارة أو مصلحة عمومية قد غادر موظفوها مكاتبهم قبل انقضاء الوقت الإداري ليقف الحارس كأسد أمام الباب مكشرا عن أنيابه في وجه كل من حاول الدخول، وقد حق للحراس ذلك في أمثال تلك المواقف لما لهم من تعليمات عليهم تطبيقها.. غير أنه عندما يتعلق الأمر بالمسجد فالمبررات غير مقنعة!
لقد كان صراخ من فاتتهم صلاة الجماعة في وجه الحارس يملأ المكان، إلا أن صوته كان أقوى منهم جميعا لأنه يتكلم باسم قانون لوزارة الأوقاف، الذي لا دخل له فيه!
نعم، فقد كانت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية قد نشرت مذكرة، آمرة بإغلاق المساجد بين الصلوات، حينما لا تكون هناك أي حلقات قرآنية أو أنشطة تعليمية مقررة بالمسجد، فلا ملام على الحارس وإنما يجب التساؤل عن مبررات هذا القرار الوزاري الذي يعيق الحياة الدينية لعدد من المواطنين، ويجعلنا نطرح السؤال: هل كان هناك أية حلول أخرى قد تُمكِّن من معالجة المبررات الموضوعية التي تدعيها الوزارة تجاه إغلاق المساجد؟
قد يُبرر هذا الإغلاق، بهدر الموارد الطاقية دونما وجود حاجة لأداء شعيرة دينية أو بشكل أوضح: استغلال المواطنين للمرافق الصحية للمساجد في ظل غياب مراحيض عمومية في عدد من الأحياء أو المدن، فلهذا المبرر جانب من الصوب إذ أن الماء والغاز أو الكهرباء موقوف على المصلين وليس على عموم الناس، لكن يمكن معالجة هذه الإشكالية من طرف الجماعات المحلية باستثمارها في مراحيض عمومية مؤدى عنها وتخضع لمراقبة حتى تضمن للمواطنين قضاء حاجياتهم دون الولوج إلى المرافق الصحية للمساجد التي قد تحتاج إمكانيات ضخمة من أجل الصيانة والتنظيف على حساب الأموال الوقفية أو أموال المحسنين.
كما يبقى الجانب الأمني هو الطاغي على هذا المشهد، فقد يُبَرر أيضا إغلاق المساجد بين الصلوات لمنع أية عملية سرقة لمُعدات المسجد وممتلكاتها؛ إلا أن ذلك يُمكن معالجته بتوظيف حراس يتناوبون على مراقبة المسجد، بل وعقد اتفاقيات مع شركات أمن خاصة تقوم بتأمين المساجد.
ومن جهة أخرى، يُذكر أن الحد من التطرف يبقى أهم المبررات التي تدعيها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، فهل يخفى على الوزارة أنه لا يمكنها الحد من هذا التطرف بهذا الإجراء؟
لأنه إن لم تُقم اجتماعات دينية داخل المساجد فحتما ستُقام بعيدا عن أعين الوزارة وأعين السُلطات!
وحتى وإن خافت الوزارة من تداول خطابات دينية أو سياسية مخالفة لثوابتها داخل المساجد فلن يكون من المعقول جعل الإغلاق هو الحل!
فقد تُمرر هذه الخطابات في المقاهي والحدائق العمومية والساحات وأي مكان عام يُمكن أن يجتمع الناس فيه بحرية، وليس بالضرورة في المسجد، بل ولتعلم الوزارة أنَّ من سينشر خطابات تحريضية أو فكرا متطرفا لن يقوم بذلك على مرأى ومسمع من الناس بل سيتحرى القيام بذلك في تجمعات سرية داخل البيوت، والأماكن الخالية…
وعليه سيكون من الجيد للوزارة أن تترك المساجد مفتوحة، لأنها ستكون قادرة على جس نبض المواطنين عن قرب ومعرفة تحركاتهم وأفكارهم وتتبع أنشطتهم، وسيمكنها ذلك أيضا من تخصيص أنشطة مُؤَطرة للمواطنين تجعلها قادرة على توجيههم وفق سياستها إن شاءت!!
فتبقى معالجة الجانب الأمني لهذا الموضوع رهينة باتخاذ الوزارة لسياسة توظيف عدة حراس لكل مسجد، حتى يتناوبوا على فتح المساجد في وجه المصلين طوال النهار وليس الاكتفاء بتوظيف حارسٍ واحد قد تتعطل معه وظيفة المسجد إن هو انصرف لالتزاماته الخاصة.
إن تصرفات الوزارة هاته، تسيء كل المغاربة الحريصين على أداء صلاتهم في بيوت الله؛ حيث يُنظر إلى إغلاق المساجد على أنه تضييق على الممارسات الدينية، لأن وظيفة المسجد لا تنحصر فقط في أداء الفرائض فحسب، بل يجب أن يكون المسجد مفتوحا في وجه كل راغب في أداء النوافل أو قراءة القرآن أو تلاوة الأذكار…، وبصفة عامة يجب أن يبقى المسجد مفتوحا في وجه كل باحث عن الأمن الروحي الذي لا تكف الوزارة عن صمّ آذاننا بادعائها التكفل بحفظه للمواطنين!! فمن لم يجد أمنه الروحي داخل المسجد فحتما سيجده في مكان آخر أشد خطورة من المسجد الذي ترى الوزارة أن فتحه قد يشكل خطورة على البلاد!
وقد علَّق أحد المصلين (م.غ) ساخطا، بعد منعه من ولوج المسجد، بتشبيهه لإغلاق المسجد وكأنه إغلاق لإدارة عمومية، مؤكدا أنه يمكن تفادي إغلاق المساجد من خلال توظيف عدة حراس كما أسلفت الذكر، وأن هذه الوضعية (إغلاق المساجد) لا تُشرِّف المغرب كبلد إسلامي.
انظر الفيديو: