مرض احتكار الحق.. والشدة على المخالف بغير حق!
هوية بريس – طارق الحمودي
الثلاثاء 07 أكتوبر 2014
يصاب بعض الناس بمرض يجعله يعتقد أن الحق معه وحده، ويسوغ لنفسه بذلك الشدة على مخالفه بغير وجه حق، وهو مرض يصاب به جميع الناس في جميع الفرق والتوجهات، ولم تسلم منه طائفة…ولا أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء.
وقد كان هذا في المذاهب الفقهية الأربعة المنسوبة إلى الأئمة، كبعض المالكية المقلدة ومثلهم الحنفية والحنابلة والشافعية، ولا يزال، وكذلك المذاهب العقدية، فابتلي بذلك بعض السلفيين وبعض الأشاعرة وبعض من غيرهم… وليس هذا المرض حكرا على جهة دون أخرى خلاف ما قد يتوهمه أو يوهمه بعض الناس.
وسببه الخروج عن مقتضى الأحكام الشرعية والآداب المرعية، وليس في الغالب من نفس أدبيات هذه الطوائف.
وسأضرب مثالا واحدا لهذا، ففي الأشاعرة مثلا كغيرهم -والذين يسوق بعضهم أنهم أبعد الناس عن هذا المرض- رجل اسمه أبو القاسم البكري المغربي الأشعري، وكان متعصبا لمذهبه، وصل به الحال إلى تكفير الحنابلة، فكان يقرأ قوله تعالى: (وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا)، ثم يقول: وما كفر أحمد، ولكن أصحابه كفروا، وكان منه أن سطا مع أصحابه على دور آل الفراء الحنابلة ونهب كتبهم بدعوى أن فيها كتبا في التجسيم، ومع كل هذا، لقبه الأشاعرة بأسد السنة، ودفن بجوار أبي الحسن الأشعري.
وأتذكر يوما أشارت فيه أستاذة زائرة في محاضرة في كلية أصول الدين إلى أن الأشاعرة معروفون بالتسامح بخلاف غيرهم ممن كتب (اجتماع الجيوش الإسلامية) و(الصواعق المرسلة)، واستغربت هذا الأمر، ثم علقت عليها في تدخل سريع إلى أنها إن كانت تقصد بالكتابين ابن القيم السلفي رحمه الله، ففي الأشاعرة ابن حجر الهيتمي الذي ألف كتاب: الصواعق المحرقة..!! فضحك الحضور.
قصدي من هذا التنبيه إلى أن لهذا المرض مآلات قبيحة، وأن الجميع معرض له، فوجب التنبيه، وليس الأشاعرة من ها بمنأى، فالشيطان لا يفرق بين سلفي وأشعري وصوفي وحداثي علماني، فلنحرص على معالجة هذا المرض في طوائف المسلمين كلهم لا بعضهم، ومثل من يخص جهة دون أخرى،كمثل من يعتقد وجود المرض في يده فقط، وهو في قلبه… ومخه أيضا.
هل السلفيون أو الحنابلة -كما يحلو لبعضهم تسميتهم وهو خطأ، فالسلفيون فيهم ماليكة وشافعية وحنفية أيضا كالطحاوي- هم السبب في الفتن…؟
قد يكون منهم ذلك، وقد كان من بعض الحنابلة شيء من ذلك، لكن غيرهم أيضا يقع منه ذلك، فيكون البادئَ، والبادئُ أظلم، فلا ننزه أحدا، ولا نبرئ طائفة، لأن المنتسبين إليها بشر غير معصومين، ولا تزر وزارة وزر أخرى.
ومن ذلك أن القشيري الأشعري لما دخل بغداد صار يذم الحنابلة ويرميهم بالتجسيم، فأثار فتنة بين الناس بعد أن كانوا متوافقين، وطلب مساعدة الشرطة في هذا، فشكاهم إلى الوزير نظام الملك، وقصد أتباع القشيري مسجد أحد علماء الحنابلة لأذيته، فدافع عنه من كان معه، فحاصر القشيريون المسجد، واستنجدوا بالحاكم العبيدي الملحد في مصر، ضدا في الخليفة العباسي.
ووصل الأمر إلى أن استاء الخليفة من تفرق كلمة المسلمين،و تدخل الوزير بالإصلاح، واعتذر بعض من قام في الفتنة مع القشيري لذلك العالم الحنبلي؛ بل وقبل بعض الأشاعرة رأسه إرضاء له.
الفتن والمناحرات الطائفية أمر قبيح، نعم ننتقد وندعو إلى المراجعات والإصلاحات في كل التوجهات بالعدل والعلم… ونظهر الأمور كما هي دون جنوح إلى الظلم، ولا يزال بعض الناس اليوم، يوقظون أمثال هذه الفتن، وسيلعن الناس موقظها… فهلا ناقشنا مسائل الخلاف بعلم… وعقل…
فإن قال أشعري معاصر: إن الشدة مطلوبة أحيانا على السلفيين.. فسيقول بعض السلفيين.. له: وكذلك في حق بعض الأشاعرة… ولن تكون النتيجة إلا مزيدا من التباعد والتناحر… والمؤسف أن يكون هذا بين طلبة العلم…!
أليس فيكم رجل رشيد….!؟