«حق تقرير المصير».. إنه حق قد يراد به باطل
مسرور المراكشي
هوية بريس – الثلاثاء 07 أكتوبر 2014
لقد مرت عدة شعوب من هذا الامتحان القاسي، وهناك دول تسمى عظمى تضع ثقلها السياسي والدبلوماسي والإعلامي في خدمة الانفصاليين عندما يكون هذا “الحق” في صالحها، وبعبارة أدق إنها تتصرف حسب مصالحها الإستراتيجية في المنطقة، والاستفتاء الأخير الذي حدث في أوروبا يعد نموذجا لفهم عقلية الغرب الديمقراطي، لقد تم طرح سؤال بسيط على الاسكتلنديين حول رغبتهم في الانفصال أو البقاء تحث التاج البريطاني “نعم” أو”لا”؟ الإشكال هنا ليس الاستفتاء في حد ذاته ولكن تصرف أوروبا وأمريكا ومن والاهم، إنه الكيل بمكيالين.
إن الله خلق الشعوب والقبائل للتعارف، وكما فسر البعض التعارف هنا بالتعاون على الخير في كل الميادين “تجارة صناعة..”، شرط أن يكون التعامل بين هذه الشعوب على قدم المساواة دون تميز. فهل كان هذا هو تصرف الدول المسماة “عظمى” مع شعوب العالم الثالث؟
الجواب بالنفي إنه الاستغلال الفاحش للإنسان ولخيرات هذه البلدان المستعمرة، ولقد كانت بريطانيا العظمى في طليعة الدول الاستعمارية في القرن الماضي حتى لقبت بـ”المملكة التي لا تغيب عنها الشمس”، وهذا راجع إلى كثرت مستعمراتها شرقا وغربا، ولازال العالم الإسلامي يعاني من تبعات هذا الاستعمار إلى اليوم “..حروب بين الإخوة وغياب تام للتنمية وتضارب المصالح لدرجة التناقض”، المهم الله “يخلصهم هنا أو لهيه”، وخير مثال على ذلك القضية الفلسطينية التي كان الانتداب البريطاني عليها سنة1918إلى 1948، حيث سلمها أخيرا للاحتلال الصهيوني وهنا نتذكر وعد”بيلفور”.
ولقد كانت بريطانيا بسياستها الاستعمارية المبنية على قاعدة “فرق تسد”، سببا رئيسيا في فصل باكستان وبنغلادش عن الهند، كما كانت سببا رئيسا في فصل جنوب السودان حيث كانت تمنع الشماليين من التواصل مع إخوتهم الجنوبيين، ولما استقل السودان دعمت بريطانيا المنشق المرتزق “جون قرنغ “، الذي حمل السلاح في وجه حكومة الشمال، ووظفت الكنيسة “الأنجليكانية” التابعة للتاج البريطاني إمكانياتها الكنسية لخدمة الانفصال الجنوبي، وفعلا كان لهم ما أرادوا بعد تعاون أمريكي وأوربي محموم من أجل فصل السودان إلى دولتين، كما تم فصل إقليم” آتشيه” عن إندونيسيا، وذلك بمهودات الغرب “السخية” في دعم الانفصاليين بالدول المسلمة بالمال والسلاح، والأهم من ذلك هو دعمهم في المحافل الدولية واستعمال مجلس الأمن للتدخل وفرض مناطق “”عازلة” لتمكين المتمردين من فرض أمر واقع على الأرض، ثم بعد ذلك يأتي الاستفتاء الصوري لختم المرحلة والتصديق على دولة جديدة بعملة جديدة ونشيد وطني جديد.. فعلا لم يقصروا من مجهودهم لدعم “خيار الشعوب”.
إن هذا الحق يستعمل كسلاح ضد الشعوب والدول التي تحاول التمرد على نظام “المحاصصة” في استغلال خيرات العالم، أو تريد بناء دولة ذات سيادة حقيقية بعيدا عن نفوذ الدول “العظمى”، والعراق المهدد بالتقسيم إلى ثلاثة دويلات يعد نموذجا واضحا على سياسة الكيل بمكيالين، والحقيقة أن العالم العربي مهدد بالتمزيق إلى دويلات صغيرة لاتسمن ولا تغني..
لقد شكل حق تقرير المصير للشعب الاسكتلندي فرصة ناذرة لكشف نفاق الغرب، فعشية الاستفتاء التاريخي بلغت قلوب الأوربيين الحناجر من الخوف، فكل أوروبا باتت تسبح بحمد الوحدة والبقاء موحدين تحت التاج البريطاني، ودخل الإعلام في المعركة “الديمقراطية” ناصحا الاسكتلنديين على استعمال” العقل” بدل العاطفة والتصويت بـ”لا” عين العقل أليس كذلك؟ لكن نفس الإعلام عندما يتعلق الأمر بتقسيم دولة مسلمة فهو يحث الناس على تغليب “العاطفة” على العقل، ويذكرهم بأيام أمجادهم قبل الوحدة ويستعين بالتاريخ والدين والجغرافية وكل شيء يخدم إستراتيجية “الانفصال” عن الوطن الأم، لكن عندما أراد الشعب الاسكتلندي التعبير عن رأيه في البقاء أو الانفصال، كانت أوروبا سندا للوحدويين وتداعت بالسهر والحمى لنجدة بريطانيا من خطر التمزق، سبحان الله الوحدة حلال هنا وحرام هناك في آسيا وإفريقيا مثلا، كيف تحكمون؟
والحقيقة أن خوفهم من نجاح “نعم” راجع إلى كون أوروبا مهددة في وحدتها بشكل عام فخطر القوميات قادم، والأوضاع في إسبانية تقترب من النضوج، وفي بلجيكا وهولندا هناك مشكل “لفلامانيين” إضافة إلى مشكل الشمال الإيطالي الذي يحاول الانفصال عن الجنوب الفقير. لقد تنفس الإنجليز ومن والاهم الصعداء بعد فوز “لا” على “نعم” بنسبة 55 مقابل 45 وهي نسبة ليست بالكبيرة في نظري ليطمئن الساسة الإنجليز إلى الأبد على بقاء مملكتهم موحدة، كما يقول المغاربة: “دوام الحال من المحال”، بل حتى دافيد كامرون رئيس وزراء الحكومة البريطانية لم يكن مفرطا في التفاؤل حيث قال:” إن نتيجة الاستفتاء بـ”لا” تريحنا لجيل كامل”، فمن يضمن تحقيق الوعود التي قدموها للشعب كقربان لبقائه تحت حكم بريطانيا؟ ففي نظري سيبقى القوميون الاسكتلنديين يرفعون من سقف مطالبهم الاستقلالية، إلى أن تعجز حكومة الإنجليز على مجاراتهم، فيصبح هنا خيارين: إعادة الاستفتاء أو العنف من جديد. ولتتذكر بريطانيا “العظمى” وكل أوروبا أنهم مزقوا دول كثيرة وشتتوا شملها وزرعوا الفرقة بين شعوبها، والمثل يقول: “من زرع الرياح يحصد العواصف”، والحقيقة أنهم لن يحصدوا العواصف فقط بل الإعصار.. وفي الأخير هل يستفيقوا من غيهم ويبتعدوا عن سياسة دعم الانفصال في دولة ودعم الوحدة في أخرى؟
بالمعطي أش ظهرليك فالإنفصال؟ الله يجمع الشمل أولدي.. التفرقة ما فيها خير.