عن علاقة الأوقاف بوكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق كلمة؟
د. محمد وراضي
هوية بريس – الأربعاء 08 أكتوبر 2014
أية علاقة يمكن تصورها بين الأملاك المحبسة، وبين وكالة مسؤولة رسميا وأمام حكومة الملتحين عن إنجاز مشروع سياحي ضخم على ضفتي نهر أبي رقراق الفاصل بين مدينتي: الرباط وسلا؟
وبعبارة أخرى، بين وكالة أحدثت بمرسوم لتتولى إنجاز مشروع كان المطربون يتغنون به في مونولوك مثير للمشاعر الوطنية أوائل الستينات من القرن الماضي، وبين وزارة مكلفة برعاية كل ما وقفه أصحابه من أرض أو حيوان لتجعل غلته في سبيل الله، لا لتعزيز قرارات حكومية تستهدف تحقيق أهداف سياسية، ذات معالم تم تحديدها فيما يعرف بتدبير الشأن الديني؟
من المعروف أن ضفتي نهر أبي رقراق تتوفران على أراضي حبسية منذ زمن بعيد، وأن هذه الأراضي لا تستغل مجانا من طرف الفلاحين المقيمين على الضفة الشمالية للنهر، ولا من طرف الفلاحين المقيمين على الضفة الجنوبية الشرقية له. غير أنهم لاستغلالها ملزمون بدفع مبلغ مالي محدد ككراء مع نهاية كل سنة، وإلا تم فسخ العقد الذي يربط بينهم وبين نظارة الأحباس، إن بسلا، وإن بالرباط.
وقد سجلنا كيف أن حق استغلال أراضي الحبس هذه ينتقل من شخص إلى آخر، وأن هذا الحق يباع بالسعر الذي يتفق عليه الطرفان، وأن نظارة الأحباس لا يهمها غير التوصل بالكراء من أي طرف كان، دون أن نناقش هنا مشروعية انتقال حق الانتفاع من زبون إلى زبون آخر!
ما يهمنا على وجه التحديد، هو أنه بتاريخ 28 نوفمبر 2005م. صدر بالجريدة الرسمية تحت رقم:5373 مرسوم، يقضي بوقف جميع العمليات العقارية على ضفتي نهر أبي رقراق، إلى حين صدور تصميم التهيئة، بحيث تكون الفترة الممتدة من تاريخ صدور المرسوم إلى تاريخ صدور التصميم، مناسبة يتاح فيها للوكالة تحديد الأراضي التي سوف يشملها نزع الملكية مع وضع التصميم عليها لصالح المنفعة العامة.
ونسجل هنا كيف أن الوكالة قد أدرجت أملاك الأوقاف ضمن المشروع المزمع تنفيذه. وحتى إن لم نتذكر تاريخ وضع يدها على هذه الأملاك، ولا تذكرنا الجرائد التي أعلنت عن ذلك (بالعربية وبالفرنسية)، فإننا نتذكر أن مجموع أراضي الأحباس على الضفتين هو بالتحديد 800 هكتار.
ثم إننا لا نعلم ما إذا كان نواب الأمة على معرفة بالصفقة التي تمت بين الطرفين: الوكالة ونظارة الحبس في كل من الرباط وسلا؟ نقصد هل تفاوضت الوكالة بشأن الهكتارات المذكورة مع النظارتين في آن واحد؟ أم هي تفاوضت مع كل نظارة على حدة؟ أم إنها تفاوضت مباشرة مع وزارة الأوقاف؟
ثم إننا لا نعرف تحديدا مبلغ الصفقة التي لنا بخصوصها ملاحظات لا بد أن يكون الرأي العام على بينة منها، حتى لا تغيب عنه قضية وطنية وراءها وأمامها تساؤلات تدفع بنا لاحقا إلى مراجعة كل السياسات المتبعة من طرف الوزارة المعنية لأداء واجب استفادة المحتاجين من الأوقاف بالفعل؟ أو عدم استفادتهم منها على العموم والخصوص؟
في بحر عام 2005م. وفي بحر الأعوام الموالية إلى حدود 2009م. شاع بأن الأراضي التي تم الاستيلاء عليها بنزع ملكيتها من مالكيها، تم بمقابل 200 درهم للمتر الواحد، في مناطق بعينها من سلا على وجه التحديد، لا في الأراضي الفلاحية على الضفتين. ثم تم بيعها بمبلغ 4000 درهم للمتر الواحد!!! وهذا ما أخبرتنا به جريدة “أصداء” المغربية. وما أخبرتنا به رافقه الاستغراب والاستنكار من طرف تنسيقية حصين والضواحي التي واجهت الوكالة لمدة طويلة بخصوص نزع الملكية. وهذا موضوع سوف نعالجه في مناسبة متاحة لما خلفه وراءه من ذيول، لا زال السكان حتى حدود الساعة منها يعانون الأمرين!
فكم إذن دفعت وكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق مقابل حيازة 800 هكتار المملوكة للأوقاف؟ وهل حصلت الوزارة على هذا المقابل المالي لها (أي لتلك الأراضي)؟ وإن حصلت عليه، فما المجال أو المشروع الذي تم تمويله به، أو تم العزم على تمويله به؟ أم إن المال عرف طريقه إلى الحساب البنكي للوزارة المعنية بشأن الدين في الجملة، كي ينام إلى حين قبل التفكير في توظيفه؟
حاليا، وبعد أن تمت الصفقة، بين إدارة الأوقاف والوكالة، لم يعد الفلاحون يدفعون كراء الأراضي التي يستغلونها على الضفتين! مما يبدو أنه تنازل من مشتريها عن حقهم في استغلالها بالمقابل! إنما ما الذي سوف يحصل في المستقل المنظور واللامنظور، خاصة وأن مشروع ضفتي أبي رقراق جد متعثر! يكفي أن نلاحظ كونه يسير ببطء شديد؟
لكن اسمحوا لي، فمنذ أسبوع فقط، بلغني أن الأحباس طالبت المستغلين للأراضي المذكورة بدفع ما تبقى في ذمتهم من كراء لمدة ثماني سنوات (2005-2014م) حيث يزداد الأمر تعقيدا بخصوص ما إذا كان من حق نظارتي الأوقاف على الضفتين، المطالبة بالكراء المذكور؟ أم إن هذا الكراء أصبح من حق الوكالة التي تولت نزع ملكية الأوقاف بمقابل مالي نكرر أننا نجهله! خاصة وأن المطالب بالكراء يفترض أن الأرض موجودة تحت تصرفه، وأنها بالتالي في ملكه أو في حوزته!!!
فهل يتوقع الفلاحون المستفيدون من أرض الحبس أن يأتي يوم يحرمون فيه نهائيا من الاستغلال؟ أم إنهم يتوقعون أن تتصل بهم وزارة الأوقاف أو الوكالة لتفاوضهم بخصوص حقهم الموروث في استغلال أرض حبسها أجدادهم كي ينتفعوا بها إلى الأبد؟
إن كان الواقفون يعتبرون ما أوقفوه صدقة جارية، فإن مصير 800 هكتار في أراضي الضفتين مصير غامض، قد يلحق الضرر مباشرة بطرفين: بالواقفين المتوفين المتصدقين في أزمان مختلفة، بحيث إنهم كانوا يمنون أنفسهم بتدفق الحسنات عليهم بعد أن فارقوا العالم الفاني إلى حين بعثهم يوم القيامة غانمين! ثم يلحق الضرر بالأحياء الذين حملتهم الحاجة أو الفقر إلى الاستفادة من تلك الأراضي بسومة كرائية، تترك لهم على الأقل هامشا من الربح!
لقد قابلت منذ أعوام بعضا من الفلاحين الذين سوف يتضررون من جراء حرمانهم المتوقع من صدقات جارية، تركها لهم أجدادهم الراحلون. فأوضحت لهم كيف أن حقهم في الانتفاع بمتروك الأجداد مضمون. وأن بمقدورهم مقابلة المسؤولين في الأوقاف للتحاور حول موضوع المبلغ المالي الذي توصلت به الوزارة مقابل بيع 800 هكتار في إطار نزع الملكية! بل ويملكون حق معرفة مقدار ذلك المبلغ. حتى إذا لم يكونوا مرتاحين له، لأنه في نظرهم بخس، فأمامهم مسلك قانوني لرفع دعوى قضائية قصد المطالبة برفع سومة البيع، أو حتى برفض السماح للوكالة باعتماد نزع الملكية في الاستيلاء على الأراضي تلك! ثم إن لهم الحق ثانيا في استغلال تلك السومة لفائدة من تجوز فيهم الصدقة في نفس المنطقة. لا أن تتصرف الوزارة في مال يخص المنطقة بعينها كما يحلو لها أن تتصرف؟ لأن مثل هذا التصرف يلحق الأذى -كما تقدم- بطرفين. نقصد الاعتداء على حق المحبسين في إضافة حسنات إلى سجلهم بعد الموت (= صدقة جارية). والاعتداء على المنتفعين الذين سوف يحرمون مما وقف من أجلهم حتى والوقف قد حصل منذ قرن أو قرنين أو ثلاثة؟
وحتى لا يطوى الملف الذي فتحناه أمام الرأي العام فتحا بتعرضه للإهمال، فإننا نهيب بنواب الأمة إلى العمل الجدي المسؤول لدراسة الأوقاف، كمحاولة منهم في أن تخدم الجهات التي أحدثت من أجلها، وجل الصحابة حينها على قيد الحياة! إذ ليس من أخلاق الدين، ولا من شيم رجاله أن يحرفوا الأوقاف الإسلامية عن مجراها القاضي بمد يد العون للمعوزين في أية جهة من جهات المملكة المغربية! إلى حد أننا نرى أن من الظلم، أن تعمد الوزارة المسؤولة عن الأوقاف أمام قائد الأمة، وأمام الأمة، وأمام التاريخ، وقبلها أمام الله، إلى بيعها في هذه المنطقة لحرمان فقرائها مما قصده الواقفون بها. فضلا عن وجوب إشراك المجالس البلدية العارفة بحاجيات منطقتهم في كل صفقة تستهدف بيع أراضي الأوقاف أو ممتلكات الأوقاف بصفة عامة في المقبل من السنين. إذ لا يصح أن نبيع أراضي يستفيد منها مئات الفلاحين هنا، ثم نستخدم ثمنها هناك في جهة أخرى من المملكة؟ والحال أنه كان من المفروض أن تجري تنمية تلك الأموال وتوظيفها في نفس المنطقة لفائدة فقرائها ومساكينها؟؟؟
وفي كل الأحوال، نوجه عبر هذا المقال، رسالة مفتوحة إلى الرأي العام المغربي كافة، وإلى نواب الأمة خاصة، ونطالبهم جميعهم بالتركيز على الأوقاف لمعرفة أملاكها كاملة بدقة من جهة، وللاطلاع على مداخيلها السنوية من جهة ثانية. ولمعرفة مصير هذه المداخيل من جهة ثالثة. إذ لا يصح أن يجهل المغاربة مصير ما يعود بالنفع على أيتامهم وأراملهم، ومرضاهم من المعوزين، بينما تتصرف وزارة الأوقاف في الممتلكات المحبسة كما يحلو لها بعيدا عن معرفة من يعنيهم الأمر مباشرة بما يجري؟ تماما كمن يفرض استبداده أو دكتاتوريته على جماعة بعينها في كافة أصقاع المعمور؟؟؟