السجود وآثاره النفسية (دراسة قرآنية)
د. محمد عبد اللطيف رجب عبد العاطي*
هوية بريس – الخميس 09 أكتوبر 2014
تسببت جملة سمعها الباحث الكريم من مفكر أمريكي في استثارته لكتابة هذا البحث غيرة على دينه, وتقول الجملة التي صدرت من مفكر غير مسلم يعمل في مجال حقوق الإنسان أن سجود المسلمين في صلواتهم قد ساهم في سيطرة روح الخنوع والهوان والمذلة وخور العزيمة والانهيار في مواجهة الشدائد على المجتمعات الإسلامية، فقرر دراسة آيات السجود في القرآن الكريم وتتبع آثاره النفسية التي تدحض كلام هذا الرجل، وشجعه وقوى عزيمته خلو المكتبة الإسلامية من مثل بحثه هذا بصورة مستقلة أو محددة.
ففي المقدمة المعهودة بين فيها سبب اختياره للموضوع وخطته فيه.
وقسم بحثه بعد المقدمة إلى مبحثين:
المبحث الأول: تناول فيه تعريف السجود اللغوي والاصطلاحي وكون السجود على سبعة أعضاء ويتطلب الاطمئنان كما أمر نبينا صلى الله عليه وسلم المسيء صلاته: “ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا” ويتطلب السجود الجسماني سجودا بالقلب بالخضوع التام لله.
ثم تحدث عن مكانة السجود فهو دليل اختصاص الله بالعبودية فقال سبحانه “فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا” وقال “وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً” وربطه سبحانه بالاقتراب منه فقال “كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ“.
وبين سبحانه أن السجود لا يختص بالبشر فقط بل بجميع المخلوقات تسجد لربها طائعة مختارة أو راغمة مجبرة فقال “وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ” وفصل الساجدين لله وبين أنه لا يشذ عنها إلا قسم من البشر فقال سبحانه “أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ“.
ثم التفت الباحث إلى نوعي السجود وهما سجود الطوع للمختارين وسجود الكره لباقي المخلوقات لحديث النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: “أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟” قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: “إن هذه تجرى حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش، فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال له : ارتفعي، ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعه ، ثم تجرى حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش، فتخر ساجدة ولا تزال كذلك حتى يقال له ارتفعي، ارجعي من حيث جئت ..“
أما سجود الطوع وهو ما يسجده العبد المختار لله سبحانه سجود عبادة وسجود تلاوة وسجود توبة وشكر وسجود تحية وتكريم وسجود إذعان وتعظيم, ثم فصل بالآيات هذه الأنواع جميعا.
المبحث الثاني: الآثار النفسية للسجود
وهذا المبحث هو صلب البحث وهو الرد الذي قام به الباحث على الادعاء الذي ادعي على السجود عند المسلمين.
فبدأه بان كل الناس بما فيهم المؤمنون في معاناة وكبد ومشقة ويجد من الشدائد في هذه الحياة الدنيا الكثير, ومنها الشعور بالوحدة والإحساس بالدونية في مواجهة استعلاء الباطل وأهله، وممارستهم لكافة صنوف الاضطهاد والتعذيب ضد المؤمنين فتضيق صدورهم ويستثقلون التبعة الملقاة على عاتقهم فيقع التقصير في القيام بأعبائها وفي الجانب المقابل ربما يصيب الغرور والكبر من يقوى منهم على هذا القيام ويحقق الله تعالى له النصر على الباطل وأهله وهما جانبا البلاء على المؤمن.
ولهذا يأتي السجود ليحقق للمسلم تلك الغايات النفسية التي تضبط حركته وتعيده إلى ربه سبحانه:
أولا: نفى الشعور بالوحدة.
ثانيا: علاج الإحساس بالدونية وبضغط المعصية.
ثالثا: دفع نزعة الغرور والكبر.
رابعا: إزالة ضيق الصدر.
خامسا: تقوية العزيمة للقيام بالأعباء الجسيمة.
سادسا: ترسيخ الاستهانة بالشدة والبلاء.
واستدل الباحث الكريم على كل جانب من هذه الجوانب باستدلالات قرآنية واستشهد بكلمات أصحاب التفاسير في عرض مبسط وجميل وشجي تكاد تشعر بان كلمات القران تنطق معلنة أن المؤمن في سجوده يحقق كل هذه الغايات, وأنه لولا نعمة الله علينا بالسجود لماتت أفئدتنا حسرة وألما مما يصيبها.
وكان مما ذكره الباحث من اللطائف الحسية التي لا تغني أبدا عن الإشعاعات الروحية للسجود أنه ذكر أن أحد المتخصصين في العلوم البيولوجية تيقن أن الإنسان يعيش وسط مجالات كهرومغناطيسية يتعرض بسببها لجرعات زائد ة من الإشعاع تسبب تشويشًا في لغة الخلايا، فيصاب بما يعرف بأمراض العصر المتمثلة في الأمراض النفسية، وقال أن السجود لله يساعد في تفريغ هذه الشحنات الزائدة عن طريق وصل الجبهة بالأرض، حيث تنتقل الشحنات الموجبة من جسم الإنسان إلى الأرض السالبة الشحنة، وتسهل عملية تفريغ هذه الشحنات عند السجود علي أعضاء السجود السبعة، وأفضل الأوضاع لإتمام ذلك هو الاتجاه نحو البيت الحرام؛ لأن مكة هي مركز اليابسة في العالم، الأمر. الذي يخلص الإنسان من همومه ليشعر بعدها بالراحة النفسية.
ثم جعل في الخاتمة أهم نتائج البحث وتوصياته التي لخص يها ما جاء في بحثه فقال في النتائج:
– للسجود مكانة جليلة وفضل عظيم في الإسلام فهو غاية التواضع والعبودية لله بوضع أعز أعضاء الإنسان في التراب.
– السجود في القرآن الكريم ضربان : سجود الكره وسجود الطوع
– الإنسان يقاسى في هذه الدنيا فنون الشدائد من وقت نفخ الروح إلى نزعه
وذكر بعض التوصيات ومنها:
– على المسئولين وصناع القرار في المجتمع الإسلامي أن يهتموا بتهيئة أماكن للصلاة في كل المؤسسات كي يحصل الناس فيها ثمرات الصلاة والسجود لله تعالى.
– ينبغي للأطباء النفسانيين المسلمين أن ينتبهوا إلي حث مرضاهم على الصلاة وكثرة السجود لله بمختلف أصنافه وسيجدون النتائج التي تثلج صدورهم وتوفر أوقاتهم وتحفظ على المرضى أموالهم وتجنبهم الآثار المترتبة على كثرة تناول العقاقير الطبية.
جزى الله الباحث الكريم على غيرته على دينه وعلى اللفتة الكريمة التي التفتها في القرآن الكريم وعلى طريقته في التفاعل مع الكلمة المسيئة التي سمعها فكتب ردا عليها بصورة بحثية علمية وواقعية وعملية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أستاذ مشارك بكلية الشريعة والقانون-جامعة الإمارات؛ نشر مجلة “جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والإنسانية” المجلد:3، العدد2.