قراءة في كتاب: «التنصير والاستغلال السياسي»
هوية بريس – مركز التأصيل
الجمعة 10 أكتوبر 2014
الكتاب: التنصير والاستغلال السياسي
المؤلف: محمود عبد الرحمن
دار النشر: دار النفائس- ط1 1430هـ
عدد الصفحات: 242
************************************
في الوقت الذي يبتعد فيه معظم المسيحيين الغربيين عن دينهم ومبادئهم الأخلاقية ولا تظهر علائمها في سلوكهم الفردي، تسعى معظم دولهم على الرغم من علمانيتها، وكنائسهم وبعض مؤسساتهم إلى تنصير المسلمين في بلاد المسلمين، مستغلين البؤس والفقر الذي سببوه لهم، ومتبعين طرقا غير أخلاقية لا تهدف إلى اعتناق أناس جدد للنصرانية بقدر ما تهدف إلى الاستغلال السياسي، والدعاية الإعلامية للطعن في الإسلام، في وقت يفترض بأتباع أي دين، وبخاصة رجال الدين منهم، الابتعاد عن الاستغلال الديني أو اللجوء إلى طرق لا أخلاقية لكسب “منتسبين” لدينهم قد لا يكونون مقتنعين به أصلاً، ويقتصر هدفهم على طلب الشهرة والمنفعة الشخصية.
وفي هذا الكتاب يبين مؤلفه حقيقة التنصير ودوافعه، مع إعطاء لمحة موجزة عن تاريخه، وبيان أهدافه، وطرائق تحقيق هذه الأهداف ووسائلها في الوطن العربي وأفريقيا وآسيا وأوروبا، ثم يعقب المؤلف على هذا كله ببيان حصيلة هذا التنصير بالأرقام، وغير ذلك مما يتعلق بالموضوع في حدود ما توافر له من معلومات، مع ختام كل هذا بمقترحات تساعد على التصدي للتنصير في زمن العولمة.
وعليه جاء هذا الكتاب في مقدمة وثمانية فصول..
فأشار المؤلف في المقدمة إلى خطورة التنصير، مبينا أن التنصير يأتي في مقدمة المشكلات التي يواجهها العالم العربي والإسلامي؛ لأنه يسعى إلى استئصال الإسلام من جذوره.
وفي الفصل الأول من هذا الكتاب تحدث المؤلف عن بواعث التنصير وحقيقته، فبدأ أول ما بدأ بالحديث عن العداء الغربي للإسلام والمسلمين وأسباب هذا العداء ونتائجه، مبيناً أن أساس العداوة بين الإسلام والغرب أساس دنيوي لا ديني، وعليه بين المؤلف أن التنصير عمل سياسي لا علاقة له بالدين من أي جانب، ودلل على هذا الرأي بعدة أدلة ذكرها في كتابه.
وفي الفصل الثاني أوضح المؤلف أن الهدف من دراسته إيضاح مخاطر التنصير ومضاره السياسية والاجتماعية على العرب والمسلمين، لذلك لم يقدم تاريخاً مفصلاً للتنصير، بل توقف عند المحطات الرئيسية في تاريخ التنصير، معللا: أن ذلك سوف يخدم الهدف الأساسي لهذه الدراسة.
فأعطى المؤلف ملخصاً عاماً عن تاريخ التنصير في البلدان الإسلامية ثم ختم فصله ببيان موقف المسيحية العربية من النشاط التنصيري.
وقبل حديثه عن الأهداف الحقيقية للتنصير والاستعمار، بين المؤلف أن قضية التنصير في العالم الإسلامي في الحقيقة ليست قضية دين يراد إدخال الناس في حظيرته، بل القضية أخطر من ذلك بكثير، فالتنصير بحسب رؤية المؤلف عبارة عن مؤامرة قديمة جديدة ومستمرة، يصر القائمون عليها على تحقيق أهدافهم في السيطرة على العالم الإسلامي الذي يملك مفاتيح السيادة العالمية، فهو ملتقى القارات من ناحية طرق المواصلات، وهو غني بالموارد والثروات الطبيعية، كما كان العالم الإسلامي هو النقطة الفاصلة طول فترة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي.
ولخص المؤلف أهداف الغارة التنصيرية على العالم الإسلامي في عدة أهداف، منها:
الهدف الأول: النيل من الوحدة الإسلامية.
الهدف الثاني: محاولة النيل من القرآن الكريم.
الهدف الثالث: محاربة اللغات الشرقية وفي المقدمة اللغة العربية.
الهدف الرابع: تشوية التاريخ الإسلامي.
الهدف الخامس: التشكيك في صحة رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وعن وسائل التنصير بين المؤلف أن المنصرين قد استخدموا كافة الوسائل المتاحة لهم في سبيل تنصير المسلمين، مشيراً إلى اختلاف هذه الوسائل من جيل إلى جيل، ومن بلد إلى بلد آخر، فلم يوفروا وسيلة مباشرة أو غير مباشرة إلا استخدموها، فظهروا بجميع المظاهر وارتدوا جميع الأقنعة، فبعضهم عمل كطبيب أو مدرس أو مكتشف، وبعضهم سلك طريق الجاسوسية، وبعضهم اهتم بالدراسات الشرقية، وفي كل هذه الأعمال ساروا على مبدأ: “الغاية تبرر الوسيلة”.
وفي هذا الفصل عرض المؤلف لأمثلة من الوسائل غير المباشرة التي استخدمها دعاة التنصير في سبيل تمرير أفكارهم في العالم العربي والإسلامي، كطباعة والمجلات واستغلال وسائل الإعلام الأخرى، كما استغلوا المدارس الأجنبية ومهنة الطب إلى غير ذلك من الوسائل.
وخصص الفصل الخامس من هذا الكتاب للحديث عن وسائل التنصير في إفريقيا، فبعد عرضة لملخص عام عن تاريخ الإسلام بالقارة الإفريقية، انتقل الكاتب للحديث عن أشهر وسائل التنصير في القارة السمراء، ومنها محاربة اللغات السائدة في إفريقيا، واستغلال العمل الإنساني والمساعدات..
ثم تلا الحديث عن إفريقيا بيان أشهر الوسائل التنصيرية في آسيا وأستراليا وأوروبا وأمريكا اللاتينية، ففصل المؤلف الحديث في هذه الجزئية، فكان يذكر وسائل التنصير في كل بلد من بلدان هذه القارات على حدة، مع قصر الحديث على أشهر البلدان في كل قارة، بما يخدم موضوع الدراسة..
وجاء الفصل قبل الأخير للحديث عن التنصير بلغة الأرقام، من خلال ذكر عدد المنصرين في العالم، وعدد الوسائل التي يعتمدون عليها في مشروعهم، كالصحف ووسائل الإعلام الأخرى، مع ذكر نسبة المسيحيين في بلدان العالم الإسلامي، إلى غير ذلك من الأرقام الدالة على ضخامة النشاط التنصيري وشموله لكافة أنحاء العالم..
وختم المؤلف كتابه بالحديث عن أشهر الوسائل الواجب اعتمادها لمقاومة ظاهرة التنصير، ومنها:
– تحقيق المناعة الذاتية، من خلال تحصين المسلم منذ طفولته بالثقافة الإسلامية، وتعليمه العقيدة الصحيحة.
– تنظيم دعوات التبشير لنشر الإسلام.
– نشر التعليم الشرعي في كافة دول العلم.
– تصدي الحكومات الإسلامية للمنصرين وتعقب نشاطهم.
– على الحكومات الإسلامي تسخير إعلامها لخدمة الإسلام، والرد على نشاط المنصرين.
– على الدول الإسلامية أن تعمد فورا إلى إغلاق منافذ التنصير، ألا وهي منافذ الخدمات الإنسانية.
– على الدول الإسلامية الإشراف بشكل مباشر على المؤسسات الأجنبية المختلفة القائمة في بلدانها.
وأخيرا نسأل الله أن يجزي الكاتب خيراً على ما بذل من جهد في هذا الكتاب الجيد، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.