دلالة خرق الدستور أمام الملك والحكومة
ذ. إدريس كرم
هوية بريس – السبت 11 أكتوبر 2014
تساءل المتتبعون لحفل تدشين متحف الفن المعاصر بعاصمة المملكة المغربية الرباط عن دوافع خرق الدستور المغربي أمام أنظار ملك البلاد، ورئيس الحكومة، والبرلمان، ووزراء الثقافة السابقين، ووزراء التعليم، والقانونيين من الذين يحددون ما هو دستوري وما هو مخالف له، وذلك عندما قدم مدير المتحف المغربي، الذي هو بدوره مغربي، للمغاربة أمام من سبق ذكرهم وهم مغاربة، باللغة الفرنسية تقريره عن تلك المنشأة وما يقترحه من مثيلاتها، حسب الترجمة التي قدمتها الإذاعة والتلفزة، وفق المقياس الذي يريد إيصاله للمغاربة المساكين، الذين ذهبت أموالهم فيما لا يمثل حضارتهم وتراثهم، وأدى إلى خرق الدستور الذي يفتخرون به، في وقاحة لم تعهد من غلاة المستعمرين، الذين كان يقول عرابهم، أنا خادم سيدنا، ليتفادى غضب الأمة ويحافظ على تهدئتها باعتباره منفذا لسياسة الملك.
والغريب أن السيد مدير المتحف اعترف بأنه لا يتقن العربية مثل نائبته التي اعتذرت عن التحدث بها، إضافة إلى اختيار طفلة فرنسية للظهور في الفيلم التسجيلي الوثائقي الذي قدم به المتحف للملك؛ وكأن المغرب لا يوجد به أطفال متفوقين، بالرغم من أن فتاة مغربية هي التي حصلت على المرتبة الأولى في مستوى البكالوريا في فرنسا، والتي كرمها الملك في عيد العرش الأخير؛ مما يدل على أن هناك ما يريب في إخراج هاته المهزلة المهينة للشعب المغربي ودستوره.
هذا الدستور الذي ينص على أن للمغاربة لغة رسمية، يتداولونها كتابة ومشافهة، هي العربية والأمازيغية، التي لم يعرها المدير الذي يأخذ راتبه من الضرائب التي يؤدونها اهتماما، مما سيجعل أي خرق للقوانين المسطرة أمرا مسلما به، قياسا على ما جرى أمام الملك، ورئيس الحكومة، والبرلمانيون، وسامي الشخصيات، ووثقه الإعلام صورة وصوتا، وصفق له الجميع دون غضاضة، فحق فيه قول الشاعر:
إذا كان رب الدار بالطبل ضاربا***فلا تلومن الأطفال فيه على الرقص
وكأن هذا الخرق اللامادي لا يترتب عنه تبعات اقتصادية واجتماعية نبه لها العاهل المغربي الذي ترأس الحفل وأمر بالبحث في علاقتها بالتنمية وتوزيع الثروة، وذكر بها في المحفل الأممي من خلال الرسالة التي وجهها للمجتمعين بالأمم المتحدة والتي جاء فيها:
(لكل بلد مساره الخاص حسب تطوره التاريخي ورصيده الحضاري… الإستعمار خلف أضرارا كبيرة للدول التي كانت تخضع لحكمه، وكرس تغييرا عميقا في عادات وثقافات شعوبها، كما رسخ أسباب التفرقة بين أبناء الشعب الواحد… وكأنه لا يمكن تحقيق التنمية إلا حسب نموذج وحيد هو النموذج الغربي).
فهل الخرق رد على المبادرات الملكية في إعادة الاعتبار للرأسمال اللامادي، والدعوة إلى فتح ملف (أضرار الإستعمار)، وتهديد مبدئي وُكِل للانقلابين الجدد المرتدين زي التحديث والعصرنة والخبرة المستوردة -التي جاءت بالمدير الكاره للغة البلد-، والذين يلبسون لكل حالة لبوسها ليوهموا الداخل بأنهم يدافعون عن مصالحهم لدى الخارج، ويبرهنون للخارج أنهم ممثلوه الأوفياء في الداخل؟
والغريب كذلك في الحفل أن مسؤول التشريفات ركب الموجة وقدم التوقيعات والموقعين على اتفاقيتين بين المتحف ووزارة التربية الوطنية و”الباطرونا” بلغة المستعمر على غير العادة، وكأنه يزكي الخرق ويدشن مرحلة جديدة تقطع مع ما كان رسميا دارجا، وأشعر المغاربة أنهم صاروا ضيوفا في بلادهم حتى لا نقول أكثر.
فلو أننا قدمنا تسجيل الحفل دون تعليق، ومن غير وجود الملك بجلبابه المميز للمغرب، هل كان سيقول هؤلاء مغاربة؟ إذ لا شيء يدل على هوية المجتمعين في غياب اللغة والهندام!!!
وبما أننا في شهر افتتاح دورة جديدة للبرلمان الذي يقول من يشغلون مقاعده بأنهم ممثلو سكان المغرب في السهل والجبل والبادية والحاضرة، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء ترجمة ذلك التمثيل بصريا من خلال الهندام كما يقول أصحاب المتحف المدشن، ولولا بعض السيدات المحترمات اللواتي يخرقن إجماع احتقار اللباس الوطني بمن فيهم أعضاء لجنة الصناعة التقليدية ووزيرتها باعتبار أن ذلك الزي مخصص للشواش بالمجلس، كديكور يقدم للزائرين ويذكر المواطنين بمكانتهم الدونية لدى من يحكمهم، ويقول للناشئة لو تشبثتم به لبقيتم خدما يتندر بكم، كما كان المعمرون يفعلون بأسلافكم لما عملوا على المحافظة على الواجهة لتقطع الطريق على كل طامع، وينفردوا بالغنيمة وحدهم.
يقول “أرشيل ديلاسيس” في كتابه “الغزو المعنوي للأهالي 1913”:
“الشعوب المتحضرة لا يمكن لها أن تعيش بدون العشائر البربرية، إنه اعتراف مرعب، لكن إذا تولى تحضرها فلن تكفي نفسها صناعتها وتجارتها مما يتطلب توسيع المستعمرات؛ في مدارسنا الابتدائية الفرنسية نكون مواطني المستقبل وعمال المستقبل الذين سيكونون أعضاء ذوي سيادة ناخبين ومنتخبين يمكن استدعاؤهم لوضع القوانين، لذلك لابد أن يكونوا عاليي التعليم.
وعندما يصبح الأهالي مواطنون سيحتاجون لنفس المعارف كالفرنسيين لأنه الهدف المقصود وليس الهدف الصواب.
الهدف من تعليم الأهالي هو خلق خدام وأصدقاء لفرنسا وعمال قادرين على كسب عيشهم، لذلك يجب أن يتمم الغزو المعنوي الغزو المادي”.
فهل هذا ما أريد إيصاله للمغاربة من خلال الخرق الفج للدستور أمام الملك والحكومة والرأي العام؟
والقول بأن الطموح المغربي الذي تجسد في التوجهات الملكية القاضية بالاهتمام بالرأسمال اللامادي والحديث عن أضرار الاستعمار ووجوب إعادة النظر في التعامل مع الدول التي كانت مستعمرة وتم تدمير بنياتها الاجتماعية والاقتصادية مما شكل صدمة لمن كان يظن أن المغرب سيكون لقمة سهلة في العهد الجديد.