احذروا التقليد.. الهوية لا تسترجع!
حمزة الشرقاني الحسني
هوية بريس – الأربعاء 28 غشت 2013م
نخطأ كثيرا أيها السادة عندما نحتفل بعيد استقلالنا.. فالواقع الذي نعيشه الآن يثبت أن هذا “الاستقلال” لم يكن إلا انتقالا من استعمار أصغر إلى استعمار أكبر.. فإذا كنا سابقا أمام إمبريالية تسخر الجيوش من أجل تطويع الأنظمة فإننا الآن أمام إمبريالية تسخر الأفكار من أجل تطويع الشعوب..! وإذا كنا نواجه سابقاسلب أراضينا واستغلال خيرة أرزاقنا فإننا اليوم نواجه سلب هويتنا واستغلال خيرة أدمغتنا !! لقد حان الوقت أيها السادة لنعترف بالإمبريالية الجديدة.. لنعترف بأننا مستعمرون ثقافيا وفكريا إن لم نقل حضاريا…!
ولأن الاستعمار الجديد يمس بالأساس الفكر والهوية فإن معالمه تعم نظام حياتنا كأفراد وكمجتمعات.. فلا يخفى على أحد أن المثال الغربي صار عنوان النجاح ومقياس التقدم في أذهان عامتنا بل وصار كل ما يمت إلى حضارتنا بصلة مقياسا للتخلف ومدعاة للسخرية لدى البعض، وهكذا صرنا نتنكر لهويتنا ونحاول تبني هويات غيرنا.. نقلد النموذج الغربي في أفكاره، مبادئه، تصرفاته، ملبسه، مأكله ومشربه، في حسناته وسيئاته، متناسين أن لكل حضارة خصوصياتها، وأن علينا بناء نموذجنا الخاص بالنجاح لا تقليد نموذج الآخرين، وأن مثلنا في تقليد الغرب كمثل رجل يتزين بزينة النساء، مظهره يبعث على الاشمئزاز، فلا هو بهيبة الرجال ولا هو بحسن النساء!
لا يخفى على أحد على أن هذا الاستعمار لم يكن وليد اللحظة.. أنما له عوامل ساعدته على ترسيخ دعائمه، فلا شك أن مناهجنا التعليمية المستقاة من مناهج غربية والتي تعتمد بالأساس على لغات أجنبية لا يمكن إلا أن تكون مصنعا لهويات ضائعة تائهة بين الأصل والتقليد.. ثم دعونا لا ننسى وسائل الإعلام الغربية التي تستغل أيما استغلال غياب إعلام وطني وازن لتمرير أفكار وقناعات تجعلنا مقرصنين فكريا من حيث لا ندري.. السينما التي ما فتئت تقدم لنا النموذج الغربي في أبهى حلة فننبهر بما نشاهد.. كلها أسلحة فعالة ومجربة تساعد على غزونا فكريا وثقافيا.. أضف إلى ذلك الشركات الكبرى التي لا تكتفي باستثمار أموالها بل تتعدى ذلك لتمرير رسائل خفية عبر إعلاناتها.. الخ، فالسيارة الرائعة لن تكون كذلك إلا إذا رافقتك حسناء يتطاير شعرها الأشقر وعروض الصيف لمكالمات هاتفية لابد أن تصحبها صورة لأسرة على الشاطئ، حيث البنت وأمها بل وجدتها بالمايوه والأب والأخ يتوسطان الأسرة بسعادة.. وسائل لا نلقي لها بالا لكنها ما فتئت تنفث أفكارا نشازا على ثقافتنا..
إن أزمتنا اليوم أزمة هوية بامتياز، فبين من يعادي هويته وبين من يجهلها خسرنا استقلالنا الفكري في عالم أصبح الفكر فيه مقياسا لتقدم الشعوب أو اندحارها.. خلاصة القول وبالجاهلي القرشي الفصيح: احذروا التقليد.. الهوية لا تسترجع!!