54 عاما في القضاء.. نهاية حزينة لمعركة مقدسي حفاظا على أرضه
هوية بريس – وكالات
لن يتمكن المقدسي سامي درويش في موسم الزيتون المقبل من قطف ثمار أشجاره التي ألفت أغصانها كفيه منذ عقود، لأن المحكمة الإسرائيلية العليا أصدرت قرارا نهائيا بمصادرة أرضه الواقعة في قلب مستوطنة جيلو جنوب القدس، وانتهى بذلك المسار القانوني والمعركة القضائية التي يخوضها هذا الرجل منذ عام 1970.
في ذلك العام، أعلنت الحكومة الإسرائيلية مصادرة 12 ألف دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع) بشكل سريع وعشوائي لصالح إقامة مستوطنات محاذية لمدينة القدس، ومن بين الأراضي قطعة الأرض التي تتبع لعائلة درويش المهجرة من قرية المالحة عام 1948، والتي تقدر مساحتها بـ242 دونما.
وبسبب وجود 3 منازل للعائلة في منتصف الأرض، استثنت الحكومة الإسرائيلية ما مساحته 14 دونما و615 مترا مربعا من المصادرة، ومُنحت العائلة أوراقا تثبت حقها في ذلك عام 1974 من “دائرة أراضي إسرائيل”.
معركة قضائية
في حديثه للجزيرة نت، قال صاحب الأرض سامي درويش إن الحال بقيت على ما هو عليه منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي حتى عام 2016، عندما ادّعت الدائرة ذاتها وبلدية الاحتلال في القدس أن الأوراق الثبوتية التي تملكها العائلة ينقصها توقيع وزير المالية الإسرائيلي، وهو الوحيد المخول بتحرير أرض من المصادرة، وهذا ما لا يملكه درويش.
“قالوا لي حينها إن دائرة أراضي إسرائيل يحق لها أن تصادر أرضا، لكن لا يحق لها تحريرها، وإن أوراقي سليمة، لكن من أكّد حقي في ملكية الأرض ليس هو المخول بذلك.. التفوا على القانون بطريقة غريبة من أجل مصادرة ما تبقى من أرض جدي عبد الفتّاح، آخر مشايخ عشائر قرى بني حسن في القدس” أضاف درويش.
بدأت معركة قانونية جديدة وتردد هذا الرجل الذي أصبح مسنّا على أروقة كل من محكمة الصلح والمركزية، لكنهما لم تنصفاه، وقرر هو ومحاميه التوجه إلى المحكمة الإسرائيلية العليا عام 2022، وهناك أعاد القضاة القضية إلى نقطة الصفر بعد ردهما لها بسبب “التقادم”، وكسب درويش القضية.
لكنه تفاجأ مجددا في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أي بعد مرور شهر واحد على اندلاع الحرب على غزة، بقرار يخطره بإخلاء المنازل والأرض وإمهاله 30 يوما لتنفيذ ذلك، لأن الأرض مصادرة “للمصلحة العامة”.
لم يجد درويش خيارا أمامه سوى خوض معركة قضائية جديدة فتوجه إلى المحكمة المركزية واستأنف على القرار، وهناك “خرج لنا 3 قضاة وسألوني ماذا تريد؟ هذه أوامر دولة والقرار صائب.. إما أن تسحب الدعوى الآن ونعيد لك 45 ألف شيكل (12 ألف دولار أميركي) التي أودعتها في خزينة المحكمة، أو أنك ستخسر القضية وتدفع مزيدا من المبالغ”.
تهديد من القضاة
كان ذلك تهديدا مباشرا لهذا المقدسي، لكنه ومحاميه رفضا سحب الدعوى، وبعد يومين صدر القرار برفض الاستئناف والإخلاء الفوري، فتوجه إلى المحكمة الإسرائيلية العليا مجددا مطالبا إياها بوقف الإجراءات وقبول الاستئناف فدفع 26 ألف شيكل أخرى (7 آلاف دولار).
ويقول درويش إنه “بدلا من تحديد موعد جلسة للاستماع لي، حتى وإن كانت المحكمة شكلية، أرسلوا قرارا يوم 17 مارس/آذار الماضي يؤكد قرار محكمتي الصلح والمركزية، ويطالبني بدفع مبلغ 20 ألف شيكل إضافية (5300 دولار)”.
بعد صدور القرار بـ3 أيام، اقتحمت الشرطة ودائرة الإجراء والتنفيذ الإسرائيلية الأرض، وأمهلوا سامي درويش 21 يوما لإخلائها بشكل نهائي، وكانت نهاية المهلة في ثاني أيام عيد الفطر، وعصر ذلك اليوم اقتحموا قطعة الأرض، التي أطلق عليها أهالي المالحة قديما اسم “الظهور”، وطردوه منها إلى الأبد.
ويضيف المواطن المقدسي أنه “بعد الحرب، اتخذت القضية مسارا مختلفا تماما، ولم يعد القضاة ينظرون لي بوصفي صاحب حق في هذه الدونمات التي ورثتها عن جدي، ولم يستمعوا لي بتاتا”.
مبالغ خيالية
اطّلع درويش على المخطط الذي يستهدف أرضه، إذ سيقام عليها 3 أبراج سكنية (بواقع 42 طابقا لكل برج) لتوطين مزيد من المستوطنين في مستوطنة “جيلو” التي تترامى أحياؤها، كما ستهدم المنازل الثلاثة ذات الموقع الإستراتيجي، وسيقام مكانها “دوّار” تتفرع منه شوارع توصل إلى منازل الغرباء.
“عرضَت عليّ البلدية ودائرة أراضي إسرائيل 84 مليون دولار مقابل التنازل عن الأرض ومنازلها التاريخية، وقالوا إن ذلك سيتم بهدوء تام، وعرض عليّ السماسرة مبالغ خيالية أيضا، لكنني رفضت ذلك، لأنه لا يمكن لعاقل التنازل عن أرضه” يضيف درويش.
وعند سؤاله عما إذا كانت أرضه تضم أشجار زيتون، تنهد وصمت للحظات ثم قال بنبرة ألم عميقة: “نعم بالتأكيد، أرضي تعج بالأشجار، وكانت تضم مئات أخرى، إلا أن المستوطنين أحرقوها صيف عام 2005، إذ التهمت النيران أكثر من مئتي شجرة، وبعدما جلبت 250 شتلة زيتون جديدة وزرعتها، تم اقتلاعها بعد شهر واحد فقط”.
ويصف هذا المقدسي حاله بعدما أعدمت المحكمة الإسرائيلية العليا أمله في الحفاظ على أرضه بجرّة قلم، قائلا: “أنا أبكي الآن دما لا دموعا، وعاجز عن استيعاب ما حصل خلال الأشهر الأخيرة.. أتردد هناك وأقف على أطلالها، وهي قطعة الأرض الوحيدة التي احتُلت عام 1967 من أراضي المالحة، التي كانت ضحية التهجير والمصادرة عام 1948″.
” يا وحدي” هذه الكلمة التي كان يرددها سامي درويش لنفسه منذ سبعينيات القرن الماضي، عندما وجد نفسه يقارع دولة بأكملها وحده من دون أن يسنده أحد كونه مقدسيا.
ضم فتوسع
من جهته، قال الباحث في معهد الأبحاث التطبيقية – القدس (أريج) سهيل خليلية للجزيرة نت إن مستوطنة “جيلو” الواقعة جنوبي القدس أُنشئت عام 1971 على مساحة نحو 150 دونما فقط حينها، وتوسعت المستوطنة تدريجيا حتى باتت تتربع الآن على مساحة 3 آلاف دونم صُودرت من أراضي قرى شرفات وبيت صفافا والمالحة ومدينة بيت جالا.
ويتراوح عدد المستوطنين فيها ما بين 35 و40 ألف مستوطن، وأدرجت مخططات جديدة لتوسعة هذه المستوطنة بزيادة ما بين 3 إلى 5 آلاف وحدة سكنية جديدة.
وأشار خليلية إلى أن هذه المستوطنة تقع في الضفة الغربية خارج الخط الأخضر، إلا أنها من أوائل المستوطنات التي ضُمّت إلى حدود بلدية القدس مع مستوطنات أخرى عندما أعادت إسرائيل ترسيم حدود بلدية القدس بشكل غير قانوني بعد عام 1967.
ولا تعد إسرائيل “جيلو” مستوطنة، بل تعتبرها حيّا من أحياء القدس، والأخطر من ذلك -وفقا لخليلية- أن هذه المستوطنة تلعب دورا رئيسيا في ربط مدينة القدس مع تجمع “غوش عتسيون” جنوب غرب بيت لحم ضمن مخطط “القدس الكبرى”.
المصدر: الجزيرة.