نحن أبناء مجتمعاتنا أكثر من كوننا أبناء الأيديولوجيات التي نتبناها
ذ. أحمد سالم
هوية بريس – الثلاثاء 28 أكتوبر 2014
يركز الناس على مواقفك وآرائك التي تتبناها والتي تصدر عن خلفيتك الأيديولوجية، ويحللون تصرفاتك بناء على هذه المواقف والآراء والمرجعية الأيديولوجية.
في الحقيقة هناك قدر كبير من الخلل هاهنا..
تصرفاتنا منتج تساهم في تصنيعه عدة عوامل، لا أنفي أن المرجعية تكون أحد هذه العوامل، لكن الحقيقة هي مجرد مكون من مكونات العجين، هناك مكونات أخرى للعجين تعطيه لوناً وطعماً وقواماً، وهناك أيضاً أدوات أخرى تعطي العجين شكله النهائي الذي يخرج به مطبوخاً.
الذي أريد التركيز عليه هنا: هو أن الأهواء والثقافة عاملان أكثر وأشد تأثيراً في كثير من الأحيان، بحيث تبقى الأيديولوجيا معهما في أحيان كثيرة مجرد وجه التزيين الذي يوضع على الكعكة من أعلى، وهذا التزيين العلوي قد يجعلها بالشيكولاتة وقد يجعلها بالفواكه، لكن ذلك في النهاية غطاء تحته عمق من الثقافات والأهواء والعيوب لم يتم النفاذ له.
الأهواء والثقافة وما يتعلق بهما من عيوب التفكير وميزاته وعيوب النفس وميزاتها وقدرة الرجل على التجويد والإتقان أو عجزه عنهما، وهمته أو قعوده، وتوازنه النفسي أو اختلاله، وحلمه وأناته أو عجلته ونزقه، حكمته أو حمقه، كل تلك الأشياء تستقبلك الأيديولوجيا وقد تم تشكيل أسسها فيك في مكان آخر، وقلما تصنعها فيك، قد تخفف آثارها، وقد تزيد منها، لكنها لا تصنعها فيك..
أهواؤك وثقافتك ومكونات شخصيتك، صنعت في بيتك بين أبيك وأمك، وصنعت في ربع عمرك الذي تقضيه في المدارس، وصنعت من دائرة معلميك وصداقاتك، وصنعت من أجهزة الإعلام.
أنت ابن هذه الدولة وذاك المجتمع أكثر من كونك ابن الأيديولوجيا.
بعبارة أخرى: الليبرالي والاشتراكي والإسلامي والوصولي المتزلف هم في النهاية شرائح مقتطعة من كعكعة واحدة وفيهم تشكيلة وتنويعة مكونات هذه الكعكة، واختلافات عمق الكعكة هنا تعتمد على إضافات عميقة توجد أحياناً في بعض الشرائح (بحب أحط مكسرات في العجينة وبيبقى حظك حلو لو طلع في الشريحة بتاعاتك حتة عين جمل)، فقط الأيديولوجيا تختار نوع التزيين الذي سيوضع أعلى شريحة الكعك المقتطعة.
كوارث التيار الفلاني!!
تأمل فيها جيداً ستجد شطراً عظيماً منه حدث لأنهم في النهاية مصريون، وفيهم عيوب المصريين، وفيهم ما يتلقاه المصريون في بيوتهم ومدارسهم ويحقنه فيهم إعلامهم.
الإسلاميون يعتبرون أنهم ثقافة مغايرة للمجتمع وأنهم استطاعوا ويستطيعون صنع ثقافة موازية، وهذا صحيح على مستوى وجه الكعكة فحسب، أما الصلب والجسم الداخلي، فثم فئة قليلة فقط هي من تستطيع النفاذ إلى عمق كعكتها فتصنع ثقافة مغايرة عما صنعه الخباز.
فالطريق الصحيح ليس في تغيير ما يلقى على وجه الكعكة فحسب، ولا في إزالة الكعكة كلها من الأسفل؛ لأنه لا سبيل إلى ذلك، وإنما في تحسين نسيج العجين قدر الاستطاعة، ومحاولة التوقف عن الإسراف في تزيين وجه الكعكة، ومحاولة النفاذ إلى الثقافات والأهواء التي تسيطر على عمقها.
في تفاعلك الاجتماعي؛ ستجد أنك تتعامل مع الناس بكل إرثهم الذي حملوه ومعادنهم التي تكونهم أكثر من كونك تتعامل مع أفكار تلقفوها من أيديولوجيا قابلوها بعد استواء عمق كعكتهم.