من نَوادر التّدبير الجماعي التي تَفُوقُ نَوادر جُحَا!
عبد الله النملي
هوية بريس – السبت 01 نونبر 2014
النّوادر هي الأشياء التي يقل وجودها أو حدوثها، وتتميز بالخروج عن المألوف، وبذلك أطلق على الأحداث الغريبة الوقوع نوادر. وقد أفرد للنوادر في التراث العربي كتب كثيرة جدا. ومن أصحاب النوادر الشهيرين جحا.
ولعل المتتبع للتدبير الجماعي بالمغرب، لابد أن تنتابه الغرابة أمام كل ما يُخالف مألوفه من نوادر التدبير الجماعي. وغير خاف أن الأمر إذا أُسْند لغير أهله فانتظر الساعة، وفي ذلك دليل واضح على أهمية إسناد الأمر إلى أهله، لأن ضياع الأمانة من المُنْدرات بقرب الساعة. ومن نوادر التدبير الجماعي بالمغرب، التي تفوق نَوادر الجاحظ وجُحا ونوادر أي فنان كوميدي، تلك التي كشف عنها التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات لسنة 2012، حيث أبرزت التقارير الخاصة الإختلالات والنوادر ذات الطابع الغرائبي التي تشوب سير الجماعات الترابية. وسنحاول رصد بعض الإختلالات الجسيمة التي أطلقنا عليها مفهوم نوادر، بالنظر لغرابتها وعدم توقع حدوثها، انطلاقا من تقارير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2012.
تحميل الجماعة مصاريف كراء بنايات تُستغل من طرف الغير والترخيص لتجزئة سكنية مُعُرضّة للفيضانات
قامت الجماعة الحضرية لقلعة السراغنة بكراء محل سكني لباشا المدينة بمبلغ 6.000,00 درهم شهريا منذ 22/01/2008، كما قامت كذلك بكراء بناية لفائدة الدائرة الحضرية الثالثة بنفس المبلغ، منذ 22/01/2009. وقد تحملت الجماعة ما مجموعه 1.661.298,00 درهم من دون أي سند قانوني. كما قامت الجماعة بالترخيص بإحداث تجزئة سكنية على أرض فلاحية مسقية، دون العمل على إخراجها من دائرة الأراضي السقوية، بحيث تبين أن الأرض موضوع إنشاء التجزئة مُعرضة لخطر الفيضانات، بحكم وقوعها بأرض مُنبسطة مُحاذية لوادي ” كاينو”. وقد ترتب عن عدم اتباع المسطرة القانونية لإحداث هذه التجزئة التي تضم عمارات سكنية، وضع أسس على أراضي هَشّة، تبين حسب المعاينة الميدانية للمجلس الجهوي للحسابات بمراكش، أنها تضم مستنقعات لقربها من الفرشة المائية، قد تعرضها للسقوط.
أداء نفقات لا تدخل ضمن تحملات الجماعة والمُغالاة في الأثمان
تتحمل الجماعة القروية لمهارزة الساحل بالجديدة، نفقات بلغت 397.250,00 درهم، مترتبة عن كراء منازل سكنية لفائدة رجال السلطة المحلية، رغم أن هذه النفقات لا تُعَد من نفقات الجماعة التي تنص عليها المادة 21 من ظهير 30 شتنبر 1976، وكذا مقتضيات المادة 39 من القانون رقم 45.08 المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية ومجموعاتها. وهذا ما كرسه القرار 973 ب/ل الذي أصدرته الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى بتاريخ 10 أكتوبر 2002 والذي جاء مؤيدا لقرار المجلس الأعلى للحسابات، الذي اعتبر كراء سكنى القائد على حساب الجماعة يشكل نفقة غير مشروعة.
كما قامت الجماعة بإصدار سند الطلب رقم 25 بتاريخ 13/06/2008 الذي كان موضوع الفاتورة رقم 08/02، من أجل التهيئة الخارجية لمقر الجماعة. وتعتبر الأثمان المُعتمدة في سند الطلب هذا جد مرتفعة، نظرا لطبيعتها ومقارنة مع أثمان السوق. وكشف المجلس الجهوي للحسابات بسطات، أنه من أجل القيام بإزالة حائط صغير بعلو 40 سنتيمتر، احتسب مبلغ 30,00 درهم للمتر الطولي، أما بناء الحائط الجديد فاحتسب بمبلغ 150,00 درهم للمتر المربع الواحد، أما قمة الحائط فتم احتسابها بمبلغ 200,00 درهم للمتر الطولي الواحد، علما أن عرضها هو 20 سنتيمتر وعلوها هو 20 سنتيمتر، أي أنه تم احتساب المتر المكعب الواحد بمبلغ 5.000,00درهم، وهو لا يتجاوز في أقصى الحالات 1.500,00 درهم.
تحمل الجماعة مصاريف اشتراك الهاتف النقال للرئيس رغم تغيبه عن الجماعة
رغم تغيب الرئيس عن الجماعة القروية مرس الخير الصخيرات تمارة، منذ أواخر سنة 2010، وعدم مزاولته لمهامه، تحملت الجماعة مصاريف اشتراك هاتفه النقال، بمبلغ قدره 11.616,00 درهما خلال سنة 2011 ومثله عن سنة 2012، بما يناهز ضعف المبلغ المؤدى عن سنة 2010 الذي لم يتجاوز 5.058,09 درهم. كما تحملت ميزانية الجماعة مصاريف اشتراكات الهواتف النقالة لبعض أعضاء المجلس الجماعي غير المنتمين للمكتب دون سند قانوني، مما كلف ميزانية الجماعة سنوات 2010 و 2011 و 2012 ما يناهز 61.740,00 درهما.
قيام رئيس الجماعة باستغلال ملك جماعي مُعَد للسكنى بدون سند قانوني
من خلال المراقبة التي قام بها المجلس الجهوي للحسابات بطنجة، تبين أن الجماعة القروية سيدي رضوان بوزان، قامت بسمسرة عمومية بتاريخ 18 أبريل 2011 قصد كراء دور سكنية، خصصت كلها لموظفي الجماعة، طبقا لمقرر سابق للمجلس الجماعي. كما أن المسكن المسجل في سجل الأملاك الجماعية تحت عدد 84، موضوع عقد كراء لفائدة موظف جماعي، أدى ما بذمته لفائدة الجماعة سنة 2011، تبين من خلال عملية المراقبة، لاسيما محضر إجراء معاينة قام بها المفوض القضائي لدى المحكمة الابتدائية بوزان بتاريخ 07 شتنبر 2010 للسكنى المذكورة، بطلب من بعض أعضاء المجلس الجماعي، بأن ساكنه هو رئيس المجلس الجماعي سيدي رضوان، وذلك خلافا لمقتضيات المادة 22 من القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي.
إنجاز مشروع من ميزانية الجماعة خارج نفوذها الترابي
بالجماعة القروية بني سمير بخريبكة، تبث من خلال المعاينة الميدانية للمجلس الجهوي للحسابات بسطات، أن قنطرة اولاد حداد الواد، قد أنجزت داخل تجمع سكني يتواجد به منزل الرئيس السابق وأفراد عائلته، حيث قام الرئيس السابق ببناء سور حول موقع القنطرة وأغلقها ببابين، وكتب عليها “ملكية خاصة“. وحرم بذلك المارة وساكنة الجماعة من منافع هذه القنطرة. كما اتضح عبر التحريات التي أجرتها لجنة الافتحاص لدى مصالح عمالة خريبكة والوكالة الحضرية والمندوبية الجهوية بسطات، أن جزءا من دوار اولاد حداد الواد الذي أنجزت به القنطرة، تم إلحاقه بالمدار الحضري لمدينة وادي زم، إثر مراجعة التقطيع الانتخابي الجماعي سنة 2002. وانطلاقا مما سبق، انكشف للمجلس الجهوي للحسابات أن الرئيس السابق صرف اعتمادات من ميزانية الجماعة من أجل إنجاز مشروع شخصي يتواجد خارج النفوذ الترابي للجماعة. وهو ما يخالف مقتضيات المادة 21 من القانون المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية، بحكم أن النفقة أعلاه لا تدخل في تحملات الجماعة.
توزيع معدات كهربائية على المستشارين
في غياب كهربائي بالجماعة، عَمد رئيس الجماعة القروية سيدي عبد الله غياث الحوز، إلى إبرام اتفاقية مع كهربائي من أجل إصلاح الأعطاب التي تلحق شبكة الإنارة العمومية وتغيير المصابيح المعطلة، حيث بلغت مصاريف اقتناء وإصلاح المصابيح والمعدات الكهربائية حوالي80.000,00 درهم سنويا. وقد تبين من خلال اطلاع المجلس الجهوي للحسابات بمراكش على الوثائق المثبتة لهذه العمليات، توزيع نسبة مهمة من المعدات الكهربائية على العديد من المستشارين في غياب أي تفويض بذلك، وفي غياب ما يثبت استعمالها لأغراض تخص الإنارة العمومية بتراب الجماعة.
التواجد المستمر لكاتبة عمومية بمقر الجماعة دون أن تربطها أي علاقة
لاحظ قضاة المجلس الجهوي للحسابات بوجدة، داخل مقر الجماعة القروية هوارة اولاد رحو جرسيف، تواجد كاتبة عمومية منذ سنة 2009، لا تربطها أي صلة رسمية بها، حيث تتولى المعنية بالأمر تحرير مختلف الوثائق بمقابل، كما تستفيد من كهرباء الجماعة، بأمر من رئيس الجماعة. وقد خَلُصَ المجلس الجهوي للحسابات، أن استغلال مقر إدارة عمومية من طرف كاتبة تشتغل لحسابها الخاص، يشكل إخلالا بحرمة المرفق العام وهيبة الإدارة، فضلا عن أنه يعتبر مَنْحًا لمنفعة غير مُبررة.
دمج الاعتمادات المرصودة لفائدة المجلس الإقليمي مع الميزانية العامة
على الرغم من أن المادة الأولى من القانون رقم00_79 المتعلق بالعمالات والأقاليم تنص على أن العمالات والأقاليم تعد جماعات محلية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، إلا أنه قد سُجل تداخل تدبير الإدارة الترابية المُمَثلة بعمالة إقليم صفرو والمجلس الإقليمي لصفرو، حيث دأبت الممارسة المُتّبعة في ما يتعلق بتدبير الميزانية الإقليمية، على صرف الإعتمادات دون تمييز واضح بين الشؤون التي تدخل في مجال اختصاص المجلس الإقليمي وبين مجالات تدخل الإدارة الترابية. وقد اتضح هذا التداخل للمجلس الجهوي للحسابات بفاس من خلال أبواب الميزانية المتعلقة باستهلاك المحروقات وصيانة وإصلاح الآليات وشراء قطع الغيار واقتناء المنقولات وغيرها، بالإضافة إلى التخزين المندمج للمقتنيات، ومن دون مسك جذاذات التخزين بالمستودع الإقليمي، أو على الأقل التمييز بين المقتنيات التي تتم برسم الميزانية الإقليمية، وتلك التي تتم في إطار الميزانية العامة.
إن بَعْضًا من نوادر التدبير الغرائبي للمجالس التي ذكرناها، تعكس أن فكرة القيادي أو المدبر الذي تطمح إليه الجماعات المحلية، مازالت بعيدة، لضعف تكوين جل المنتخبين،الذين أضحى الكثير منهم، مصدر قلق مزمن لمجرد ذكر أسمائهم للساكنة، وتحولوا إلى فسحة للتنكيت المصحوب بالازدراء. وإذا كان الميثاق الجماعي ينص على ضرورة توفر رئيس المجلس على الشهادة الابتدائية على الأقل، فإن بعضا من رؤساء الجماعات، لا يحصلون عليها إلا عن طريق الرشوة وتزوير الشواهد المدرسية للظفر بكرسي الرئاسة، حيث تؤكد الأخبار أن بعض الرؤساء قد أزيحوا عن الرئاسة لهذا السبب، الشيء الذي جعل العديد من المجالس البلدية تعيش حالة فوضى، أخرجت معها المواطنين للاحتجاج على تعمق مشاكلهم في التزود بأبسط الضروريات. فيما كان منتخبون آخرون رهن المتابعات القضائية والتحقيقات الأمنية، بسبب تورطهم في فضائح مالية، بعد أصبحوا بين عشية وضحاها، منعشين عقاريين، يجمعون الثروة من خلال عضويتهم للمجالس، حتى أصبحت بعض الجماعات، بمثابة شركات مجهولة الاسم، يسيرها رؤساء بمخطط لا علاقة له بتنمية الجماعة، بل مخطط لتنمية الأرصدة في البنوك.
ولا غرابة في ذلك، إذا علمنا أن قضاة المجالس الجهوية للحسابات، وقفوا على العديد من الجماعات التي لا تتوفر على مخطط للتنمية، بل إن الجماعة القروية اجريفية ببوجدور، كانت قد انفردت عن كل الجماعات المحلية، بنادرة ستخلدها طويلا في موسوعة التدبير العجائبي للمجالس، حينما قدمت للمجلس الجهوي للحسابات بالعيون، وثيقة فريدة من ورقة واحدة، أطلقت عليها اسم مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية !!، متجاهلة وظيفة التخطيط التي تندرج ضمن المسؤوليات الأساسية للجماعة، بالنظر إلى مقتضيات المادة 36 من الميثاق الجماعي التي ألزمت المجلس الجماعي بتشكيل لجنة دائمة تتكلف بعملية التخطيط.