أخلاقك عنوان استقامتك
ذ. أحمد اللويزة
هوية بريس – السبت 01 نونبر 2014
التزام بلا أخلاق كعسل بلا مذاق، ولا قيمة لالتزام بلا خلق حسن رفيع، فحسن الأخلاق دليل على حسن الاستقامة وسلامة التدين وسر من أسرار الثبات على ذلك، وللمسألة استثناءات طبعا.
فلنتأمل أخلاقنا أين هي من أخلاق الإسلام، ولنضعها في ميزان الشرع، فإن وافقتها فبها ونعمت ولنعض عليها بالنواجذ، مع الحرص عليها من الضياع فهي كنز ثمين، وثوب ساتر لكثير من عيوب التصرف، أما وإن كان العكس فلنجتهد في اكتسابها والتمثل بها فإنما الحلم بالتحلم، والعلم بالتعلم، وما جاهد امرؤ نفسه على أمر خيرا من حملها على فضائل الأخلاق.
إن الأخلاق لشرفها كل يدعيها وصلا، ويدبج فيها العبارات والكلمات، وينثر فيها القصير والمطولات، وينظم فيها القوافي والأمثال، وما نقرأه عن الأخلاق شيء يهز الكيان ويطرب الأسماع، لكن حين نراها واقعا من أناس اصطفاهم الله وتحلوا بها فجعلوها منهج حياتهم يكون للشعور معنى آخر يصعب أحيانا وصفه، بل يخجل المرء من نفسه إن كان لا زال مرهف الإحساس، ولم تبلده قساوة الطبع وخشونة الخلق التي لا يعلو صوت على صوتها في هذا الزمان الغريب أمره، الذي اختلطت فيه الأمور حتى صار الخلق الجميل مشينا والخلق الشنيع فضيلة. فتسمع عن الأخلاق ولا تراها، وينظر لها من شأنها وخانها، ويعجز عنها من رامها وتمناها، وقليل من سلم أمره وبلغ غايته ووفقه الله.
كل الناس يرون منك أخلاقك ويبحثون عنها في تصرفاتك، وإن عبرت عنها بأفصح عبارة وأبلغ بيان، سلوكك هو من يدل عليك، فتكون محبوبا أو مكروها بما تفعل لا بما تقول.
فلنتنبه لهذا جيدا حتى نخرج من دوامة التناقض الذي نعيشه في أبشع صوره وأفظع أخباره، حتى أنه «يقال للرجل ما أعقله ما أجلده وليس في قلبه مقال ذرة من إيمان» كما ورد في الحديث الطويل.
إنه واقع خطير يشخصه حديث رسول الله صلى عليه وسلم وفي غيره من الأحاديث التي تتحدث عن انتشار القيم والأخلاق المنحرفة في آخر الزمان، مما يدل على أن النجاة من فساد الأخلاق والتخلي بمكارمها أمر ليس سهل المنال ولا يستطيعه إلا ذو حظ عظيم.
فالأخلاق ليست مطلبا تقتضيه الظروف بقدر ما هي أساس استقامة الحياة وصفائها، ودوام الود بين أهلها ليستمر بينهم التعايش السليم والآمن الذي فقدناه بشكل عكـَّر صفو الحياة وأفسد حلاوتها.
وهي مطلوبة في كل البشر لأنها قيم فطرية لا تغيرها إلا عوامل الإفساد المتوالية، وهي فيمن ينتسب إلى الإسلام وإلى السنة ويشدو منهج السلف أشد طلبا وألح امتثالا، وإن من أدى شعائر الله لزاما ينبغي أن يكون على أعلى مستوى من هذه الأخلاق لأنها مقتضى أثر العبادة عليه إذا كان يؤديها على وجهها المطلوب شرعا، وإن مما شرع الله من أجله العبادات أن تحسن أخلاق العباد، وما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلا ليتمم مكارم الأخلاق كما في الحديث الصحيح المشهور.
ولأن أمر الأخلاق عظيم في الإسلام فإنها كانت مقصدا مهما من مقاصده ومما كلف الله به عباده، وكان عليه الصلاة والسلام خير من تخلق بأخلاق الإسلام فقد كان خلقه القرآن كما قالت عائشة رضي الله عنها.
كيف لا يكون كذلك وهو خير من عبد الله؛ فهو خير من صلى والله يقول: «إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر».
وهو خير من صام وهو القائل: «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصحب فإن سابه أحد فليقل إني امرؤ صائم».
وهو خير من زكى وقد قال الله تعالى: «خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها».
وهو خير من حج وقد قال الله تعالى: «فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج».
فتأمل هذه الآيات التي تحدثت عن هذه العبادات العظيمة وكيف ارتبطت مآلاتها بالتربية على الأخلاق الفاضلة الراقية، وكذلك كان صلى الله عليه وسلم، فقد كان داعيا إلى الأخلاق بأقواله؛ كما كان داعيا إليها بحسن أفعاله وليعتبر المنظرون.
فهذا هو الإسلام وهذا ما ينبغي أن يكون عليه كل من ادعى الالتزام والاستقامة، وإلا فليعد نظره في أمر نفسه، فما أوتي عبد خير من حسن الخلق، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني منزلا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا»، وليس شكلا ولا هنداما ولا كلاما…، لكن الذي تقرر من دين الله أن الإسلام دين متكامل بعضه من لازم بعض ولا يمكن تجزيئه بحال من الأحوال، ولأي داع من الدواعي، فحسن الخلق من حسن التعبد في الظاهر والباطن، وحسن التعبد مؤد لا محالة إلى حسن الخلق.
وإن من أعظم الأخلاق الأمانة والتواضع والكرم والحلم وبها يسمو المرء ويعلو قدره، فقد قالت خديجة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «فوالله لا يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق».
وتأمل هذا لتدرك أصولها وركائزها فجاء عن جعفر بن أبي طالب أنه قال بين يدي النجاشي: «أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، وكنا على ذلك حتى بعث الله تعالى إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله تعالى لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة.
إنه دين يعظم الأخلاق والمتخلقين؛ فكونوا كذلك نصرة لهذا الدين ورغبة في مصاحبة الصادق الأمين سيد المتخلقين الذي لم يكن يفتر عن أن يدعوا ربه «اللهم اهدني لأحسن الأعمال وأحسن الأخلاق، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وقني سيء الأعمال وسيء الأخلاق، فإنه لا يقي سيئها إلا أنت».