شمولية المعرفة عند شيخ الإسلام (مدارسات في الفتاوى.. ح4)
د. عادل رفوش
هوية برس – الجمعة 07 نونبر 2014
لا أستغربُ أن أجدَ العلم الغزيرَ في شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم الحراني عليه الرحمة والرضوان، وأن يسبح بي في أفلاك العلوم بشموسٍ من المعارف، تجري لمستقرٍّ لها من الفتح المبين والفقه الرَّصين..
وأن يزلزل بكَ المألوف لتتعمق في التحرر من أي قيدٍ لا ينتمي لسلطان البرهان، وأن يشعرَك بذوق العلم لا بحفظه أو فهمه فحسب -فضلاً عن التطفل عليه-؛ حتى إنك لتشعر بقشعريرة الإخباتِ وهو يعرُجُ بك في بيانِ المرتَّلِ على مَكَثٍ ترتيلاً…
وتشعر بالاهتزاز طرباً لزوائد الأحاديث وتمام الروايات التي ربما اختصار الأصول -لاعتباراتٍ عند المتقدمين- أو اقتصار المستَدِلِّينَ على شواهد سياقاتٍ معينةٍ؛ جعل أَناسِيَّ في شرودٍ عن صنوانِ تلك الأحاديث من زيادات قاطعات في دلالاتٍ مهماتٍ…
وخذ على ذلك أُنَيميذَجاً يناسب كُلَيماتِ المقالة؛ وهو يدندن في “خُلُقِ الإنفاقِ“؛ الذي يرفع الله به درجات المتقين، ومدحهم به سبحانه في مواضع من كتابه الكريم الذي {مَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} [الشعراء:210،211].
خلق الإنفاق الذي هو إكراه لشح الأنفس التي أُحْضِرَتْهُ {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9]؛ فكأنه يغوص بها في نَفقٍ بعدَ نَفقٍ لتنفق في سبيل الله؛ فيصلاً عن نافِقاءِ النِّفاقِ الذي دَأَبُ أهله أن يقبضوا أيديهم، فنسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الكاذبون.
نعم إنهم أولئك المخذولون في الدرْكِ الأسفل؛ لأنهم أَشرُّ من كفر به، وأولاهم بمقته حتى خصهم الله بعسر التوبة لبعدهم عن الإنابة إليه؛ فاشترط عليهم دون غيرهم -كما قال ابن قتيبة- ثلاثةً لتوبتهم في آية سورة النساء: “الإصلاح والاعتصام والإخلاص“.
وإلا فلا توبة لهم؛ لأن النفاق ذنب القلب، والإخلاص توبة القلب {وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ} [النساء:145،146].
ثم لم يجعلهم مؤمنين وإنما “ملحق بجمع المؤمنين السالم” لأنه لا تؤمن خيانتهم “للأهلين في الأرضين”؛ قال سبحانه: {فأولئك مع المؤمنين}.
وقد انتُهكت حرمة هذه الآية في مواطن (لا تسع المقالة لتبيينها)؛ فكأن الإنفاق في سبيل الله علامةُ صدقٍ لا تكذب، وبشارةٌ بأنَّ الله تعالى يرعى أهله ويذْكُرُهم؛ كقول أمنا خديجة: “والله لن يخزيك الله أبداً إنك لتحمل الكل…“، ومثله قول ابن الدغنة للصديق في قصة الجوار..
بل إن كثيراً من المؤرخين يقولون لو أنَّ الإمامَ عبد الله بن الزبير رضي الله عنه تنبه للإنفاق على الناس توسعةً، بدل الإنفاق على الكعبة ترميماً؛ لكانوا له أشدَّ ولاءً؛ ولما أغراهم إغداق عبد الملك ولا هَيجانُ الحجاج؛ ولما فُجِعَتْ سُكَيْنَةُ الطاهرةُ في رأسِ مُصْعَب النَّجَداتِ؛ ولتغير وجه التاريخ، ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً وتلك أمة قد خلت..
يقول ابن تيمية في نفحاتٍ عن هذا الأصل البهي:
(.. قال الحسن البصري في تفسير قوله تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}: “إن من أعظم النفقة نفقةُ العلم“.
وفي أثر آخر: “نِعمتِ العطيةُ، ونعمت الهدية: الكلمةُ من الخيرِ يسمعها الرجلُ، فيهديها إلى أخ مسلم“.
وفي أثر آخر لأبي الدرداء: “ما تصدقَ عبدٌ بصدقةٍ أفضلَ من موعظةٍ يعِظ بها إخوانًا له مؤمنين، فيتفرقون وقد نفَعهم الله بها“.
وروى ابن ماجه في سننه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أفضل الصدقة أن يتعلم الرجل علمًا، ثم يعلمه أخاه المسلم“.
وقال معاذ بن جبل: “عليكم بالعلم، فإن طلبه عبادة، وتعلُّمه لله حسنة، وبذْله لأهله قُربة، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، والبحث عنه جهاد، ومذاكرته تسبيح“.
ولهذا كان “معلم الخير يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر“، “والله وملائكته يصلون على معلم الناس الخير“؛ لما في ذلك من عموم النفع لكل شيء.
وعكسه: كاتموا العلم؛ فإنهم يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون؛ قالت طائفة من السلف: “إذا كتَم الناس العلمَ، فعُمِل بالمعاصي، احتبس القطر، فتقول البهائم: اللهم العَن عصاة بني آدم، فإنا منَعنا القطر بسبب ذنوبهم) اهـ (مجموع الفتاوى 4/41-42).
فأنت ترى كيف سبح في فلك الآية يتفيؤ ظلالها في الأحاديث والآثار باختلاف مخارجها وزيادات العزو المرقي للتدبر في ثائرات مَعانيها عن نَقْعِ مُعَانيها..
مبينا أن أعلى العطاء نشر العلم وهو بأربع درجات:
– تعليم له وبيان
– وعمل به وإذعان
– ودعوة إليه إصلاحاً في الأكوان
– وتحمل للأذى فيه إذ تصدع به على خلاف الأهواء…
كما أن شرَّ البخل هو كتمه عن أهله وطمسه في إبَّانه أمراً ونهياً وعزيمةً ورشداً..
بل كتمانه أكبر وأمقت من ترك العمل به؛ لأن الأول يؤذي نفسه والثاني يخون الأمة ويؤذي الأكوان؛ ذلك دليلٌ على جفاءٍ في النفس لم تجعل لروح العلم منفذا في قلبه وإن خُيِّل إليه معرفة بعض حروفه؛ فيكون هذا أصل فساد الأرض وأهلها؛ على المعادلة التي يقررها كثيراً شيخ الإسلام: (العمل يتوقف على العلم والعلم على الإرادة والإرادة على الحب).
وقد توسع في شرحها في: “قاعدة المحبة”، وفَصَّلَهُ تلميذه في “روضة المحبين“، وفي”العِدَةِ“، و”المفتاح“.
وهذا “الحب الإلهي“؛ هو الذي لما افتقده “المُعَذِّرونَ مِنَ الأعراب” ظنوا أنهم أصحاب حكمة نافذة وبصيرةٍ واعيةٍ في تقدير الأمور؛ فادعوا على أهل العزم والصدق دعواهم البائسة: {لو أطاعونا ما قتلوا}!!!
فاستدلوا بالابتلاء على فساد المنهج!!
كما افتقده “المُخذِّلون” الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل؛ فلا هم نصروا المسلمين ولا كَفَوْا الناصرين التهميزَ بمقولات التثبيطِ
“هو أذُن“، “يلمزون المطوعين من المؤمنين“…
ثم ترى ابن تيمية في نَزْلَةٍ أُخرى ليست بعيدةً عن مواقعِ النجومِ من القرآنِ العَظيمِ؛ يستقبلُ حياض اليونان والإغريق بمصنَّفِ قيلولةٍ يدُكُّ فيهِ فاسد منطقهم، ويلتفتُ في “الصحيحِ الصريح” إلى مصدر العقل عند أرباب الكلام فيدرأُ عنه التعارض؛ لأنه يؤمن بالنقل والعقل نورينِ من الله: نورٌ على نورٍ لرجالٍ في بيوت الله مسبحينَ غير لاهين بمباحِ تجارةٍ بله ما حرم تعالى أو يناقض خشيتهم له وحده..
وهكذا يرمي بغير دَهَشٍ من بَدَّلَ دينَ المسيح بالجواب الصحيح هدايةً للحيارى من اليهود ومن النصارى؛ ولن يترك قواعدَ كُبْرَياتِ النِّحَل حتى يخرَّ السقف على الشيعة والمعتزلة والقدرية بمنهاج السنة النبوية، وللهوسِ الصوفي نِصالٌ على ابن سبعين في التسعينية وللتسديد في التحفة العراقية وبالتحليل في الاستقامةِ القشيريةِ…
ماذا أذكرُ وكيف أختصرُ أيها القارئ الكريم؟!
فكل هذه المحافل العلمية والعملية التي اجتمعت في هذا الإمام الفذِّ -ولستُ مبالغاً فيهِ ولا واهماً عن نقَداتٍ قد يراجَع فيها ولا أزعم أن ليس في رجالات الأمة من فرى فَريه؛ ولكنه لا يمارى في أنه كان أمةً وَحْده-…
ذلك ما يجعلك لا تستغرب مثل قول ابن عبد الهادي فيه (في الطبقات 4/282):
“لا تكاد نفسه تشبع من العلم، ولا تروي من المطالعة وقلَّ أن يدخل في علم من العلومِ في باب من أبوابه، إلا ويفتح له من ذلك الباب أبواب” اهـ.
وانظر معي رعاك الله إلى قوله رحمه الله في مجموع الفتاوى (4/26):
“…إِذَا كَانَتْ “سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ” هِيَ بِاتِّبَاعِ الْمُرْسَلِينَ. فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِذَلِكَ: هُمْ أَعْلَمُهُمْ بِآثَارِ الْمُرْسَلِينَ وَأَتْبَعُهُمْ لِذَلِكَ فَالْعَالِمُونَ بِأَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ الْمُتَّبِعُونَ لَهَا هُمْ أَهْلُ السَّعَادَةِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ وَهُمْ الطَّائِفَةُ النَّاجِيَةُ مِنْ أَهْلِ كُلِّ مِلَّةٍ وَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ. فَإِنَّهُمْ يُشَارِكُونَ سَائِرَ الْأُمَّةِ فِيمَا عِنْدَهُمْ مِنْ أُمُورِ الرِّسَالَةِ وَيَمْتَازُونَ عَنْهُمْ بِمَا اُخْتُصُّوا بِهِ مِنْ الْعِلْمِ الْمَوْرُوثِ عَنْ الرَّسُولِ؛ مِمَّا يَجْهَلُهُ غَيْرُهُمْ أَوْ يُكَذِّبُ بِهِ… وَأَمَّا غَيْرُ أَتْبَاعِهِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ؛ فَالْكَلَامُ فِي أَقْيِسَتِهِمْ الَّتِي هِيَ حُجَجُهُمْ وَبَرَاهِينُهُمْ عَلَى مَعَارِفِهِمْ وَعُلُومِهِمْ وَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ خَالَفَ شَيْئًا مِنْ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ؛ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفَلَاسِفَةِ. فَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَاسِعٌ لَا يَنْضَبِطُ هُنَا لَكِنَّ الْمَعْلُومَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ: أَنَّ الْفَلَاسِفَةَ وَالْمُتَكَلِّمِين مِنْ أَعْظَمِ بَنِي آدَمَ حَشْوًا وَقَوْلًا لِلْبَاطِلِ وَتَكْذِيبًا لِلْحَقِّ فِي مَسَائِلِهِمْ وَدَلَائِلِهِمْ؛ لَا يَكَادُ – وَاَللَّهُ أَعْلَمُ – تَخْلُو لَهُمْ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ عَنْ ذَلِكَ.
وَأَذْكُرُ أَنِّي قُلْت مَرَّةً لِبَعْضِ مَنْ كَانَ يَنْتَصِرُ لَهُمْ مِنْ الْمَشْغُوفِينَ بِهِمْ -وَأَنَا إذْ ذَاكَ صَغِيرٌ قَرِيبُ الْعَهْدِ مِنْ الِاحْتِلَامِ- كُلُّ مَا يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ فَفِيهِ بَاطِلٌ إمَّا فِي الدَّلَائِلِ وَإِمَّا فِي الْمَسَائِلِ إمَّا أَنْ يَقُولُوا مَسْأَلَةً تَكُونُ حَقًّا لَكِنْ يُقِيمُونَ عَلَيْهَا أَدِلَّةً ضَعِيفَةً وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ بَاطِلًا. فَأَخَذَ ذَلِكَ الْمَشْغُوفُ بِهِمْ يُعَظِّمُ هَذَا وَذَكَرَ “مَسْأَلَةَ التَّوْحِيدِ” فَقُلْت: التَّوْحِيدُ حَقٌّ.
لَكِنْ اُذْكُرْ مَا شِئْت مِنْ أَدِلَّتِهِمْ الَّتِي تَعْرِفُهَا حَتَّى أَذْكُرَ لَك مَا فِيهِ. فَذَكَرَ بَعْضَهَا بِحُرُوفِهِ حَتَّى فَهِمَ الْغَلَطَ وَذَهَبَ إلَى ابْنِهِ -وَكَانَ أَيْضًا مِنْ الْمُتَعَصِّبِينَ لَهُمْ- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ قَالَ فَأَخَذَ يُعَظِّمُ ذَلِكَ عَلَيَّ فَقُلْت: أَنَا لَا أَشُكُّ فِي التَّوْحِيدِ وَلَكِنْ أَشُكُّ فِي هَذَا الدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ. وَيَدُلُّك عَلَى ذَلِكَ أُمُورٌ: – أَحَدُهَا: أَنَّك تَجِدُهُمْ أَعْظَمَ النَّاسِ شَكًّا وَاضْطِرَابًا وَأَضْعَفَ النَّاسِ عِلْمًا وَيَقِينًا وَهَذَا أَمْرٌ يَجِدُونَهُ فِي أَنْفُسِهِمْ وَيَشْهَدُهُ النَّاسُ مِنْهُمْ وَشَوَاهِدُ ذَلِكَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ هُنَا. وَإِنَّمَا فَضِيلَةُ أَحَدِهِمْ بِاقْتِدَارِهِ عَلَى الِاعْتِرَاضِ وَالْقَدْحِ وَالْجَدَلِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ: أَنَّ الِاعْتِرَاضَ وَالْقَدْحَ لَيْسَ بِعِلْمِ وَلَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَأَحْسَنُ أَحْوَالِ صَاحِبِهِ: أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الْعَامِّيِّ وَإِنَّمَا الْعِلْمُ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ. وَلِهَذَا تَجِدُ غَالِبَ حُجَجِهِمْ تَتَكَافَأُ إذْ كُلٌّ مِنْهُمْ يَقْدَحُ فِي أَدِلَّةِ الْآخَرِ.
وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْأَشْعَرِيَّ – مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَقْرَبِهِمْ إلَى السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ وَأَعْلَمِهِمْ بِذَلِكَ – صَنَّفَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ كِتَابًا فِي تَكَافُؤِ الْأَدِلَّةِ يَعْنِي أَدِلَّةَ عِلْمِ الْكَلَامِ فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ صِنَاعَتُهُ الَّتِي يُحْسِنُ الْكَلَامَ فِيهَا…. وَلِهَذَا أَنْشَدَ الخطابي:
حُجَجٌ تَهَافَتُ كَالزُّجَاجِ تَخَالُهَا***حَقًّا وَكُلٌّ كَاسِرٌ مَكْسُورُ
فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ حَالُ حُجَجِهِمْ فَأَيُّ لَغْوٍ بَاطِلٍ وَحَشْوٍ يَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ هَذَا؟
وَكَيْفَ يَلِيقُ بِمِثْلِ هَؤُلَاءِ أَنْ يَنْسُبُوا إلَى الْحَشْوِ أَهْلَ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ؟ الَّذِينَ هُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ عِلْمًا وَيَقِينًا وَطُمَأْنِينَةً وَسَكِينَةً؛ وَهُمْ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ؛ وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ؛ وَهُمْ بِالْحَقِّ يُوقِنُونَ لَا يَشُكُّونَ وَلَا يَمْتَرُونَ. فَأَمَّا مَا أُوتِيَهُ عُلَمَاءُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَخَوَاصُّهُمْ مِنْ الْيَقِينِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْهُدَى: فَأَمْرٌ يَجِلُّ عَنْ الْوَصْفِ. وَلَكِنْ عِنْدَ عَوَامِّهِمْ مِنْ الْيَقِينِ وَالْعِلْمِ النَّافِعِ مَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَئِمَّةِ الْمُتَفَلْسِفَةِ الْمُتَكَلِّمِينَ. وَهَذَا ظَاهِرٌ مَشْهُودٌ لِكُلِّ أَحَدٍ…” اهـ.
قُلْتُ: ومَحَلُّ المدارسة هنا هو التأكيد على شمولية المعرفة عند الإمام، وأن النَّهَلَ من العلوم وتوسيع الثقافة والاطلاع على مقالات الإسلاميين وغيرهم؛ دَحْضاً وتقييماً وإنصافاً واعترافاً هو السبيلُ السلفي ومهيع العلم الفَصِيح الذي يطهرنا بإذن الله من “تشويهِ الأشباهِ” و”تنصيصِ الأَنصافِ”…
ويؤكد ذلك بجعله خَصيصى لازمة في أهل السنة حقاًّ وأنهم كما قال:
“فَإِنَّهُمْ يُشَارِكُونَ سَائِرَ الْأُمَّةِ فِيمَا عِنْدَهُمْ مِنْ أُمُورِ الرِّسَالَةِ..“.
فهم لا ينابذون الأمة ولا يمايزون أفرادها وجماعاتها ولكن ينصفون ما عندهم من الحق ويشاركونهم فيه تأييدا وتأكيداً ثم يزيدون عليهم فيما فرَّطوا تقويماً أو جَهِلوه تعليماً…
ثم هو يُبْهرك حينما يشهد لأسرته التي ربته وبيئته التي صقلته؛ إذ يبين أن هذه الموهبة الشمولية كانت “زمن الاحتلام” وأن هذه المناظرة البليغة في شائك الأَطاريحِ كانت وهو من “الطِّفْلِ الذين لم يظهروا على” جليَّاتِ البدهيات فضلاً عن غائرِ الغوامض”!
فهو رحمه الله “أُحِلَّتْ له المراضع“، فرتع حيثُ أخذَ الكتابَ بقوةٍ، وأوتي عِلْماً وهو صَبِيٌّ”.
قال رحمه الله:
“..وَأَنَا إذْ ذَاكَ صَغِيرٌ قَرِيبُ الْعَهْدِ مِنْ الِاحْتِلَامِ”!
عجيبٌ واللهِ عجيب..، وليس ذلك على الله بعزيزٍ…
يذكرني بوصف الحافظ ابن رجب في الذيل:
“وشرع الشيخ في الجمع والتصنيف، من دون العشرين، ولم يزل في علو وازدياد من العلم والقدر إلى آخر عمره” اهـ.
فما أجدره بقول الزمخشري في الكشاف وهو يعددُ صفاتِ المُفَسِّرِ للقرآنِ تدبُّراً وبياناً بقوله:
“.. بعد أن يكون آخذاً من جميعِ العلومِ بحَظٍّ..، كان مع ذلك مسترسل الطبيعة منقادها، مشتعل القريحة وَقَّادها، يقظان النفس دَرَّاكاً للمحة وإن لَطُفَ شانها، منتبهاً على الرمزة وإن خفي مكانها، لا كَزًّا جاسياً ولا غليظاً جافياً، ذا درايةٍ بأساليب النظم والنثر، مرتاضاً غير رَيِّضٍ ببناتِ الفِكْر..”.
ثم هو لا يبخسهم أن لهم حقاَّ قد يسيئون الاحتجاج عليه؛ فهو يغيثهم بالدليلِ الأمثلِ لحقهم فيحتج لهم ولا يغمطهم؛ لأن ذلك هو أعْتى الكِبْرِ شرعاً: “غمط الناس وبطر الحق“؛ بله أن يكتم علماً بدعوى أنه سيُقوِّي جانبَ أهل الضلال؛ فيضعف حديثاً خشيةَ خَصْمٍ.
وقد يعَدِّلُ راوياً بُغيَةَ قَصْمٍ أو ينفي مذهباً أو ينسفُ إماماً بدعاوى لا زمام لها ولا خطام ولا إمام..
وقد رأينا هذا في هذه العصور -عياذاً بالله تعالى-.
ولله دَرُّ الإمام الألباني إذ صحح حديث الطبراني: “كان يبعث إلى المطاهر، فيؤتى بالماءِ؛ فيشربه يرجو بركة أيدي المسلمين” (الصحيحة ح:2118، ج5/ص154)، وفي (صحيح الجامع، ح:4894).
ولم تزعزعه صيحاتٌ عَايشناها قِبَلَ نَجْدٍ؛ رغم أنه رحمه الله ذهل عن التصحيح؛ فضعفه في الضعيفة (ج13،ح:6479).
وهو الأظهر عنده حسب اجتهاده الحديثي وليس لاعتباراتٍ تعود على حديث النبي صلى الله عليه وسلم بالكتمان.
وحكم بالضعف الشديد على حديث: “إن العبد إذا قام في الصلاة فإنه بين عيني الرحمن”. (الضعيفة، ح:1024).
وأومأ للإمام ابن القيم إذ أورده في الصواعق في سياق محاججات الصفات في مسألة “إثبات العينين”…. إلـخ.
قال الألباني: “أورده ابن القيم بلفظ العقيلي ساكتاً عليه، وليس بِجيِّدٍ، ولذلك أوردته لأبين حقيقة حاله”؟؟
قلت: ولا أستحضر لابن تيمية استشهاداً بهذا اللفظ فيما بين أيدينا من كتبه مع كثرة كلامه في شبيهاته؛ ومع أنه لسعة اطلاعه وحفظه قد يتجاوز -عن علمٍ-؛ في بعض الشواهد؛ كقوله عن عمر في كتابٍ آخر لأبي موسى وفيه: “أما بعدُ فإنَّ الخيرَ كُلَّه في الرضا؛ فإن استطعتَ أن ترضى وإلا فاصبر“.
قال: “فهذا الكلام كلامٌ حسنٌ وإن لم يُعْلم إسناده” اهـ (المجموع10/688).
والله أعلم.
فتأمل أيها القارئ إنصاف أهل السنة النبلاء على مر التاريخ ونزاهة مدادهم وقداسة حروفهم نصرةً للحق لا تحاملاً على عدوٍّ بَلْهَ القريب المظلوم المحق..
ومن شواهد ذلك في السنة المشرفة؛ ما رواه مسلم في الصحيح:
قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ الْقُرَشِيُّ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: «تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ». فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: أَبْصِرْ مَا تَقُولُ؟! قَالَ: أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ! فقَالَ: لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ، إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالًا أَرْبَعًا: إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ، وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ، وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ، وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ، وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ، وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ”.
قال القرطبي في «المفهم» 7/236: “وهذا الحديث قد صدقه الوجود؛ فإنهم اليوم أكثر من في العالم غير يأجوج ومأجوج؛ إذ قد عمروا من الشام إلى أقصى منقطع أرض الأندلس، وقد اتسع دين النصارى اتساعًا عظيمًا لم تتسعه أمة من الأمم، وكل ذلك بقضاء الله وقدره، ووصف عبد الله بن عمرو (كذا وقع عنده وإنما هو عمرو -والله أعلم-) لهم بما وصفهم به من تلك الأوصاف الجميلة إنما كانت غالبة على الروم الذين أدرك هو زمانهم.
وأما ما في الوجود منهم اليوم، فهم أنجس الخليقة، وأركسهم، وهم موصوفون بنقيض تلك الأوصاف”اهـ1.
والمقصود أن “شمولية المعرفة” و”الإنصاف مع أهلها على تنوع مشاربهم”؛ شرطٌ للتنظير.
ومقوم للقيادة الدعوية والإمامة العلمية؛ إما شخصياًّ أو تكميلاً مؤسسيا وتواصلا عالميا بين العاملين لنصرة الإسلام والسنة..
ثم إنه يبين رحمه الله أن لهم كثيراً من الباطل لا دليل عليه إلا الجدل والتنميق القاتم..
وهذا يذكرني بكلام لتلميذه ابن القيم يكمل معنى الفكرة هنا؛ قال رحمه الله:
“إذا ازدوج التكلم بالباطل والسكوت عن بيان الحق، تولَّد بينهما جهل الحق وإضلال الخلق”.
(مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة لابن القيم ص:81).
و قوله:
“إذا تأمَّلت مقالات أهل الباطل، رأيتهم قد كسوها من العبارات المستحسنة ما يسرع إلى قَبوله من ليس له بصيرة نافذة، فتكون ألفاظهم المموهة بمنزلة طعام طيب الرائحة في إناء حسن اللون والشكل، ولكن الطعام مسموم”. (مختصر الصواعق ص:117).
وقوله:
“فلا إله إلا الله، كم هدمت هذه المعاول من معاقل الإيمان، وتلثمت بها حصون حقائق السنة والقرآن.
فكشْفُ عوراتِ هؤلاء وبيان فضائحهم من أفضل الجهاد في سبيل الله؛ وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: “إن روح القدس معك ما دمت تنافح عن رسول الله“. (مختصر الصواعق ص78).
وهذا منهما رحمهما الله:
– إحقاق للحق.
– وإنصاف للخصم.
– وإبطالٌ للباطل.
– وإلزامٌ لمن يتشبع بتنظيراتهم؛ على حَدِّ قول العلامة الأديب البارع محمود شاكر في كتابه الأنيق “أباطيل وأسمار” (ص:396):
“نقلت في مقالاتي عن “توينبي” وغيره أقوالاً مشابهة لما يقوله “إليوت”، لا لأني أحب أن أستظهر على صواب رأيي بأقوال هذه الأعاجم، بل لأني أرى بعض الناس أسرع استجابة للأعاجم؛ فأحببت أن أضع طرفًا من ذلك بين أيديهم، إلزامًا بالحجة التي يخرون عليها صمًّا وعميانًا”.
ثم انظر إلى قوله رحمه الله:
“وَمِنْ الْمَعْلُومِ: أَنَّ الِاعْتِرَاضَ وَالْقَدْحَ لَيْسَ بِعِلْمِ وَلَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَأَحْسَنُ أَحْوَالِ صَاحِبِهِ: أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الْعَامِّيِّ وَإِنَّمَا الْعِلْمُ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ..”.
– القدح ليس بعلم…
– العلم جواب السؤال…
فبعض الناس صير علمه:
– إمَّا قاموس السِّباب المقيت والتنابز المميت الذي يحسنه مفاليسُ الأباليس..
– وإما لا تحرير للتنازع..
– وإمَّا “لا يلزم” و”شبهات” و”لَعَلَّ” و”عمومات”..
– وإمَّا “ليس كل ما يعلم يقال”!
مع أنه في حقوق بعض المخالفين من عموم الأمة: “يقال كل ما يُعلم وما لا يعلم وما يُظنُّ وما يُتَخَيَّل وما يعنيه وما لا يعنيه وما هو من سوء إسلامه لا من حسنه..!
بل يصيره من الجهاد الأكبر: “وجاهدهم به“، ومن يتكلم إذا سكت أنا وأنت، والعابد يعمل لنفسه وأما المتكلم في الرجال فهو للأمة…الخ الخ.
– وربما ألجئ إلى مسألة: “جواز كتم العلم”!!! مع التركيز على الكتمان في بابين فقط: “السلطان”، و”قضاء الحوائج”!
وكلا الحديثين في البابين الأظهر ضعفهما رغم تحسين العلامة الألباني قَدَّس الله روحه…
لم لا يكون الكتمان لدعاوى “فقه المتغلب” -مثلاً-؛ حتى لا يشتد بطش المعتدين كما أنكر على خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنس بن مالك أن يحدث الحجاج بحديث العرنيين وأن الرسول صلى الله عليه وسلم سمل أعينهم وأعطشهم في الرمضاء؟
لم لا يُكتم “جواز الرد على المخالف” في الفروع خاصة؛ حتى لا يستغله المناوئ والمحارب؟
لماذا يُكتم فقط ما يقوي المستَبِدَّ ولا ترى المصلحةُ إلا فيما يُدَغْدِغه؟!2
– ثم من نحن أصلاً حتى نقوم بالوصاية على الأمة تعديلا وتجريحاً، إدخالاً وإخراجا؟!
فيكفينا شرفا الانتساب للسنة فيها على شرط التناصح والتواضع والتراحم..
فلسنا مبرَّئين..
– وإذا جاء إلى فرعٍ فقهي يسير؛ أقام الدنيا وأهلك النسل وخَيَّل لك هادمَ الدينِ قائماً بالمطارق فوق رأسك؛ وكأنه ينافح عن غزة ضد العدوان الصهيوني الغاشم..
– فتراه مُفْهِداً مُسْعِداً مع المسئولين بالاعتذار البليغ لا مُسِرّاً ولا معلناً!
فهو والمادح واللاعن سواءً لم يسلكا سبيل السلف الوسط..
– وتراه مزبداً مرعداً مع عموم المسلمين ولو في سبحة -وقد أجازها ابن تيمية ولا أرتضيها-، أو في مسح الوجه باليدين بعد الدعاء -وقد حسن حديثه الحافظ ابن حجر- بالاتهام في النوايا والتعيير باسم حماية الدين و”جَلْدِ الذات”، و”الإصلاح من الداخل”..
ولا خَلل في هذا طبعاً عندما تختل المعايير.
وينشأ الشباب الطيب على الاستهتار بفقه الواقع، ولمز العلماء العاملين لقضايا الأمة، وإذا ذكر له “معاناة فلسطين”؛ قال: ليس حديثاً “من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم”!!
وإنَّ فيهم “مُدَخِّنين ومتسرولين وحالقين”!!
وإنَّ حماساً “تتاجر بالدين”؛ كما قال ذلك الخطيب الأزهري: (مَظهر شاهين)..
في سذاجة واضحة بقضايا العلم والأمة..
وتفاسيرَ قاصرةٍ بل ومغلوطةٍ أحياناً لكثيرٍ من مسائل التوحيد وأسس التعديل وأصول التغيير وقواعد التمكين وحقيقة الاستخلاف في الأرضِ؛ أيُّ أرضٍ تلك؟ “ليستخلفنهم في الأرضِ“..
ومن “منكم” المُبَيَّن أو المُبَعَّضُ من الذين آمنوا وعملوا الصالحات في قوله تعالى: “عملوا الصالحات منكم“؟؟
وما مدى نسبة ذلك في الأمة “التي شُبِّهَ بها وقِيسَ عليها بالكاف الداخلة على “ما المصدرية” المسبوكة بما بعدها “كما استخلف الذين من قبلهم”؛ كمًّا وكيفاً وعدداً ومساحةً وزَمَناً..!!!
فكم “من نبي قتل معه ربيون كثير“؟ وكم “قتل الأنبياء والذين يأمرون بالقسط من الناس“؟
ولم يُمَكَّن لهم إلا على تضحياتهم وأن يؤدوا واجبهم الذي ربما مُهِّدَ به لتمكينِ قَادِمِهِم: {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} [الأعراف:129].
وهل الحسين رضي الله عنه -لله هو من قتيل-؛ كان ناقص المعتقد لما انتهك دمُه؟!
وهل عبد الله بن الزبير -وما أدراك ما هو فداه الأبوان-؛ كان محبوس إيمانٍ مسلوب علمٍ لما صلب جثمانه الأشرفِ طغيانُ الحجاج نكايةً في ذات النطاقين وعموم المسلمين عليه من الله ما يستحق؟!
وهل الأمويون كانت أمة كاملة؟؟
وكيف ولي العباسيون؟؟
وما تقييمنا للملك الأصلح والصالح بمصر والشام؟
وكيف ننظر لصلاح الدين الأيوبي فاتح القدس؟
وهل مُكِّنَ لأهل الأندلس؟
وهل بسبب نشر الإحياءِ أم بإِحْراقه؟؟
وهل السلطان الصالح “أورنك” -عازل أبيه “الشاه جيهان” باني “تاج محل بالهند”-؛ كانت دولته المغولية الإسلامية تمكيناً أو تغريراً؟؟؟
وهل مكر (نابوليون) بالمصريين حيث نطق بالشهادتين في خطبته؛ وكان يستفتح كتبه بالبسملة حتى سماه الدهماء البلهاء “عَلِي بونابرت”؛ جعله ذلك أَهْلاً للاستخلاف الإلهي أم للخَبَثِ الفرعوني؟؟
لولا الأزهرُ زَمَنَ كان الأزهرُ يُثَوِّرُهُ الفحولُ؟!
إن عموم ولاة المسلمين والحمد لله ليسوا خارجين عن أهل الإسلام والتوحيد؛
وهم أول المخاطبين بآية الاستخلاف: “وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات…“؛ بأن يحققوا الشرط حتى يتحقق الوعد بثبات ما آتاهم الله؟
ويدوم السعد بنشر التوحيد والسنة وإقامة الشعائر ومحاربة المنكرات؛ كما بيناه في مقالة “وجعلكم ملوكاً“..
ومن هذا الوجه تعظم مسئولية العلماء لأن واجبهم النصح والتبيين..
فعملية الاستخلاف ليست حلما لن يتحقق وقد بشر به الصادق المصدوق؛ أو مطلباً يخص قوما معينين؛ بل الاستخلاف فيه ما هو قائم ولكن يجب الحفاظ عليه برعاية حقوق الرب سبحانه؛ وإلا فسدت أمور الناس رعاةً ورَعيَّةً؛ وفيه ما هو خيانة للأمة يجب فيه الإصلاح والتغيير بالعزة والحكمة…
وهذه إشارة فقط لبعض الدلالات منها وبعض مهمات النقاط التي يجب على العلماء تحريرها لمن يستعجلون الاستنتاجات تَقَدُّماً أو تَأَخُّراً..
أسئلة كثيرة ذات عُمْقٍ علمي سلفي بحق؛ إن لم تطرح بتحرير وإن لم تُجَبْ بصدق؛ فسنشترك جميعاً في الكذب على الشريعة وفي غش الأمة؛ وعدم النصح لا لكتابها ولا لأئمتها ولا لعامتها3..
وسيصير بعضُ “مُقَصِّري المسلمين”؛ أحفظَ لكرامة الأمة من أدعياء الصلاح والعلم فيها.. كما رأينا في شباب يبكتون المغنيات، ورياضيين يطالبون بالحقوق المغتصبات..
وجماهير تناصر المظلومين في المدرجات…
أو مقطوعةٌ “قَبِّانِيَّةٌ” عن ديكٍ في حَارَتِهِ يعشقُ رصاصُ مُسَدَّسِهِ رُؤُوسَ الكَلِماتِ…
{إن الحسنات يذهبن السيئات}..
– فإن غلقت على بعضنا الأبواب قال لك: مسألة “الأكابر والأصاغر”، و”هل لك إمام”؟!
وليس هذا عند بعضهم على عُرف السلف الصالح -في ابتغاء العلم عند أهله- -وذلك عينُ الحق-؛ وإنما بعرف “المناصب الشَّرقية” و”الأقدمية العَرَضية” و”الإمامة العشائرية” و”التكتلات الحزبية”…
وعبارات تعوَّدوا لَوْكها دون استبصارٍ ولا تُؤَدَة؛ ولُقِّنوها غَلَطاً على حينِ غَفَلاتٍ من أهلها…
ولا حاولوا توسيع مداركهم مطالعةً وإنصافاً..
فهذا كله وما شاكله كما قال ابن تيمية هو “مسلك العوام”، ولا علاقة له “بعلم ولا منفعة”، “ولا دعوة ولا مصلحة”، “فليس ثمَّت أسرارٌ شيعيةٌ خُصَّ شخصٌ أو هيئةٌ في بَلَدٍ ما بمعرفتها دون أهل العلم في سائر الأمة “…
بل بعضهم قد تتراءى له مُصيلحةٌ شخصيةٌ أو محدودة فيُزِلُّ عنها الأمَّةَ جمعاء!
بل قال لي بعض من يشار إليه في بعض البلاد؛ عن “واجبِ حكمةِ الصدعِ بالحقِّ بلا فتنةٍ”: “إن هذا قد يؤدي إلى التدخل الأجنبي في بلادنا وعودة الاستعمار”!!
فقلت له: لقد صدق من قال: “ذهب رجال الاستعمار ودخل رجال الاستحمار”؛ -وكل إناءٍ بالذي فيه ينضح-.
– وإذا كُنْتَ مِطْرَقَةً رأيتَ كلَّ مُشْكِلَةٍ أَمَامَكَ مِسْماراً.
– وإذا كنتَ أملسَ تمنيتَ الدنيا كلَّها زَيْتاً.
– فلا تكن حُلْواً فتسترط، ولا مُرًّا فَتُعْقَى!!
وقد قال البلقيني في محاسنه شرح ابن الصلاح: “الانتهاض لمجرد الاعتراض من جملةِ الأمراض”. (ص:176)!
فعلا إنهم يستحمروننا حينما يخوفوننا بالذين من دون الله ويزيدون في وَهَنِ الأمة حتى عند “واجب البيان -البيان فقط-، -مسئولية الكلمة- وقت الحاجة؛ بل وقت الاضطرار أن تُحَرَّفَ -بالعمائم الخاطِيَةِ- -والطواويس الأزهرية- (اضرب في المليان -علي جمعة وعمرو خالد والبرهامي أنموذجاًـ) ؛ معارفُ الشرعِ وتقلبَ الحقائق ويسوغ الباطل”..
قال ابن القيم -رحمه الله- في كتابه القيم (الفوائد):
“علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون إليها الناس بأقوالهم، ويدعونهم إلى النار بأفعالهم؛ فكلما قالت أقوالهم للناس: هلموا، قالت أفعالهم: “لا تسمعوا منهم، فلو كان ما دعوا إليه حقًا كانوا أول المستجيبين له، فهم في الصورة أدلاء، وفي الحقيقة قطاع الطرق”. (ص:112).
“وَقَوْلُهُ: “فَإِنَّ الْقَضَاءَ فِي مَوَاطِنِ الْحَقِّ مِمَّا يُوجِبُ اللَّهُ بِهِ الْأَجْرَ، وَيُحْسِنُ بِهِ الذُّخْرَ”، هَذَا عُبُودِيَّةُ الْحُكَّامِ وَوُلَاةِ الْأَمْرِ الَّتِي تُرَادُ مِنْهُمْ وَلِلَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ عُبُودِيَّةٌ بِحَسَبِ مَرْتَبَتِهِ، سِوَى الْعُبُودِيَّةِ الْعَامَّةِ الَّتِي سَوَّى بَيْنَ عِبَادِهِ فِيهَا؛ فَعَلَى الْعَالِمِ مِنْ عُبُودِيَّتِهِ نَشْرُ السُّنَّةِ وَالْعِلْمِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ مَا لَيْسَ عَلَى الْجَاهِلِ، وَعَلَيْهِ مِنْ عُبُودِيَّةِ الصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ مَا لَيْسَ عَلَى غَيْرِهِ، وَعَلَى الْحَاكِمِ مِنْ عُبُودِيَّةِ إقَامَةِ الْحَقِّ وَتَنْفِيذِهِ وَإِلْزَامِهِ مِمَّنْ هُوَ بُودِيَّةِ إقَامَةِ الْحَقِّ وَتَنْفِيذِهِ وَإِلْزَامِهِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ بِهِ وَالصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ وَالْجِهَادِ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ عَلَى الْمُفْتِي. وَعَلَى الْغَنِيِّ مِنْ عُبُودِيَّةِ أَدَاءِ الْحُقُوقِ الَّتِي فِي مَالِهِ مَا لَيْسَ عَلَى الْفَقِيرِ، وَعَلَى الْقَادِرِ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ بِيَدِهِ وَلِسَانِهِ مَا لَيْسَ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْهُمَا.
وَتَكَلَّمَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ الرَّازِيّ يَوْمًا فِي الْجِهَادِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ: هَذَا وَاجِبٌ قَدْ وُضِعَ عَنَّا، فَقَالَ: هَبِي أَنَّهُ قَدْ وُضِعَ عَنْكُنَّ سِلَاحُ الْيَدِ وَاللِّسَانِ، فَلَمْ يُوضَعْ عَنْكُنَّ سِلَاحُ الْقَلْبِ، فَقَالَتْ: صَدَقْت جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا.
وَقَدْ غَرَّ إبْلِيسُ أَكْثَرَ الْخَلْقِ بِأَنْ حَسَّنَ لَهُمْ الْقِيَامَ بِنَوْعٍ مِنْ الذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَالِانْقِطَاعِ، وَعَطَّلُوا هَذِهِ الْعُبُودِيَّاتِ، فَلَمْ يُحَدِّثُوا قُلُوبَهُمْ بِالْقِيَامِ بِهَا، وَهَؤُلَاءِ عِنْدَ وَرَثَةِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ أَقَلِّ النَّاسِ دِينًا؛ فَإِنَّ الدِّينَ هُوَ الْقِيَامُ لِلَّهِ بِمَا أَمَرَ بِهِ، فَتَارِكُ حُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي تَجِبُ عَلَيْهِ أَسْوَأُ حَالًا عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ مُرْتَكِبِ الْمَعَاصِي؛ فَإِنَّ تَرْكَ الْأَمْرِ أَعْظَمُ مِنْ ارْتِكَابِ النَّهْيِ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ وَجْهًا ذَكَرَهَا شَيْخُنَا -رَحِمَهُ اللَّهُ-4؛ فِي بَعْضِ تَصَانِيفِهِ؛ وَمَنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِمَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِمَا كَانَ عَلَيْهِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ رَأَى أَنَّ أَكْثَرَ مَنْ يُشَارُ إلَيْهِمْ بِالدِّينِ هُمْ أَقَلُّ النَّاسِ دِينًا، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، وَأَيُّ دِينٍ وَأَيُّ خَيْرٍ فِيمَنْ يَرَى مَحَارِمَ اللَّهِ تُنْتَهَكُ وَحُدُودَهُ تُضَاعُ وَدِينَهُ يُتْرَكُ وَسُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرْغَبُ عَنْهَا وَهُوَ بَارِدُ الْقَلْبِ سَاكِتُ اللِّسَانِ؟ شَيْطَانٌ أَخْرَسُ، كَمَا أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِالْبَاطِلِ شَيْطَانٌ نَاطِقٌ، وَهَلْ بَلِيَّةُ الدِّينِ إلَّا مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ إذَا سَلِمَتْ لَهُمْ مَآكِلَهُمْ وَرِيَاسَاتُهم فَلَا مُبَالَاةَ بِمَا جَرَى عَلَى الدِّينِ؟ ، وَخِيَارُهُمْ الْمُتَحَزِّنُ الْمُتَلَمِّظُ، وَلَوْ نُوزِعَ فِي بَعْضِ مَا فِيهِ غَضَاضَةٌ عَلَيْهِ فِي جَاهِهِ أَوْ مَالِهِ بَذَلَ وَتَبَذَّلَ وَجَدَّ وَاجْتَهَدَ، وَاسْتَعْمَلَ مَرَاتِبَ الْإِنْكَارِ الثَّلَاثَةِ بِحَسَبِ وُسْعِهِ. وَهَؤُلَاءِ – مَعَ سُقُوطِهِمْ مِنْ عَيْنِ اللَّهِ وَمَقْتِ اللَّهِ لَهُمْ – قَدْ بُلُوا فِي الدُّنْيَا بِأَعْظَمَ بَلِيَّةٍ تَكُونُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، وَهُوَ مَوْتُ الْقُلُوبِ؛ فَإِنَّهُ الْقَلْبُ كُلَّمَا كَانَتْ حَيَاتُهُ أَتَمَّ كَانَ غَضَبُهُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ أَقْوَى، وَانْتِصَارُهُ لِلدِّينِ أَكْمَلُ” اهـ من الإعلام.
وصدق الله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء:66].
وبمثل هذه “الانقلابات الفكرية”؛ انتشرت الضلالات في الأمة حتى استفحل أمرها إلى “كُفرياتٍ” استغلها “المستعمر والمستبد” ليهدم “وحدة المسلمين وتوحيدهم”؛ بل بأيدي بعض أدعيائه، من نظر في تاريخ القاديانية مثلاً تأكد له شؤم “عملاء الدين” الذين تطور بهم الأمر إلى حمل الأمة الإسلامية على وجوب طاعة الانجليز؛ وأنهم ولاة أمر بالغلبة؛ بل ولاةٌ بالإحسان لأنهم يصلحون في الأرض والله يقول: {يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:105]؛ أي المؤهلون لتعميرها!!
بل تطور فصار متنبئهم “ميرزا” يقول بأن الله أوحى إليه أنَّ البريطانيين “سيفه الذي يضرب به من عصاه”!!!
فمن “غَلَبَةٍ” إلى “صلاحٍ”، “ومن دعوى صلاحٍ وإصلاحٍ”؛ إلى “وَحْيٍ يوحى”..
غير بعيدٍ عمن شبَّهَ الظالمين بهارون وموسى، واحتفلوا فَرَحاً بسقوط الخلافة العثمانية؛ كما احتفل غيرهم بالانقلابات العسكرية..
وادعوا بطلانَ “شريعة الجهاد” وأن كل الأديان حَقٌّ وكتابهم المبين جامع لكل الكتب..
وغير ذلك من الإفساد “باسم الدين” ما جعلني أقول لبعض “المغاربة القاديانيين!” لما ناقشتهم؛ غير بعيدٍ في مجلسٍ بمدينة مراكش -حضره بعض الأساتذة الفضلاء-:
“ارفقوا بأنفسكم فإن جهلكم أكبر من كفركم”!
وهذا يذكرني بكلام لابن تيمية رحمه الله في فاتحة مسألة المرابطة (مَثَّلَ بغزة) والمجاورة (مَثَّلَ بمكة) وأن بعض المسائل -كأَفْضَلِيَّةِ المرابطةِ على المجاورةِ-؛ لم تكن “من المشكلات عند من يعرف دينَ الإسلام” ؛ ولكن لكثرة ظهور البدع في العبادات وفساد النيات في الأعمال الشرعيات؛ صار يخفى مثل هذه المسائل على كثيرٍ من الناس رغم أنها محل إجماعٍ…”. (جامع المسائل 5/339، ومجموع الفتاوى 27/51).
وإن ابن عطية المفسر القاضي الإمام صاحب المحرر؛ ما ضره أن لم يرحل إلى المشرق ولا حج ولا اعتمر لأنه وفى للبيعة المرابطية وظل مجاهداً في تخوم الأندلس وثغور الرباط ضد الصليبيين حتى توفاه الله؟!
وتجد الآن -واأسفاه- من الشباب الطيب القاصر وبعض أساتذتهم المقلدة؛ من لا يعرف عنه وعن نظرائه إلا أنه مُؤَوِّلٌ!!!
إذاً فالسبيل الأقوم هو:
“تشخيص الأدواء بالأسولة المتحرِّرة”، و”إغاثة الأمة بالأجوبة المنصفة المحَرَّرة”.
بلزوم العلم السلفي الرصين توسعاً وإنصافاً؛ على نسق شيخ الإسلام في حياته وتواليفه؛ وتلميذه الحافظ ابن القيم كفعله في “الداء والدواء”، وهو “السؤال الشافي والجواب الكافي”؛ فَكَرَّ على شهوات الأمارة بالسوء؛ فلم يبق لها سبيلاً إلا وداخَلَها وللشفاءِ ماثَلَها..
ورحم الله الإمام أحمد إذ قال: “إنما هو طعام دون طعام وكساء دون كساء وأيام قلائل“.
ورحم الله سفيان الثوري: “من أبكاه عِلْمُهُ فهو العالِمُ“.
ولله در القائل:
فهذا سجودي بساحاتِ ذُلِّي***وهذي دموعي مَلَتْ ناظريّا
وهذا فؤادي دواماً ينادي:***أحبُّكَ ربِّي، أحبُّ النَّبيّا
فحبُّكَ ربي شفيعٌ لذنبي***ولولاهُ ربي لما كنتُ شَيّا
وحبُّك ربي يَمورُ بقلبي***يصوغُ الحياةَ جهاداً أبيّا….
وإذْ نظرةٌ نحو بابِ السماءِ***تُعيدُ الرجاءَ لقلبي نَدِيّا
فأدعو وأدعو ويسمو رجائي***ويلمِسُ جُنحي جبينَ الثريا
والله المستعان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- وهذا فصل يطول شرحه.
2- ولنا بحول الله في “مسألة الكتمان” كلام محرر عن أئمة السلف يسُرُّ كلَّ صالح..
3- كتبت والله شهيد هذا الكلام منذ أسبوع ثم تأخر نشره.. ثم سمعت بعدُ كلاما لمفتي السعودية آلِ الشيخ يقول نخشى أن يعمنا الله جميعاً بعذابه؛ عقب انتقاد ملك السعودية لتكاسل وصمت العلماء..
4- قال أبو عامر: وقد فصلها ابن القيم في الفوائد ولربما نشرحها في مقالات..