ما أكثر أنواع هجر الوحي سوءاً وأعظمها فساداً
ذ. أحمد سالم
هوية بريس – الجمعة 21 نونبر 2014
ألا تستحضر المعاني الأساسية التي بُثت في الوحي، فلا يستحضرها الإنسان رغم أنها ما بثت وكررها الله إلا لأنها تصوغ نمط تعاملك اليومي والتكراري مع الله ومع الناس ومع الأشياء المحيطة بك.
أحد أهم هذه المعاني الواجب استحضارها هو ما في القرآن من قول الله:
“وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير“.
“ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك“.
“ولكنكم فتنتم أنفسكم“.
“لوموا أنفسكم“.
“ولكن الناس أنفسهم يظلمون“.
هذه هي دعوة الوحي المتكررة لك إلى أن تتحمل المسؤولية بنفسك، وألا تلقي باللوم على أي شيء إلا نفسك.
أكثر الناس لا يصنعون ذلك، بل يتفننون في إلقاء اللوم على الآخرين وتبرئة أنفسهم بداية من لوم العدو في الدين وحتى ركل السيارة التي ترفض الدوران في الصباح.
ومن يلقي باللوم على نفسه فبعبارة خجولة لذر الرماد في العيون سرعان ما يحيطها بأطنان من لوم الآخرين يغلبها ويزيد عليها.
وأصل هذا الباب كله: أن الله يكره الجزع والعجز والحزن المقعد وشكوى الناس والأيام؛ فكل ذلك يُفقد الإنسان إرادة السعي والعمل، ولن تجد شيئاً يخاطب به المؤمن في الوحي مثل دوام السعي والعمل، ولا شيء يخرج بالإنسان من دائرة الجزع والعجز مثل أن يلقي باللوم على نفسه؛ ليبدأ من جديد ويعود عليها بالإصلاح؛ فذلك يرفع من كفاءته وكفاءة سعيه وعمله، ويعينه على مواجهة الدنيا ومحنها بشجاعة، وينجيه من المصيبة الأعظم: شكوى الأقدار وسؤال الله عما يفعل.
يقول شيخ الإسلام: “فإذا شهد العبدُ أن جميع ما يناله من المكروه فسببُه ذنوبُه، اشتغلَ بالتوبة والاستغفار من الذنوب التي سلَّطهم عليه بسببها، عن ذَمِّهم ولَومِهم والوقيعةِ فيهم. وإذا رأيتَ العبدَ يقع في الناس إذا آذَوْه، ولا يَرجع إلى نفسِه باللوم والاستغفار، فاعلمْ أن مصيبتَه مصيبةٌ حقيقية. وإذا تاب واستغفر وقال: هذا بذنوبي، صارتْ في حقّهِ نعمةً”.
قلت: وهذا هو الإطار العام للوم النفس، يبقى بعد ذلك أن يبدأ الإنسان في مراجعة نفسه وقراءة التاريخ الذي وصل به للحظة المصيبة؛ فإنه لا شك واجد في ذلك من نقص نفسه وتقصيرها وخطأ استجابتها ما أوقعه فيما وقع فيه، وهذه المراجعة ليست جلداً للذات كما يحب العجزة أن يسموها، وإنما هي أعظم أسباب نجاح كل شيء بداية من الدول وصولاً إلى أفراد الأكفاء الناجحين مروراً بالشركات والمؤسسات، وهذه المراجعة هي مفتاح العمل والتصحيح وهي ضرب من المحاسبة والمراقبة التي هي منازل أولياء الله الصالحين.