«فرملة» الربيع..
مسرور المراكشي
هوية بريس – الأربعاء 26 نونبر 2014
لم أشك للحظة أن الشعوب ستنتصر في النهاية ولو بعد حين، فالربيع “الديمقراطي” لازال في بداياته لأن التغير في الأمم لا يأتي بغثة، فالأمر يحتاج إلى تراكم ومعاناة شديدة “.. السجون الدماء..” ثم ينبلج الصبح، هذه سنة الحياة كما يقول المثل الصيني: “لم تكتشف السهل لو لم تصعد الجبل”.
وأضاف الشاعر التونسي الثائر ألشابي:
ومن لا يحب صعود الجبال—يعش أبد الدهر بين الحفر
إذن فالتغير لا يأتي بسهولة فالشعوب عند اضطرارها ستدفع ضريبة الدم، ولابد لها من التسلح بالنفس الطويل لأن التغير لا يأتي بغثة، كما أن الطغاة لم يأتوا من المريخ مباشرة ليسيطروا على الشعوب المستضعفة دفعة واحدة، فهم كذلك نتاج متدرج تراكمي من نفاق اجتماعي وسياسي وتزلف ومداهنة، مع القابلية للانبطاح ولعق الأحذية للمن هب وذب، إن الله عز وجل يقول: “..إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم“.
لقد شكلت تونس مهد الربيع الديمقراطي ومنطلقه، وكانت بفعل بارقة أمل لميلاد عهد جديد تسود فيه الشعوب، ورددت الجماهير من المحيط إلى الخليج شعارا مكون من كلمة واحدة هي:ـ “إرحل” خفيفة على اللسان ثقيلة على الطغاة، لكن ومع الأسف هبت رياح الطواغيت بما لا تشتهيه سفن الثوار، ثم بدئنا نسمع بمصطلح بغيض إنه “الثورة المضادة”، حيث تروم إعادة الحكام المخلوعين إلى كراسيهم، فعندما فر زين العابدين بن علي إثر اندلاع الثورة التونسية المظفرة، توجه إلى الشرق مهبط الديانات السماوية، قلت مع نفسي ربما ندم على ذبحه للشعب وسرقة أمواله ظلما وعدوانا، فعلى أي باب التوبة مفتوح ومن يقدر على غلقه إلا الله، لكن فيما بعد اتضحت الأمور فلم تكن توبة ولا ندم ولا يحزنون، لقد كانت الأمور مدبرة بليل فيما يشبه اللجوء “التكتيكي” قصد تحقيق الهدف “الاستراتيجي” أي العودة إلى الكرسي، وحكم البلاد مجددا بالحديد والنار ولو كره الثوار، طبعا بعض الدول العربية الغنية لم تبخل في دعم الانقلابيين بالغالي والنفيس، وذلك ابتغاء الأجر والتواب ومرضاة الرحمان، صدق أو لا تصدق دولة “ميكروسكوبية”، لا ترى من الفضاء بالعين المجردة وعدد سكانها ربما لا يتجاوزون حي من أحياء القاهرة، هذه الأخيرة تعملقت وبجرة قلم ألحقت أزيد من 80 جمعية إسلامية وسطية بـ”قائمة الإرهاب”، ليصبح الجميع في سلة منظمة “داعش” الإرهابية، المعتدل كالمتطرف لا فرق بينهما إلا بـ”الترتيب الرقمي 1ـ2ـ3..”، ليرتاح الانقلابيون ويطمئنوا أن الدعم السياسي والمالي مستمر بل يزداد.
والسؤال المطروح هنا من المستفيد من شيطنة المنظمات والأحزاب الإسلامية المعتدلة التي تقبل بالمشاركة وتداول السلطة سلميا؟ في نظري أن المستفيد الأول هم أنصار الثورة المضادة، حيث يمكنهم التفرغ لذبح المعارضين بحجة مواجهة “الإرهاب الإسلامي المتطرف وتجفيف منابعه .
فبعد هذا الدعم العربي “الحاتمي” أللامشروط للمخلوعين والمنبوذين من شعوبهم ، قصد الرجوع بالأوضاع إلى المربع الأول، يمكننا طرح بعض الأسئلةـ هل الشعوب ملت ويئست من التغير؟ هل التكلفة الباهظة للثورة أحبطت الجماهير؟
الجواب هو ما ترونه في مصر أرض الكنانة، لم تهدأ الانتفاضة ولم يستكن الشعب الثائر، وكذلك الشعب التونسي الذي أعطى درسا حضاريا للمتربصين بثورته، وفوت عليهم فرصة الانقضاض على ثورته المجيدة، عندما حقق أول خطوات التحول من الثورة إلى بناء الدولة، حيث كانت انتخابات نيابية ناجحة بشهادة المنظمات الدولية قبل المحلية، فكانت ضربة شبه قاضية للطابور الخامس المدعوم من طرف أعداء الأمة، ولينتظروا الضربة القاضية إنشاء الله في 23نوفمبر2014، أي الانتخابات الرئاسية التونسية القادمة. فهذه الانتخابات هي الأهم والأخطر في نفس الوقت التي تجرى في العالم العربي والإسلامي، لقد شاءت الأقدار أن تكون تونس مهد الثورة هي صمام الأمان لنجاحها في بلوغ مراميها النبيلة، بإنشاء دولة تحترم التداول السلمي للحكم والتعددية، كما يحترم فيها الرأي والرأي الآخر. فعندي أمل أن الشعب التونسي الأبي سيعيد الكرة مرة أخري، ويطلقها انتفاضة ديمقراطية جديدة، تبهر العالم وتحقق للشعب حريته وكرامته التي انتهكت في زمن الذل مع نظام بن علي الدموي والمتغطرس.
ملاحظة وتحذير:ـ الآن وقد مر الدور الأول من الانتخابات الرئاسية التونسية بسلام، فالدور الثاني سيكون حاسما، وبما أننا بصدد لعبة الانتخابات فهناك “صناديق. برامج. رموز..”، فسأتناول بعض الرموز الانتخابية التي لها دلالة سياسية، فمنها من وصل فعلا لحكم البلاد كـ”مصر” ومنها من ينتظر في تونس.
1ـ “السبسي” هو أداة تستعمل في تدخين مخدر الكيف، مصنوع من العود المجعوب، وله رأس من طين ليتمكن من أكل الربيع الأخضر عشبة ” الكيف”، وهو مشهور بدول المغرب العربي، وقيلت فيه قصائد “هداوة”.
2ـ “الشيشة” هي أداة تدخين تستعمل في دول المشرق العربي كـ”سوريا. لبنان. مصر..”، وربما اسم “الشيشي” مشتق من “الشيشة”، فقط وقع خطأ مطبعي عند طبع أوراق المرشح “الشيشي” فكتب “السيسي” ، فمعذرة مرة أخرى عن هذا الخطأ الخارج عن إرادتنا.
الآن وقد عرفتم الرمزين البارزين في معترك السياسة العربية، فإنني أحذر من تحالف “الشيشة مع “السبسي” فتصبح عندنا جبهة الثورة المضادة، بتحالف الرمزين “السبسي والشيشة”، ومن يدري فقد يضع “الشيشي” السبسي في عجلة التحول الديمقراطي التونسي قصد عرقلته، فـ”الشيشي” له تجربة رائدة في إيقاف المسار الديمقراطي بمصر، وفي نظري فهذا التحالف سيصيب المشهد السياسي بـتخدير شامل.
أبالمعطي أش ظهر ليك فالشيشة أو السبسي؟ أولدي الله يغبر ليهم الشقف بجوج..