حتى لا نكرر أخطاء الآباء
عصام العيون
هوية بريس – الثلاثاء 02 دجنبر 2014
لعل الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس كان أكثر تأدبا عندما عنون روايته الجميلة بـ: “لن أعيش في جلباب أبي”، بكل ما يحمله جلباب الأب من حمولة تربوية وثقافية مُوَرَّثة ومنقولة بشكل أو بآخر للطفل الإنسان..
وأعتقد أنه ليس من العقوق أو عدم البر بالوالدين أن نناقش أخطاء آبائنا وتعثراتهم في نقل التمثلات السليمة لنا حول كل شيء في الحياة… وهذا بالضبط ما خطر بذهني وأنا أستمع لأحد الأصدقاء الذي بدأ يحدثني بعفوية معهودة لم تخل من حسرة وألم عن مشاكله مع والديه، فقال أن أكثر ما يحز في نفسه هو أن والده لم يكن يظهر مشاعر الحب والحنان له أو لأخوته بالرغم من أنه يحبهم جميعا وبشدة، وهو الشيء الذي يظهر عندما يمرض أحدهم أو يتعرض للأذى، غير أنه يتأفف من إظهار ذلك الحب والحنان معتقدا أن ذلك ضعف وتهاون سيؤدي لانعدام احترام أبنائه له، وهو ما انعكس على الجانب التواصلي بين الأب وأبنائه بشكل سلبي، حيث تشكلت صورة الأب المتسلط الذي لا يقبل المناقشة ولا حتى الدردشة على سبيل البسط…
لذلك فجل تفاصيل حياته لا يعرف عنها أبناؤه شيئا إلا ما روته الأم لهم أو ما سمعوه من بعض أصدقائه للأسف، وهذا نتج عنه أن الأم لعبت دورا أكبر من دورها لتحملها أعباء من المفروض أن يتحملها الأب فكانت دائما هي الوسيط بين الأبناء ووالدهم تنقل إليه رغباتهم وتحثهم على إتباع أوامره واجتناب معصيته مما جعلها أكبر تأثيرا في حياتهم لكن ومع ذلك فإن للأم أيضا نصيبا من الهفوات والأخطاء التي ستنعكس سلبا على الأبناء… إذ لم تخل تربيتها من التسلط… رغم كل الحب والحنان والحرص كان هناك شيء من التملك يعتري كل تلك المشاعر والأحاسيس… أخبرني صديقي أنه لم يقوى ليتخذ أي قرار يخصه دون أن يفكر في مدى تقبل أمه له ..هو يحب أمه حبا عظيما لكن طريقة حبها له تخنقه ـ حسب تعبيره ـ فالمسكينة لا تدرك أنه صار شابا قادرا على تحمل مسؤولية قراراته وتظل دائما تتدخل في كل خصوصياته وتشكك في جدوى كل خطوة قام بها أو فعل أقدم عليه لأنها ترى فيه أبدا طفلها الصغير الذي لا يفهم شيئا مهما كبر…
من جهة أخرى كثيرة هي الأخطاء التربوية التي قد يشترك فيها الآباء من أهمها على سبيل المثال تفضيل بعض الأبناء و إيلائه عناية أو اهتماما زائدا على البعض الآخر أو المدح الدائم لأحدهم والاستصغار المتواصل للآخر وهذا خطأ قاتل يزرع الحسد بين الأبناء ويربي فيهم عقدة النقص مدى الحياة.
والأخطاء متعددة ومختلفة منها ما ارتبط بمدى التحصيل العلمي للوالدين وما ارتبط بالثقافة البيئية أو الاجتماعية للإنسان.. لكن مع ذلك لابد من معرفتها وتوخي الحذر منها
أطفالنا وجب احترام عقولهم على صغرها والرفع من معنوياتهم بالتشجيع وإظهار حبنا لهم وثقتنا بهم.. لكن أيضا دونما تفريط ولا إفراط فلا نترك لهم الحبل على الغارب يفعلون ما يحلو لهم يدخلون ويخرجون وقتما يشاؤون بدعوى أننا نحبهم ونثق بهم !؟ بل من الحرص مراقبتهم ومنعهم من كل ما قد يسيء إليهم أو يضرهم ونهج أسلوب الترهيب أحيانا والترغيب أحيانا أخرى في تربيتهم عند الطفولة
أما في مراهقتهم فالأولى إعطاؤهم مساحة مهمة من الخصوصية ومحاورتهم بتعقل وروية كأصدقاء أو كإخوة حنكتهم تجارب الحياة لا كآباء أوصياء يفرضون سلطتهم عليهم؛ هكذا علمنا الرسول الكريم في سيرته العطرة وسنته الكريمة عامرة بهديه عليه الصلاة والسلام في الرحمة بالصغير وتوقير الكبير وخصوصا تربية النشء تربية سوية.
من المفيد أن يعلم الفرد المقدم على الإنجاب أن تربية الأولاد مسؤولية عظمى أمام الله أولا وأخيرا ثم أمام المجتمع والإنسانية جمعاء فأصبح لزاما عليه في عصرنا الحاضر التسلح بما يكفي من المعرفة حول هذا الموضوع حتى يجنب نفسه عواقب جهله… وهي الفكرة التي باح لي بها صديقي في آخر كلامه حيث قال: إني سأحاول تجاوز كل هذا ومحاولة عدم تكرار نفس النهج التربوي مع أبنائي حتى لا أرتكب الأخطاء التي اقترفها والداي في حقي ولو عن جهل وحسن نية…