دولة إيران في «الميزان»
مسرور المراكشي
هوية بريس – الجمعة 12 دجنبر 2014
حقيقة لم تزدها الأيام إلا رسوخا وثباتا، هي أن الدول تشبه الأفراد عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن المصالح الشخصية بكل أنواعها، فالمقولة التي تعبر بصدق عن هذا المنحى هي: “لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة، وإنما مصالح دائمة”..
وفي نظري أن ذلك له نسبة من الصحة في الواقع، فالسياسة لا تؤمن بالعواطف النبيلة، لقد ولى زمن نكران الذات والتضحية من دون مقابل، أي ابتغاء الأجر والتواب عند الخالق، هذا لا على مستوى الأفراد أو الدول، طبعا هناك بعض الاستثناءات القليلة، فالخير لا ينقطع في هذه الأمة إلى يوم البعث، لكنني أتحدث عن سياسة الدول الكبرى ذات التأثير الكبير على ساكنة هذا الكوكب.
إن وسائل الإعلام الدولية لا تعكس الحقيقة كاملة، فالأمور العظام تجري في الظلام أي “حسي مسي” كيف ذلك؟ وهل يمكننا الاطمئنان إلى أخبار وكالات الأنباء الكبرى دون تمحيص؟ في نظري الأمر بسيطا فلننظر إلى أفعال هذه الدول المسماة “عظمى”، ليتضح لنا حجم التضليل الواقع للكثير من الناس، وهم يعتقدون أن كلام أغلب الفضائيات صحيح و”مجرب”، فمن يشك مثلا في عداوة الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية للجمهورية الإسلامية الإيرانية والعكس صحيح؟ طبعا هناك الشعار الواضح” “الموت لأمريكا..”، وهذه الأخيرة تضع إيران في قائمة الدول الإرهابية والداعمة للإرهاب، لكن المفارقة أن إيران ستحصل على 700 مليون دولار شهريا من أرصدتها المجمدة مقابل تجميد جزء يسير من برنامجها النووي، هذا في انتظار استئناف المفاوضات النووية مع حلف “الناتو”.
ولكم دليل آخر على التنسيق بين “الأعداء” في اليمن، لقد تكرر مرارا مشهد مرور طائرات بدون طيار الأمريكية فوق الحواجز الأمنية لـ”الحوثيين” الموالين لإيران و”المعادين” لأمريكا، والمفارقة أن هذه المليشيا الشيعية ترفع لافتات كتب عليها “الموت لأمريكا” لكن أمريكا تقصف الآخرين، والجميع يتذكر فضيحة بيع الأسلحة الأمريكية لإيران في حرب الخليج الأولى المسماة ـ”إيران غيت”ـ 1985 خلال ولاية “رونالد ريغان” الرأسية الثانية، فمن نصدق أقوالهم أم أفعالهم الواضحة حيث المعاملة تتم بالعملة الصعبة اللهم لا حسد.
بداية أحي المفاوض الإيراني، الذي استفاد من التراث الأدبي لبلاده وخاصة عندما تمت ترجمة كتاب “كليلة ودمنة” للفيلسوف الهندي “بيدبه” إلى الفارسية فـ”الأسد وبن أوى والثور…” وقصص أخرى حاضرة في ذهن المفاوض الإيراني، وأتأسف إلى قلة حيلة المفاوض العربي وكذلك دهائه، فكلما دخلنا مفاوضات مع الأعداء إلا وكانت النتائج كارثية علينا في الحاضر وعلى أجيالنا في المستقبل، والمثال الواضح هو مفاوضات سلطة “أوسلو” بقيادة “المايسترو” عباس “صاحب المتراس اليقظ الحساس”، طبعا مع تحفظ فأنا لا أعمم فهناك استثناءات مشرقة نفتخر بها والأمور نسبية.
لقد أبلى المفاوض الإيراني بلاء حسنا، لقد استخدم سلاح تضارب المصالح بين الشرق والغرب، وناور على عدة واجهات بدقة، فإيران لا تتردد في تذكير الأوروبيين باستحالة الحل في سوريا دون إشراكها، وهي لم تترك حليفها “بشار” كما فعل العرب مع صدام، بل دعمته بالمال والسلاح وكذلك في الميدان الدبلوماسي، طبعا فهي تجري وراء مصالحها الحيوية في المنطقة، وتريد تأكيد قوتها على المستوى الإقليمي، وأن لا حل دون إشراكها في تقرير مصير منطقة الشرق الأوسط، ولسان حالها يقول للمفاوضين من حلف “الناتو”: “العراق وسوريا ولبنان هذا محوري” واليمن في الطريق بفضل ذراعي هناك “الحوثيون”، وفي البحرين المبادرة بيد حلفائي جمعية “الوفاق الشيعية” المعارضة، هذا من جهة ومن جهة أخرى هناك الملف النووي الحساس بالنسبة للغرب، وهي تحاول جرجرته وكسب المزيد من الوقت ما أمكن، وهي في النهاية كما يقول المثل المغربي: “يدها في الشكوة إلى ما جبدت اللبن تجبد السمن”، يعني أن هذه الملفات مجتمعة كملف “سوريا واليمن أو النووي”، لا يمكنها أن تخرج منها خالية الوفاض، فمثلا يمكنها مقايضة “النووي” بتخليها عن حليفها “الاستراتيجي” بشار عند أول منعطف دون تردد، الأمر يحتاج فقط لضمانات تتلقاها في “كواليس” المفاوضات، وأعتقد شخصيا أن إيران تطمح إلى معادلة القنبلة النووية “السنية” عند باكستان، ولن ترضى إيران الشيعية بأقل من ذلك.
لقد تعلمنا من التاريخ أن الأقوياء هم من يكتب التاريخ، والعرب كانوا تحت حكم الرومان والفرس قديما، حيث كان “الغساسنة” حلفاء الروم و “المناذرة” حلفاء الفرس، ويمكن أن يعيد التاريخ نفسه لكن هذه المرة الفرس أصبحت لهم جمهورية “إسلامية”، والرومان أصبح عندهم حلف “الناتو”، والعرب لهم أطول الأبراج وأضخم الأرصدة وأكبر الأسواق “للجبن” المستورد.. تصبحون على “عرضة” رقصة عربية مشرقية تلعب بالسيوف اللوامع طبعا سيوف “بلاستيك” لا تخيف “بوش” ولا “عبوش”..