همسة في أذن إفريقية

16 ديسمبر 2014 21:56
همسة في أذن إفريقية

همسة في أذن إفريقية

محمد البوبكري

هوية بريس – الثلاثاء 16 دجنبر2014

في الجامعة المغربية، تجتمع كل التناقضات، ويسير قطار الزمن نحو إنهاء الشوط الأخير لمباراة طال أمدها؛ حيث أريقت دماء ودماء، كل هذا من أجل الفكر، الذي وصل إلى مستوياته الدنيا، بل لقد بحثت عنه وما وجدت إلا رفاته؛ عندها بكيت واشتد بكائي على نار العلم ونور الثقافة.

في الجامعة المغربية، تغيب معالم التربية والتكوين؛ تغيب آليات التلقي ومفاهيم التعليم. في الجامعة المغربية، الأساتذة ملوك العلم ومحتكروه؛ يلقون للطلب فتاتا من هنا وهناك، بنوع من التكبر وكثير ازدراء. في الجامعة المغربية تغيب الرقابة على الأساتذة والطلاب على حد سواء. في الجامعة المغربية، يأتي الطالب من البكالوريا محملا بأثقال الانتماء، وأعباء التقوقع، وجحيم الارتباط؛ رغم أن الجامعة يتلخص دورها الفكري والأيديولوجي في إنتاج شخصيات قادرة على الاختيار، عن قناعة وحرية ومسؤولية، أو إنتاج تيار سياسي وفكري آخر جديد.

في الجامعة المغربية، تبكي ليلى على الأطلال، وقيس يبحث عن ليال كثيرة؛ فيتيه قيس، وتجد ليلى ضالتها بين السنوات الطوال؛ حيث تمتلئ الذاكرة بكل أنواع التجارب العاطفية الفاشلة -غالبا- لأن معيار الفشل يختلف باختلاف أهداف الطرفين.

في الجامعة المغربية، الطالب المفضل ليس إلا من يمسح “الكابا”، ويحمل محفظة الأستاذ، ويسأل عن ظواهر يجد فيها الأستاذ ضالته من أجل إبراز عضلاته الصغيرة. في الجامعة المغربية التقويم الإجمالي ينبني على محورين: جانب الهيئة والمظهر والتملق، وجانب المعرفة والحفظ؛ حيث يغيب جانب المهارات وتقويمها بشكل تام، مما يجعل هذا التقويم المعرفي قاصرا عن إدراك وتقييم المستوى العلمي التحصيلي الحقيقي للطلاب، وهذا النوع من التقويم هو الأضعف والأكثر تخلفا، من بين أنواع التقويم الحديثة (صنافة بلوم أنموذجاً).

في الجامعة المغربية، مناقشة الأستاذ في رأيه جريمة كبرى يؤدي الطالب ثمنها في الامتحان، الذي لا تتراوح نقطه العامة سوى بين 0 و13 أو 14 على 20، حسب الشعب والأساتذة، الذين يغيب عندهم معيار التقويم والذي هو غالبا يكون حسب وضع الأستاذ السيكلوجي والاجتماعي؛ فإذا كان الأستاذ في خصام مع زوجته في يوم تصحيح الأوراق فلتنتظر إسفنجة أو إسفنجتين متراكبتين، والعكس بالعكس.

إن مزاجية الأساتذة الجامعيين نتجت عن إحساسهم أنهم فوق التفتيش والمراقبة والمحاسبة؛ سواء من الناحية المعرفية أو البيداغوجية، مما يجعل الأستاذ يحلق في الهواء بدون رقابة يختار ما يشاء في الحصة؛ إن أراد جعلها للموعظة فهي كذلك، وإن كانت له قصص حكاها بالتفصيل الممل، وكله افتخار بما لا يستحق الذكر حتى.

إن الوضع الكارثي الذي تعيشه الجامعة المغربية عموما، وكليات الآداب والعلوم الإنسانية خصوصا، نتيجة حتمية لهزالة قيمة الشهادات العلمية المحصل عليها في “نهاية التكوين”، والتي لا تجد مكانا في سوق الشغل؛ إذ هي أضعف أنواع الشهادات الوطنية.

بعد كل الذي تقدم، ومساهمة في البناء، فالجامعة المغربية لن ترى النور وتشرق شمسها من جديد، إلا بإشراكها حقيقة، في المنظومة الثقافية والاقتصادية الوطنية، وإعادة الاعتبار لقيمة الشهادات المحصل عليها، من خلال تهيئ فرص مناسبة لهذه التخصصات، وإعادة النظر في الوضع الاعتباري للأستاذ الجامعي، من خلال جعله تحت سلطة تفتيشية؛ تراقب وتقوم عمله.

إن التكوين الأساسي والتكوين المستمر -كما يوكد على ذلك الدكتور سعيد حليم-، هو المخرج الرئيسي من أزمة التعليم العالي الذي أضحى مجرد همسة في أذن إفريقية!

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M