عسو «الأمازيغي» والدعوة إلى الكفاح العنصري المسلح
عبد الكبير حميدي
هوية بريس – الأربعاء 17 دجنبر 2014
في سابقة خطيرة هي الأولى من نوعها، وخلال ندوة نظمتها جمعية “أزطا أمازيغ”، حول التعددية اللغوية والثقافية والتجارب الدولية، على هامش المنتدى العالمي لحقوق الإنسان بمراكش، دعا ناشط أمازيغي يدعى “عسو” الأمازيغ إلى حمل السلاح لمواجهة عرب المغرب للوصول إلى السلطة، وقال عسو بالواضح الصريح: “لا يمكن أن نصل إلى ما نريد إذا لم يكن هناك البارود”.
هذه المرة لم نشاهد في نشرات أخبار “دوزيم” تقريرا عن هذه الدعوة العنصرية الصريحة إلى العنف والقتل والحرب الأهلية، كما حرصت على أن تفعل مع حوادث وتصريحات أقل بكثير مما صرح به الناشط الأمازيغي -مثل واقعة الشيخ النهاري والمختار لغزيوي، ومثل فيديو الشيخ سار حول التحرش الجنسي- حيث أقامت “دوزيم” حولهما الدنيا ولم تقعدها، فتبين بذلك انحياز “دوزيم” وبعدها عن معايير الموضوعية والمهنية والحياد، وتأكد أن “دوزيم” إنما تمثل حفنة من العلمانيين المغاربة العاقين لهويتهم، من الذين اختاروا السباحة ضد تيار المغاربة لحاجات وأغراض في نفوسهم، ولا تمثل جمهور المغاربة أبدا.
“هسبريس” هي الأخرى دفنت رأسها في التراب وفضلت تجاهل الحدث، واكتفت بنشر بعض المقالات في الرد عليه، إلا أنها لم تفرده هي نفسها بتغطية خاصة، كما فعلت وتفعل مع أحداث وتصريحات أقل خطورة وشأنا.
عصيد من جهته، كتب مقالا بعنوان: “دواعش الأمازيغ” حاول فيه التحايل والالتفاف على الموضوع، واستباق ردود الفعل حوله، فنسبه إلى بعض المخربين والمندسين في صفوف الحركة الأمازيغية، الذين يفعلون ذلك لتشويه صورتها، والتأثير على نضالها الديموقراطي، ولا يخفى ما في هذا الطرح من اختزال وابتسار واستغفال للقارئ واحتقار لعقله وذكائه.
التصريح خطير للغاية، سيء بما في الكلمة من معنى، لأنه دعوة صريحة ليس إلى القتل والعنف فحسب، بل إلى الحرب الأهلية والفتنة العنصرية والاقتتال الداخلي لا قدر الله، ودعوة خطيرة كهذه لا ينبغي أن تمر مرورا عاديا، ولا يجوز التعاطي معها بأسلوب التجاهل واللامبالاة، ولا بأسلوب التصغير والتهوين، الذي أثبتت التجارب أنه لا ينجح دائما، وأنه قد أدى في حالات كثيرة إلى كوارث ومآس، لم ينفع معها ندم ولا مراجعات متأخرة.
لذلك ولغيره، يستحق تصريح الناشط الأمازيغي منا وقفة تأمل وتحليل، لدراسته والوقوف على أبعاده ودلالاته، وذلك ما نحاوله في النقاط الآتية:
أولا: أظهر التصريح أن حملات التحريض وصناعة الكراهية والترويج للإثنية والعنصرية، التي تولى كبرها أمثال عصيد وبودهان وغيرهما، على مدى عقدين من الزمان، تحت أقنعة الحقوق الثقافية واللغوية، بدأت تؤتي ثمارها المرة، وبدأت تسفر عن نتائجها الوخيمة التي حذر ويحذر منها كثير من الغيورين على مستقبل المغرب، وليس الناشط “عسو” وأمثاله سوى أتباع وتلاميذ ومريدين لهؤلاء.
ثانيا: كشف التصريح عن حقيقة ما يسمى بـ”الحركة الثقافية الأمازيغية”، وأظهر أنها ليست مجرد حركة ثقافية -كما يحلو لها أن تصف نفسها- تسعى إلى التمكين للغة والثقافة الأمازيغية، وإحلالها المكانة اللائقة بها، باعتبارها مكونا من مكونات الهوية الوطنية، وإنما هي حركة سياسة أيضا، تفكر في السلطة وتسعى إلى الوصول إليها، أو قل أن شئت الدقة: إنها حركة سياسية في لبوس لغوي ثقافي.
ثالثا: كشف التصريح أن الحركة الأمازيغية، ليست تيارا واحدا، ولا يجمعها رأي واحد، وأنها ليست مجمعة على النضال السلمي المدني أداة لتحقيق الأهداف، وأن من بين تياراتها من يؤمن بالعنف ويعتبره خيارا لتحقيق أهداف الحركة، التي أجملها الناشط “عسو” في الوصول إلى السلطة، سيما وأن لبعض فصائلها ماضيا ماركسيا مثقلا بمفردات ومقولات من قبيل: العنف الثوري، والحقد الطبقي، وديكتاتورية البروليتاريا.
رابعا: أن تصريح الناشط “عسو” لم يلق معارضة ولا مقاطعة من مسير الندوة المحامي أحمد أرحموش، كما أنه لقي ترحيبا وتصفيقا من أغلب الحضور، مما يؤكد أن الأمر يتعلق بتصور وتيار يؤمن بالعنف، وليس بحالة شاذة، ولا بمداخلة فردية طائشة.
خامسا: أكد التصريح مخاوف الكثيرين، بشأن تهديد التيار الأمازيغي للوحدة الوطنية، لأن العنف عندما يكون فكرة وعقيدة، يوشك أن يتحول إلى تصرف، وعندما يكون في حيز القوة، يوشك أن يخرج إلى حيز الفعل، كلما واتت المؤمنين به الظروف وأتيحت لهم الفرص.
سادسا: كشف التصريح عن نفاق الجمعيات الحقوقية وهيئات المجتمع المدني وازدواجية خطابها، إذ سارعت إلى رفع دعاوى ضد بعض الإسلاميين، بتهمة التحريض على العنف والقتل، مع أنه ليس فيما ورد عن بعضهم تصريح بذلك، في حين تجاهلت تصريحا عنصريا واضحا وصريحا، يدعو إلى الحرب الأهلية، ويحرض أبناء الوطن الواحد بعضهم على بعض.
سابعا: كشف التصريح عن افتقار وسائل إعلامنا إلى معايير المهنية والموضوعية والحياد، (دوزيم وهسبريس نموذجين)، عندما تعمد إلى تغطية الحدث الهين وتدع الخطير، وعندما تهون من الحدث الكبير وتهول من الصغير، وعندما تتعامل مع الأحداث بمقتضى الأمزجة والأهواء والحسابات الضيقة، لا بما يتطلبه العمل الإعلامي من وطنية ونزاهة وتجرد وحياد.
ثامنا: أن هذا النوع من التطرف العرقي، ينبغي حمله على محمل الجد، وعدم تجاهله والاستهتار به، لأنه يمثل وقود الفتن والحروب الأهلية لا سمح الله، وينبغي معالجته وفق مقاربة شاملة ومندمجة، تجمع بين ما هو قانوني وما هو ثقافي وما هو تربوي وما هو إعلامي، وهو ورش كبير يجب أن ينخرط فيه كل الشرفاء والغيورين على مستقبل المغرب وأمنه واستقراره ووحدة شعبه وترابه، بدءا بالدولة ومؤسساتها (وعلى رأسها الإعلام والتعليم)، ومرورا بالأحزاب السياسية، وانتهاء بهيئات وجمعيات المجتمع المدني.
وفي الختام، وبعد النصح والتبليغ، لا نملك إلا الدعاء للمغرب والمغاربة، فنقول: اللهم جنب المغرب الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اجعل المغرب سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم رد الضالين والمنحرفين والمتطرفين منا إلى رشدهم يا رب العالمين، آمين، والحمد لله رب العالمين.