مات العالم.. مات الفنان
ذ. أحمد اللويزة
هوية بريس – الخميس 18 دجنبر 2014
يموتون تباعا، إنهم مشاهير في عالم الفن والرياضة والسياسة والمال… يبكيهم الإعلام ويندبهم الأهل وتبكيهم الصحافة وينعيهم الأصدقاء ويؤبنهم الجميع، أياما عديدة لا تفارق أخبارهم وصورهم الإعلام العمومي والخصوصي، المقروء والمسموع والمكتوب، بل إنهم المادة الأساسية والموضوع الأهم المتصدر لكل الأخبار.
لكنهم قد أفضوا إلى ما قدموا، وتركوا إرثا تقيلا ما ينفعهم بقاؤه بعد موتهم وهم الذين يتمنون لو رجعوا لفعل صدقة، أو صلاة ركعة، أو تسبيحه، أو رد مظلمة، أو التبرؤ من التركة التي لا شك أنها لن يسرهم أمرها.
هم قوم ماتوا ورحلوا إلى رب رحيم نرجو لهم المغفرة ممن كان منهم من المسلمين، لكن العبرة من هذا الواقع ملزمة لكل من يرجوا النجاة يوم لقاء الله، ولندرك أن أهل زماننا كثير منهم لم يعد يعتبر، وأننا صرنا نهتم بموت التافهين أحيانا، ونجعل من موتهم نهاية للتاريخ، وما قدموا للأمة شيئا ينفع لا في دين ولا في دنيا، بينما يغادر في صمت علماء أجلاء، وشيوخ أفاضل، لا يعلم بموتهم إلا فئة قليلة ممن يهتم بالعلم والعلماء، وقل أن تجدهم ولو في خبر يتيم في جريدة شاردة أو متصدرة. إلا يكون من الرسمين فتخصص له دقائق قليلة، رغم أن العلماء يموتون وقد تركوا صدقة جارية تتبعهم الحسنات في قبورهم كما تتبع الآخرين السيئات.
يموت مغن فيعوضه ألف مغن، وتموت ممثلة فتعوضها ألف ممثلة، وقد صرنا أمة الإسلام مختصين في صناعة هؤلاء، ويموت رياضي فيعوضه ألف رياضي وتنشأ الأكاديميات… بينما يموت العالم فيذهب علمه، والله يقبض العلم بقبض العلماء، ويبقى مكانه شاغرا ويحدث موته ثلمة لا يسدها شيء ما تعاقب الليل والنهار، يموت نوره وبرهانه واجتهاده، والأمة في حاجة إليه، فيتصدر مكانه الغوغاء والجهال ومن يزعم العلم ليطوعه في خدمة الأهواء والشهوات.
هذا واقعنا الذي يدل على أننا ما عدنا نهتم بعلمائنا ولا نقدرهم حق قدرهم ولا نبوئهم المكانة الرفيعة التي بوأهم الله إياها، فلئن جهلناهم فأهل السماء يعلمونهم، ولئن ماتوا وما شيعناهم فأهل السماء يشيعونهم، ولئن فرحنا لموتهم، فأهل السماء يفرحون لقدومهم عليهم، فشتان بين من تتلهف عليه ملائكة السماء فرحا وشوقا، وبين من تتلقفه ملائكة غلاظ شداد، فالعبرة العبرة..
إنه لمحزن أشد الحزن أن يموت في نفس الأسبوع عالم كبير وفنانة شهيرة؛ فيهتم إعلامنا الخائن الفاسد بالثانية ولا يرفع لموت العالم رأسا، إنها سياسة الاستعمار التي تولاها المنافقون من هذه الأمة المتمثلة في تنحية العلماء عن الحياة والتعتيم عن أدوارهم الرائدة حتى لا يتأثر بهم العامة فيكونوا هم القادة، في مقابل تسييد الدهماء ومن لا يرجى خيره من أهل الفن والرياضة والغناء… حتى صار المسلمون يعرفون عن هؤلاء ما لا يعرفون حتى عشره عن علمائهم وفضلائهم فإلى الله المشتكي.