الشيخ المكي الناصري يصف حال الطرقيين في المغرب ويحاججهم بالقرآن والسنة
إعداد: نبيل غزال
هوية بريس – الإثنين 22 دجنبر 2014
قال الشيخ المكي الناصري رحمه الله تعالى في كتابه إظهار الحقيقة وعلاج الخليقة:131-134 وهو يصف حال أصحاب الأضرحة ومن يقدمون بين يدي الله تعالى: «فمنهم الذين اتخذوا القبور حرمات ومعابد، فبنوا عليها المساجد والمشاهد، وزخرفوها بما يجاوز حد السرف بمراتب، واصطلحوا فيها على بناء النواويس1 واتخاذ الدرابيز2 والكسا المذهبة وتعليق الستور والأثاث النفيسة؛
وتزويق الحيطان وتنميقها، وإيقاد السرج فوق تلك القبور ككنائس النصارى وسوق الذبائح إليها، وإراقة الدماء على جدرانها، والتمسح بها، وحمل ترابها تبركا، والسجود لها، وتقبيلها، واستلام أركانها والطواف حولها، والنذر لأهلها، وتعليق الآمال بهم، والتوسل إليهم بالله ليقضوا لسائليهم الحوائج (كما يزعمون)، فيقولون عند زيارتهم: «قدمت لك وجه الله يا سيدي فلان إلا ما قضيت لي حاجتي»، جاعلين الحق سبحانه وتعالى وسيلة تقدم إلى أولئك المقبورين للتوصل إلى نيل أغراضهم.
مع أن الميت قد انقطع عمله، ولا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، فكيف لمن استغاث به أو سأله قضاء حاجته أو سأله أن يشفع له إلى الله فيها، فإن الله تعالى لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه. واستعانة ذلك الميت وسؤاله لم يجعلهما سبحانه سببا لإذنه، وإنما السبب في إذنه كمال التوحيد، فجاء هذا بسبب يمنع الإذن، وهو بمنزلة من استعان في حاجته بما يمنع حصولها، على أن الميت محتاج إلى من يدعو له ويترحم عليه ويستغفر له، كما أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم إذا زرنا قبور المسلمين أن نترحم عليهم ونسأل لهم العافية والمغفرة، فعكس أولئك القبوريون هذا وزاروهم زيارة العبادة لقضاء الحوائج والاستعانة بهم، وجعلوا قبورهم قريبة من أن تصير أوثانا تعبد، وقد شاع هذا بين المسلمين وذاع، وعمّ كل ما يستوطنون به من البقاع3.
ومنهم من لم يرضوا بالشرع المبين، فابتدعوا أحكاما في الدين، وشرعوا واجبات وسننا ومستحبات، واخترعوا عبادات وقربات، لم يأت بها الإسلام ولا عهد له بها، كأن الله تعالى ترك لنا ديننا ناقصا فأكملوه، أو أودع لنا فيه سبحانه بعض الفساد فلم يوافقوا عليه وأصلحوه، أو لم ينزل على رسوله يوم حجة الوداع تلك الآية الكريمة المشيرة إلى إكمال هذا الدين الإسلامي: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً» (المائدة:3)، أو لم يقل رسوله في خطبته فيها: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي»4، أو لم يتم تبليغ رسالته فهم أتموها لنا، أو كتم أو أسر شيئا من الدين كما يزعمون، تعالى الله عما يقولون، وتنزه رسوله عما يأفكون5.
ومنهم جماعات اتخذوا دين الله لهوا ولعبا، فجعلوا منه القيام والرقص حالة الذكر الجهري، ظانين أن ما يفعلونه من الرقص حالة الذكر عبادة، مع أن من ظن ذلك تجب عليه التوبة، فإن ناظر على ذلك، وقال: إنه عبادة يتقرب بها إلى الله تعالى يخالف الإجماع فيكون عاصيا آثما إن لم يكن كافرا6 بناء على القول بتكفير مخالف الإجماع7.
وكيف يعتقد من أودع الله فيه نور العقل أن الشطح وما شابهه مما يعبد الله به، مع تيقنه أن ذلك مجرد لهو ولعب.
متى علم الناس في ديــنــنـا***بــأن الغــنــا ســـنــة تـــتــبــع
وأن يـأكـل المرء أكل الحما***ر ويرقص في الجمع حتى يقع
وقــالوا سكـرنا بحـب الإلـــ***ـه وما أسكـر القـوم إلا القصع
كذلك البهائم إن أشـــبعت***يرقصــــهــا ريــهــا والشــبــع
فيا للعـــقول ويــــا للنـــهى***ألا مــنــكـــر مــنــكــم للبدع
تهان مســــاجدنـــا بالســما***ع وتكرم عن مثل ذلك البيع8
ومما يزيد الطين بلة، والطنبور نغمة أنهم يخللون ذكر الله وقتئذ بإنشاد مدائح أهون ما فيها الإطراء الذي نهانا عنه سيد المتواضعين حتى لنفسه الشريفة، فقال: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى، ولكن قولوا عبد الله ورسوله»9، ولا تسأل عن تغاليهم في الاستغاثة بشيوخهم والاستمداد منهم بصيغ لو سمعها مشركو قريش لنسبوهم إلى الكفر والزندقة والمروق من الدين، لأن أبلغ صيغة تلبية كانت لمشركي قريش هي قولهم: «لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك»، وهي كما ترى أخف شركا من المقامات الشيوخية التي يهدرون بها إنشادا بأصوات عالية مجتمعة، وقلوب محترقة خاشعة10.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- جمع ناووس وهو صندوق من خشب أو نحوه يضع النصارى فيه جثة الميت ومقبرة النصارى (المعجم الوسيط 2/962).
2- جمع دربوز وهو بناء خشبي يوضع فوق قبر الضريح مغلف بأكسية، يتمسح به الزائر طلبا لبركة المقبور.
3- هذا القسم الأول من أولئك وهم جماعة من المشركين الذين اتخذوا الأموات آلهة يسألونهم ويرجونهم..
4- أخرجه الحاكم (1/172)، والبزار (2/479)، والدارقطني (4/245)، والبيهقي في الكبرى (10/114)، وغيرهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وإسناده ضعيف جدا، لكن قال ابن عبد البر في التمهيد: “محفوظ معروف مشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم شهرة يكاد يستغني بها عن الإسناد”، قلت: والذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: “تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي”، أخرجه مسلم والنسائي في الكبرى وغيرهما، من حديث زيد بن أرقم، وروي عن غيره من الصحابة.
5- هذا القسم الثاني هم قوم من المبتدعة والمحدثين الغالين في العبادات.
6- انظر تعظيم المنة بنصرة السنة 2.
7- الذي يكفر هو منكر الإجماع، وأما مخالف الإجماع فهذا كفره بعضهم، منهم ابن حزم وقد تعقبه شيخ الإسلام ابن تيمية في “نقد مراتب الإجماع”، وبين أن كثيرا من العلماء لا يكفرون مخالف الإجماع (“نقد مراتب الإجماع” ص:3)، وبحث هذه المسألة يتطلب أكثر من هذا.
8- هذه الأبيات لابن عسكر الموصلي الملقب بظهير الدين مع بعض التغيير، قالها في شخص يقال له مكّي، كان شيخ زاوية لجماعة من الفقراء، بالبوازيخ وهي بليدة بالقرب من السلامية، ومطلعها:
ألا قل لمكّي قول النصوح فحق النصيحة أن تستمع
وفيات الأعيان (1/38)، والوافي بالوفيات (2/272).
9- أخرجه البخاري وغيره من حديث عمر رضي الله عنه.
10- هذا القسم الثالث وهو فرقة من المتصوفة أصحاب الشرعة المحرفة، الذين دينهم الرقص والشطح والغناء.