حكم مشاركة النصارى واليهود في الاحتفال بأعيادهم
جواد أمزون
هوية بريس – الثلاثاء 30 دجنبر 2014
الحمد لله أعاد وأبدى، أحمده سبحانه وأشكره على ما أنعم وأسدى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له من اتبع هداه فلا يضل ولا يشقى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله كرم رسولا وشرف عبدا صلى الله وسلم، وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم واهتدى، وبعد:
فإن مما ابتلي به السواد العظيم من أمة الإسلام في هذا الزمن أنها أصبحت تأخذ كل ما يساق إليها، وتعبُّ من كل وارد يأتيها، ناسية أو متناسية أن لديها ثوابت عقدية وقواعد شرعية وضوابط ربانية، تضبط ما يؤخذ من الأمم الأخرى ويُقبل، وما يحذر منه ويعرض عنه ويُهمل.
ومما يزيد الظلام ظلمة والعقدة عُقَدًا أن يكون ميل الآخذين من الغير إلى التافه الحقير من فنون ما يسلب الأخلاق ويدمر القيم ويُذل الأمة ويكرّس العبودية، أما أن يأخذ من غيرنا سرّ التفوق وإكسير القوة والنافع المفيد فذاك القوم عنه غافلون.
وإن من مظاهر هذا الميل التافه لأمم الكفر ما تعرفه بلدان المسلمين هذه الأيام من الاحتفال بالكريسمس (عيد ميلاد المسيح) وعيد رأس السنة الميلادية، وما يصاحبها من شعائر ومملوءة بالكفر والبدعة، وأعمال مشتملة على الشبهات والشهوات من سهرات ماجنة إلى سكر وعربدة وفساد عريض…
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (1/183): (أعياد المشركين جمعت الشبهة والشهوة والباطل، ولا منفعة فيها في الدين، وما فيها من اللذة العاجلة فعاقبتها إلى ألم؛ فصارت زورًا)
ولقد أحدث النصارى عيد الميلاد (الكريسمس) تجديدا لذكرى مولد المسيح عليه السلام، مع أنهم مختلفون في سنة مولده وشهره ويومه، جاء في دائرة المعارف الكاثوليكية عن هذا الاحتفال في طبعة 1911م ما نصه: “لم يكن عيد الميلاد واحداً من الأعياد الأولى للكنيسة الكاثوليكية، وأول دليل على هذا الاحتفال إنما جاء من مصر.. فقد تحولت العادات الوثنية الخاصة ببداية شهر يناير في التقويم الروماني القديم، تحولت إلى عيد الميلاد، ويعترف أول الآباء الكاثوليك بالحقيقة التالية: لم يسجل الكتاب المقدس أن أحداً كان يحتفل أو أقام مأدبة كبيرة بمناسبة يوم ميلاده، إن الآثمين والخطائين -مثل فرعون وهيرود- هم وحدهم الذين يجعلون من يوم مجيئهم إلى هذا العالم مناسبة للابتهاج العظيم”.
وأما عيد رأس السنة الميلادية؛ فإنه يوافق عيدا وثنيا لدى اليونان والرومان، أقره الرهبان لما اعتنق الرومان النصرانية، فأحدثوا لها أصولا دينية، وزعموا أن المسيح عليه السلام خُتِنَ فيه، وسموا هذا العيد الوثني عيد الختانة.
جاء في دائرة المعارف الأمريكية في طبعة 1944م ما نصه: وفي القرن الرابع الميلادي بدأ الاحتفال لتخليد ذكرى هذا الحدث أي ميلاد المسيح، وفي القرن الخامس أمرت الكنيسة الغربية بأن يحتفل به إلى الأبد في يوم الاحتفال الروماني القديم بميلاد “سول”، نظراً لعدم معرفة ميلاد المسيح معرفة مؤكدة”.
ويذكر الكتاب الموسوعي “أديان العالم” تحت عنوان “التقويم المسيحي”: نظام ترقيم السنين المستخدم في العالم الغربي معتمد كما كان يعتقد على السنة التي ولد فيها يسوع، ولكن الأبحاث الجديدة تبين أن يسوع ولد في القرن 4 ق.م تقريباً ولكن ليس 1م، فنظام التأريخ “المسيحي” استُخدم باتساع في القرن الثامن الميلادي فما بعد، وقبل ذلك كانت الكنيسة تستخدم تاريخ تأسيس روما (753 ق.م) كبداية لحساب النظام [التاريخي]).
وفي الموسوعة الحرة ويكيبيديا (اعتبر 25 ديسيمبر ميلاداً ليسوع لأول مرة في القرن الرابع الميلادي زمن حكم الإمبراطور قسطنطين، فقد اختار قسطنطين هذا اليوم كميلاد ليسوع لأن الروم في ذلك الوقت كانوا يحتفلون بنفس اليوم كولادة لإله الشمس “سول إنفكتوس”، والذي كان يسمى بعيد “الساتورناليا”. ولقد كان يوم 25 ديسمبر عيداً لغالب الشعوب الوثنية).
فكيف لأمة قائدة رائدة، دهورا مديدة من الزمن، تتعثر ركابها وتسقط رايتها، فإذا هي في مهاوي التقليد الأعمى، تتبع آثار الأمم سواها في كل نهج وسلوك، في حين أنها أمة في أعلى مراقي الحياة، وأوج العزة والقوة، إذا هي تتدهده في الحضيض الأوهد، والشقاء المؤصد، تموت بعد حياة، وتسفل بعد علو، وتذبل بعد ازهار…
فيا له من عجب عجاب !!!
لقد صار للاحتفال بهاتين العادتين شأن عظيم عند النصارى ومن سار في ركبهم، وساعد في ذلك اعتماد أغلب بلدان الإسلام التقويم النصراني الميلادي بدل التقويم الهجري الذي لا يهتم به أحد إلا في رمضان!!
إن دين الإسلام مبني على الابتعاد عن مشابهة الكفار، وإن من أعظم مقاصده وأصوله تميز الحق وأهله عن الباطل وأهله، وبيان سبيل الهدى والسنة والدعوة إليه، وكشف سبيل الضلالة والتحذير منه، وقد أوضح ذلك نبينا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وفصَّله، وأمر أمته بمخالفة الكفار في جميع أحوالهم في العقائد والعبادات، والعادات والمعاملات، والآداب والسلوك.
وقد دل على هذا الأصل أدلة من الكتاب والسنة والإجماع؛ ومنها ما يأتي:
قول الله تعالى: {وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} (الحديد:16).
{لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} (الممتحنة:13).
وقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من تشبه بقوم فهو منهم) رواه أحمد أخرجه أحمد (2/50 و92) وصححه الألباني في الإرواء 1269.
ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (1/363): (الإجماع على الأمر بمخالفة الكفار والنهي عن مشابهتهم) ودلل على ذلك بثلاثة وجوه:
الأول: ما اشترطه أمير المؤمنين عمر والصحابة وعامة الأئمة وسائر الفقهاء على النصارى
الثاني: أن هذه القاعدة، قد أمر بها غير واحد، من الصحابة والتابعين، في أوقات متفرقة، وقضايا متعددة، وانتشرت ولم ينكرها منكر.
الثالث: ما ذكره عامة علماء الإسلام من المتقدمين، والأئمة المتبوعين وأصحابهم، في تعليل النهي عن أشياء بمخالفة الكفار، أو مخالفة النصارى
وعليه فإنه لا يجوز الاحتفال بأعياد الكفار، أو المشاركة فيها، أو الإعانة عليها، كما لا يجوز إظهار الفرح به. ومما يدل على هذا ما يأتي:
1- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: “لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم؛ فإن السخطة تنزل عليهم”. رواه عبد الرزاق والبيهقي، وصححه ابن تيمية. قال عمر رضي الله عنه -أيضا-:”اجتنبوا أعداء الله في عيدهم”. رواه البخاري في التاريخ الكبير، والبيهقي بسند صحيح.
2- أن عمر رضي الله عنه لما صالح نصارى الشام وكتب شروطه عليهم، كان منها:أن أهل الذمة لا يخرجون صليبا ولا كتابا في أسواق المسلمين، ولا يظهرون أعيادهم، وذكر منها: الباعوث والشعانين..”. رواه البيهقي
3- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنها قال: “من بنى ببلاد الأعاجم، فصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك؛ حشر معهم يوم القيامة”.رواه البيهقي
4- أجمع الصحابة والأئمة من بعدهم على إنكار أعياد الكفار؛ فاليهود كانوا في المدينة وخيبر وما نقل عن أحد من الصحابة مشاركتهم في أعيادهم بشيء من ذلك.
وقال ابن تيمية -أيضا- في “اقتضاء الصراط المستقيم” (1/454): (فإذا كان المسلمون قد اتفقوا على منعهم من إظهارها، فكيف يسوغ للمسلمين فعلها؟ وقال ابن القيم: وكما أنه لا يجوز لهم إظهاره، (أي العيد) فلا يجوز للمسلمين ممالأتهم عليه، ولا مساعدتهم، ولا الحضور معهم، باتفاق أهل العلم”. (“أحكام أهل الذمة” (2/722)). وقال كذلك: “وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق”. (“أحكام أهل الذمة”، (1/205)).
وخلال البحث في المراجع الفقهية لم أجد من تساهل في هذه المسألة، بل على العكس تماماً، يذكر الفقهاء هذه المسألة في أبواب التعزير والردة!
وأختم بكلام نفيس لعلمائنا المالكية لمن كان قناصا للفوائد الفرائد حتى لا يقول قائل هذه فتاوى المشرق أو يقول تلك فتاوى الحنابلة أو يقول دعنا من الاستيراد!!
قال ابن الحاج في مدخله (2/48): “قال الإمام ابن القاسم رحمه الله: ويمنع التشبه بهم كما تقدم لما ورد في الحديث «من تشبه بقوم فهو منهم» ومعنى ذلك تنفير المسلمين عن موافقة الكفار في كل ما اختصوا به. وقد كان – عليه الصلاة والسلام – يكره موافقة أهل الكتاب في كل أحوالهم حتى قالت اليهود إن محمدا يريد أن لا يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه. وقد جمع هؤلاء بين التشبه بهم فيما ذكر والإعانة لهم على كفرهم فيزدادون به طغيانا إذ أنهم إذا رأوا المسلمين يوافقونهم أو يساعدونهم، أو هما معا كان ذلك سببا لغبطتهم بدينهم ويظنون أنهم على حق وكثر هذا بينهم. أعني المهاداة حتى إن بعض أهل الكتاب ليهادون ببعض ما يفعلونه في مواسمهم لبعض من له رياسة من المسلمين فيقبلون ذلك منهم ويشكرونهم ويكافئونهم. وأكثر أهل الكتاب يغتبطون بدينهم ويسرون عند قبول المسلم ذلك منهم؛ لأنهم أهل صور وزخارف فيظنون أن أرباب الرياسة في الدنيا من المسلمين هم أهل العلم والفضل والمشار إليهم في الدين وتعدى هذا السم لعامة المسلمين فسرى فيهم فعظموا مواسم أهل الكتاب وتكلفوا فيها النفقة..”.
وقال كذلك في (2/46): “(فصل) في ذكر بعض مواسم أهل الكتاب فهذا بعض الكلام على المواسم التي ينسبونها إلى الشرع وليست منه، وبقي الكلام على المواسم التي اعتادها أكثرهم وهم يعلمون أنها مواسم مختصة بأهل الكتاب، فتشبه بعض أهل الوقت بهم فيها وشاركوهم في تعظيمها، يا ليت ذلك لو كان في العامة خصوصا، ولكنك ترى بعض من ينتسب إلى العلم يفعل ذلك في بيته ويعينهم عليه ويعجبه منهم ويدخل السرور على من عنده في البيت من كبير وصغير بتوسعة النفقة والكسوة على زعمه، بل زاد بعضهم أنهم يهادون بعض أهل الكتاب في مواسمهم ويرسلون إليهم ما يحتاجونه لمواسمهم فيستعينون بذلك على زيادة كفرهم ويرسل بعضهم الخرفان وبعضهم البطيخ الأخضر وبعضهم البلح وغير ذلك مما يكون في وقتهم وقد يجمع ذلك أكثرهم، وهذا كله مخالف للشرع الشريف”.
وجاء في كتاب: “المعيار المعرب عن فتاوي أهل إفريقية والأندلس والمغرب” (ج1/ص:180) للونشريسي:
(وسئل أبو الأصبغ عيسى بن محمد التميلي عن ليلة (ينير) التي يسمونها الناس الميلاد ويجتهدون لها في الاستعداد، ويجعلونها كأحد الأعياد، ويتهادون بينهم صنوف الأطعمة وأنواع التحف والطرف المثوبة لوجه الصلة، ويترك الرجالُ والنساءُ أعمالهم صبيحتها تعظيماً لليوم، ويعدونه رأس السنة أترى ذلك أكرمك الله بدعة محرمة لا يحل لمسلم أن يفعل ذلك، ولا أن يجيب أحداً من أقاربه وأصهاره إلى شيء من ذلك الطعام الذي أعده لها؟ أم هو مكروه ليس بالحرام الصراح؟ أم مستقل؟ وقد جاءت أحاديث مأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المتشبهين من أمته بالنصارى في نيروزهم ومهرجانهم وأنهم محشورون معهم يوم القيامة. وجاء عنه أيضاً أنه قال: “من تَشَبه بقوم فهو منهم” فبين لنا أكرمك الله ما صح عندك في ذلك ان شاء الله؟
فأجاب: قرأت كتابك هذا ووقفت على ما عنه سألت وكل ما ذكرته في كتابك فمحرم فعله عند أهل العلم. وقد رويت الأحاديث التي ذكرتها من التشديد في ذلك ورويت أيضاً أن يحيى بن يحيى الليثي قال: لا تجوز الهدايا في الميلاد من نصراني ولا من مسلم، ولا إجابة الدعوة فيه، ولا استعداد له، وينبغي أن يجعل كسائر الأيام، ورفع فيه حديثاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوماً لأصحابه: “إنكم مستنزلون بين ظهراني عجم فمن تشبه بهم في نيروزهم ومهرجانهم حُشر معهم“، قال يحيى وسألت عن ذلك ابن كنانة، وأخبرته حالنا في بلدنا فأنكر وعابه وقال: الذي يثبت عندنا في ذلك الكراهية، وكذلك سمعت مالكا يقول: لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من تشبه بقوم حشر معهم“).
هذا ما أحببت التنبيه عليه في هذه المسألة، لعموم البلوى بها، وكثرة الواقعين في إثمها، والمغترين بزخرفها، نصحا للمسلمين، وتحذيرا من سبل الكافرين، وحماية لجناب شريعة رب العالمين، لأن الإسلام لم يُحفظ كيانُه ولم يحتفظ بقوته إلا بالاستقلال في شريعته، وانفراده بأخلاقه ومبادئه، وبُعده عن التشبه القائد إلى الذوبان والمروق والانحلال فاعرفوا فضلَ الله ومنَّته، وعظِّموا أمرَ دينكم، واقدروه قدرَه، فالعزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.