حرية السينما بين ليبرالية «هوليود» ورقابة «مَرُوكْيُود»
إبراهيم الطالب (مدير أسبوعية السبيل)
هوية بريس – الأربعاء 31 دجنبر 2014
قضية منع الشريط السينمائي الأمريكي «الخروج.. آلهة وملوك» من طرف المركز السينمائي المغربي، شكلت حدثا بارزا له دلالات عميقة، نظرا لكون المغرب لم يعرف أي منع من طرف المركز المذكور خلال 11 سنة، ويرجع سبب عدم المنع خلال هذه المدة إلى إدارة المركز التي كان يرأسها نور الدين الصايل العلماني المستغرب، والذي سمح بدعم أفلام تنتهك الهوية والدين وقيم المغاربة، مثل فيلم «ماروك» الذي تضمن مشاهد جنسية فاضحة؛ ووظف نجمة اليهود السداسية، حيث يقوم فيه شخص يهودي بوضع النجمة السداسية على صدر فتاة مسلمة بعد أن زنا بها.
وكذلك دعم الصايل ورخص لأفلام رديئة ماجنة تساهم في تعميق التردي السحيق الذي كانت تشهده البلاد على كافة المستويات، خلال مرحلة ما قبل هبوب رياح التغيير، كفيلم «كازانيكرا» وغيره، وختم مسيرته في تدمير القيم الدينية والتاريخية للمغاربة بمنح الترخيص للفيلم الأمريكي «الخروج.. آلهة وملوك» بالعرض في قاعات السينما بالمغرب، والذي يصور الذات الإلهية العلية وكذا الأنبياء عليهم السلام، ويحرف ما جاء في القرآن والسنة والتوراة من قصص نبي الله موسى عليه السلام، ويخضع الوحي للتفسير المادي الإلحادي، كما في تناوله لواقعة شق البحر لسيدنا موسى، إذ صورها على أنها وقعت جراء سقوط نيزك.
قضية المنع أحدثت جدلا في وسائل الإعلام خاصة الورقية والإلكترونية بلغ إلى حد تهديد مدير جريدة الأحداث بالتظهير بسمعة المغرب لدى وسائل الإعلام الغربية قائلا: «سنتحدث عن فيلم ريدلي سكوت في صفحاتنا الأولى وفي الصفحات السياسية، سنتساءل هل هي بداية عصر الرقابة على المصنفات الفنية من طرف حكومة الإسلاميين في المغرب رغم أننا نعرف الجواب؟ سنخصص له عديد المقالات، وسنرد على كل وسائل الإعلام الأجنبية التي ستتصل بنا لكي تسألنا هل أصبح المغرب مثل البقية يفرض الرقابة الغبية على الأفلام؟».
مدير الأحداث يستعدي الصحافة الأجنبية على ما وصفها «حكومة الإسلاميين»، وكأن المغاربة كلهم مثله يرضون أن تمارس أخواتهم وأمهاتهم حرياتهم الجنسية.
معلوم أن الفن يؤثر على صناعة الرأي العام، بل هو من أهم وسائل التأثير على الرأي والميول والذوق، فما استطاع الانقلاب في مصر أن يخلق الخلاف بين المصريين رغم دمويته والعنف البالغ الذي اقترفه في ميداني رابعة والنهضة وتحريق المساجد، إلا باستخدام رصيد أغلب «الفنانين» أمثال إلهام شاهين وحسين فهمي وعادل إمام في الدعاية للسيسي والعسكر، والنيل من الإسلاميين وكل المتدينين، والاستعانة بصحفيين علمانيين من طينة مدير الأحداث يطبلون ويملؤون الدنيا ضجيجا وصراخا، حتى لا يرى الناس الحق ويستبينوا صوته.
العلمانيون يدّعون أن الفن لا يمكن أن يخضع للرقابة، في حين نجد هذا الفن يخضع للرقابة في أمريكا بلاد السينما العالمية وبلد الليبرالية المتنصلة من كل قيد.
ومن صفاقتهم وجرأتهم وكذبهم يكاد المرء يقتنع بأن سينما «مَروكْيود» كانت أكثر حرية من سينما «هوليود»، وأن حكومة الإسلاميين فرضت عليها الرقابة ومنعت الإبداع والفن.
بينما التاريخ والواقع يذكراننا أن العالم كله يُجري رقابة على الفن والإبداع والسينما والكتابة، رقابة تضيق وتتسع حسب خصوصيات البلدان والشعوب وعقائدها ومصالحها الاستراتيجية والأمنية.
فألمانيا منعت في سنة 2011 الفيلم التركي وادي الذئاب فلسطين (Kurtlar Vadisi Filistin) وهو فيلم تركي صدر في يناير 2011 وتم عرضه في تركيا وبعض الدول الأوروبية والعربية، الفيلم يحكي عن السفينة التركية المحملة بالمساعدات الموجهة إلى فلسطين التي تعرضت لهجوم الكيان الصهيوني أثناء الحرب على غزة 2008.
الجارة الإسبانية منعت فيلم «سو 6» (Saw VI) وهو فيلم رعب أُنتج سنة 2009، من إخراج كيفين غرويترت.
بل حتى في أمريكا، عندما أقدمت إدارة الرئيس باراك أوباما على تقديم منحة لفيلم «زيرو دارك ثيرتي»، الذي يتحدث عن مطاردة أسامة بن لادن رحمه الله، احتدم الجدل مرة أخرى حول التاريخ الطويل للعلاقات بين البنتاغون وهوليوود التي تتهم بأنها تخضع للإملاءات والرقابة العسكرية، وتلعب دورا مروجا للجيش الأمريكي.
الجدل في بلاد الليبرالية وصل حد اتهام الجمهوريين للبنتاجون باستخدام هوليوود وسيلة للدعاية، الأمر الذي دفع رئيس الخلية المكلفة بالعلاقات مع صناعة السينما، «فيل ستراب»، للتأكيد أن فيلم مطاردة بن لادن لم يحظ بتعاون من وزارة الدفاع، باستثناء لقاء استمر 45 دقيقة بين المخرجة وكاتب السيناريو ومسؤول المهمات الخاصة في البنتاغون مايكل فيكرز من أجل «عرض عام».
فماذا -في نظر العلمانيين- كان يعمل مسؤول المهمات الخاصة في البنتاغون في اجتماع مخرجة وكاتب سيناريو؟
لماذا لم يترك الأمريكيون الإبداع دون رقابة؟
الجواب لأن حرية الإبداع لها حدود، وهذا ما لا يفهمه المستغربون المغاربة.
حرية الرأي هي الأخرى تخضع للرقابة في بلد الحريات، فأثناء أحداث الحرب على غزة قامت المغنية الأمريكية ريانا بالتغريد على صفحتها بخصوص فظائع الحرب، لكنها اضطرت لمسح تغريدتها بعد ثماني دقائق فقط من نشرها، دون أن تكترث هوليوود لوصفها بأنها لا تؤمن بالرأي والرأي الآخر.
فلهوليود خطوط حمراء تتدخل الرقابة القبلية لفرض احترامها، وعلى رأسها الكيان الصهيوني واليهود، إضافة إلى الحظر الكامل لكل ما يتعلق بالتاريخ الأسود للعبودية، وتهجير المواطنين الأصليين، والجيش الأمريكي، ومن خالف عوقب بالطرد من هوليود وحرم من الدعم المالي والإعلامي.
ولنمض الآن إلى فن آخر من فنون التعبير عن الرأي وممارسة الحرية في الرأي، والمتعلق بحق النشر والتأليف، فعندما حاول العسكري الأمريكي السابق «جيمي ماسي» بأمريكا بلد الديمقراطية والليبرالية، نشر كتابه «اقتل، اقتل، اقتل» الذي بث فيه مذكراته عن حرب العراق، لم يتمكن من نشرها في بلد الحريات، واضطر إلى نشره بفرنسا وباللغة الفرنسية بالتعاون مع الصحفية الفرنسية «ناتاشا سولنييه».
قال هذا الجندي في بعض لقاءاته الصحفية إن «الهمجية التي عومل بها الشعب العراقي في بداية الغزو كانت السبب في الهجمات اليومية التي تستهدف القوات الأمريكية»، وأكد أنه نشر كتابه بفرنسا وباللغة الفرنسية: «لأني لم أجد أي ناشر أمريكي لكتابي». حسب قوله.
فماذا يعني هذا غير الرقابة ثم الرقابة ثم الرقابة؟
لكن الحرية في التعبير والإبداع لا يتقنها العلمانيون عندنا إلا في محاربة الإسلام والإسلاميين والدين ومظاهره كالنقاب واللحية وصلاة التراويح وعيد الأضحى، والدعاية لممارسة الزنا والشذوذ والدعوة إلى شرب الخمور والرقص الماجن، بدعوى أن الإسلام كما يفهمه الإسلاميون والملتحون والمنقبات يشكل خطرا عل الحريات الفردية وعلى الفن والإبداع، مرددين بشكل ببغائي عبارات اللمز والغمز.
العلمانيون ينتفخون غيظا، كلما أحسوا بأن المغاربة يقفون أمام حملاتهم التغريبية، لأنهم يوقنون أن الهوية الإسلامية للمغرب والمغاربة ستستمر في استعادة مكانتها في تأطير سلوكيات الأفراد والحيلولة دون انسياقهم في مزالق العبثية التي يزينها الإعلام العلماني.
الغرب تخلى كدولة عن الدين وما يتفرع عنه من قيم وأخلاق، ولم يعد له حدود سوى ما تعلق بالقوانين التي يسنها البشر، وجعل مسألة الإيمان بالله مسألة فردية لا دخل للدولة بها، لهذا نرى مجتمعاته تطورت نحو تشريع زواج الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة، وأعطى الحرية للناس ليرتدوا إلى الوثنية، فمنهم من يعبد الشيطان، ومنهم من يعبد بوذا، ومنهم من لا يؤمن بوجود الإله أصلا، فطبيعي والحالة هذه أن نرى من يستهين بالدين ويرى في مثل الفيلم موضوع النقاش إبداعا وفنا.
علمانيو المغرب المنبهرون بكل ما هو غربي، يمتنعون من مواجهة الحقيقة وهي أن المغاربة مسلمون موحدون مهما فشت فيهم مظاهر البعد عن التدين، ويرفضون أي مساس بالله سبحانه أو برسله عليهم السلام أو بدين الإسلام.
والحمد الله هذه المرة كفانا الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى محمد يسف مؤونة نقد المؤسسات الدينية، عندما أكد في حديث ليومية «التجديد»، على ضرورة احترام المسلمين وديانتهم، وأنه ينبغي احترام مقام الأنبياء والرسل، وقال عن موضوع «تجسيد الذات الإلهية» أن الأمر بالنسبة للمسلمين محسوم فيه ولا ينبغي حتى مجرد الخوض فيه. وبخصوص قضية منع الفيلم، قال: «مثل هذه الأعمال لا يمكن أن تكون في بلاد فيها أمير المؤمنين، مؤكدا على أن حماية المقدسات تتولاها إمارة المؤمنين وأنها الحامية للملة والدين».
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.