دبي تحتفل بشاشة برج خليفة الأكبر في العالم وهي المدينة التي لا صرف صحي فيها
هوية بريس – منى حوا
الخميس 01 يناير 2015
قبل دقائق دخلت دبي من جديد موسوعة جينيس، وتذكرة المرور هذه المرة شاشة برج خليفة “الأكبر في العالم”، ومازلت في انبهار من المنبهرين، أي عقل هذا الذي يشدّ الرحال لمشاهدة عروض لألعاب نارية وأضواء تشتعل وتنطفئ بمليارات الدولار لتحطيم رقم قياسي؟ ما المبهر في أن أشاهد 70 ألف لوح ضوئي LED متراقص على برج في مدينة لا صرف صحي فيها؟
تخيل أن أكثر من 35 ألف قاطن في هذا البرج ينتجون يوميًا ما مقداره 15 طن من مياه الصرف الصحي في اليوم الواحد ويتم نقل قاذوراتهم عبر شاحنات دورية كل 24 ساعة لعدم وجود شبكة صرف صحي هناك؟
تخيّل أكثر أن هذا البرج الكرتوني يعرض في هذه اللحظات على واجهاته تاريخ ومنجزات “دولة الإمارات العربية”؟
دبي التي تشكّل ذاتها من هوية مستعارة وصورة مستلبة على نمط رأسمالي يمثل حالة تجارية مستهلكة لاقتصاد السوق، مدينة نمت وكبرت عبر سحق الآلاف من العمال المقهورين، أما مجتمعها.. فثقافته مستعارة ويخضع الذوق العام فيها لمعايير الشارع، ولك أن تنظر لعماراتها الشاهقة وهي نسخة عن ما لدى الغرب من عشرات السنين، ولك أن تنظر إلى لباس سكانها ستجده نسخة رخيصة من ملابس “المول” العالمي الكبير، وإن سألت عن معالمها أو عن أي مكان يذهب قطعان المنبهرين هناك، سيخبرك أحدهم إلى مسجد زايد مثلًا، ستتفاجأ أنه هو الآخر تحوّل إلى “لوكشين” لالتقاط صور عارضات الأزياء بل ومنارة حقيقية لكل الفنانين العالميين بمختلف معتقداتهم الدينية، بل ومجالا جاذبا لإسدال العبايات السوداء على أكتاف عارية لمغنيات البوب أو براقع الغنج لراقصات الراب، مدينة مسخ خالية من أي روح، وربما هي الانعكاس الحقيقي للإنسان العربي التائه وانفصامه الشديد، من المؤسف حقًا كيف أصبحت هذه المدينة البشعة وغرقها بالمادية والعولمة أشهر المدن العربية على الإطلاق ومحط أنظار الجميع في بداية كل عام.
مدينة طارئة.. لا حاضر ولا ماضي.. تحاول جاهدة قتل كل حقيقة فيها لتنغمس في المتشابه والمتشابه الممل في عالم رمادي لا لغة ولا شكل ولا هوية ولا طابع له.. وماذا لو كتبت رواية حول دبي؟ عن ماذا ستتحدث؟ وما النصّ الأدبي الذي يمكن أن يتماشى مع هذه المدينة المسخ بكل ما فيها؟
تصفّح رائعة أمين معلوف (ليون الإفريقي) مثلًا، ابحث في سطور رحلة الوزّان، من غرناطة حتى فاس إلى القاهرة ونابولي وروما ،تفاصيل تبوح بالحقيقة، رسم الكلمات، وصف الحارات، .. الأزقة والجدران والبيوت والقصور والجسور، صروح عمرانية تبعث في نفسك الرهبة حتى لو كانت بسيطة في مبناها، عمارة قادرة على جعلك تخر خاشعا من جمال الله والإنسان المنفوخ فيه من روحه، عمارة ممتدة على خارطتنا العربية تعكس ارتقاء الإنسان وإبداع فكره وتجلياته الإنسانية.. قصور تحولت لدواوين شعرية، ومساجد تدفعك للبكاء والصمت في حضرة الجلال حتى لو كنت ملحدًا، .. أما دبي الإسمنتية، فماذا ستعكس إلا بؤس السوق، سوق تافه لا أقل ولا أكثر.