قراءة في كتاب: «وكلَّ بدعة ضلالة» (ج1)
أبو معاوية طيب العزاوي
هوية بريس – السبت 10 يناير 2015
– العنوان: وكلَّ بدعة ضلالة (الجزء الأول).
– المؤلف: الشيخ محمد المنتصر الرِّيسوني رحمه الله (ت 1421هـ) من علماء تطوان.
– الأجزاء: مجلد في ست وسبعين وثلاثمائة (376) صفحة، أورد فيه المؤلف رحمه الله مجموعةً من البدع على ثلاثة محاور؛ فبدأ ببدع العقائد ثم بدع العبادات ثم بدع العادات، وكانت كل مجموعة في جزء منفصل، فجُمعت في هذا المجلد. وقد حقق الكتابَ عبدُالرحمن بن أحمد الجميزي، وقدّم له كل من الدكتور عبد الرحمن الصالح محمود والدكتور حسن بن عبد الكريم الوراكلي. وهاك تفصيل محتوياته بإيجاز:
– مقدمات الدكاترة والمحقق: وكلها إشادة وثناء على المؤلِّف والمؤلَّف، وشهادة للمؤلف بسعة علمه وعلو كعبه وعمق اطلاعه.
– مقدمة المؤلف: بين فيها رحمه الله منهجه وطريقته في هذا الكتاب -أو الدراسة كما يسميها- فقال رحمه الله: «وقد ترسمت فيها منهجية تتلخص في التركيز على البدعة وذكر مصدرها إن أمكن، والتحذير من مغبتها، ثم بيان حكم الشرع فيها بتقديم الدليل الصحيح من السنة يفضحها ويردُّ ما يؤيدها من نصوص ضعيفة أو موضوعة بطريقة النقد الحديثي المتفق عليه لدى أصحاب هذا الشأن، وقد نؤيد ذلك بأدلة من أصول الفقه دون الخوض في التفصيلات والأحكام الفقهية وتفريعاتها… -إلى أن قال- بذلك يكون القارئ قد ألمَّ إلمامة جد مفيدة بكل ما يتصل بالبدعة من قريب أو بعيد، ويلمّ بما جنته ضلالتها على عقائد الإسلام، ويصحح الغافل عقيدته أولا، إذ العقيدة هي الأساس، ويقتنع بأن الشر كل الشر في الابتداع، وأن الخير كل الخير في الاتباع، وكيف لا يقتنع والكتاب العزيز يقطع به قائلا :{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (آل عمران:31)» اهـ.
– تمهيد: وقد عرَّف فيه السنة لغة واصطلاحاً، ومدلول البدعة وظهورها وتقسيمها. ومما جاء فيه:
– السنة لغة: وهي الطريقة والسيرة، سواء أكانت حميدة أم ذميمة. واصطلاحا: هي ما بيّن به رسول الله عليه الصلاة والسلام كتابَ الله تعالى قولا وفعلا وتقريرا وتركاً كذلك.
– البدعة لغة: بدع الشيء يَبدَعه بَدْعاً، وابتدعه: أنشأه وبدأه، والبدعة: الحدث. واصطلاحا: طريقة في الدِّين مخترعة تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية.
– ظهور البدعة: وهو سرد تاريخي منذ أول إرهاص بظهور البدعة المتمثل في محادّة ذي الخويصرة لرسول الله عليه الصلاة والسلام إلى زماننا هذا، مع التذكير والتأكيد على إسهام الحركة الصوفية في دفع ركب الابتداع إلى الأمام، ونشر الضلالات على مختلف الأشكال والألوان إسهاما فعالا، يقول الشيخ: «وبرزت هذه الحركة في صورة «الطرقية» المنتشرة في العالم الإسلامي اليوم».
– عوامل نشوء البدعة: وقد حصرها الشيخ رحمه الله -مع شيء من التوضيح- فيما يلي: الجهل بالدِّين، الانقياد لأهواء النفس، سكوت العلماء عن البدعة، ممارسة العلماء للبدعة، تبنِّي الحكام للبدع، الانقياد لغير صاحب الشرع.
– تقسيم البدعة: وملخصه أن البدعة تنقسم باعتبارات مختلفة، وهي كالتالي:
1- تنقسم البدعة من حيث علاقتُها بالعبادة أو العادة إلى قسمين:
أ- العبادية: وهي ما يقصد بها التقرب إلى الله، مثل الصلاة والصيام والذكر.
ب- العادية: وهي ما يكون بين الناس من مصالح دنيوية مثل تنظيم شؤون الزراعة والصناعة والتجارة وغيرها.
2- وتنقسم من حيث علاقتها بالاعتقاد والقول والعمل إلى ثلاثة أقسام:
أ- الاعتقادية: وهي التي تكون اعتقادا في الشيء على خلاف ما ورد عن الشرع مثل بدع الفرق.
ب- القولية: وهي التي تكون بتغير ما ورد عن الشرع من الأقوال، أو تكون قولا مخالفاً له، وذلك مثل ما تزعمه الفِرَقُ من الأقوال، وما يزعمه كل مبتدع من الصوفية وغيرهم.
ج- العملية: وهي التي تكون عملاً ظاهرا مخالفاً لما ورد عن الشرع كصلاة مبتدعة، وقد تكون عملاً باطنياً كمعاملة المؤمنين بما يناقض ما يفرضه مبدأ الإيمان من حب وود.
3- وتنقسم من حيث آثارها إلى قسمين:
أ- الكلية: وهي التي تحتوي كثيرا من الجزئيات مثل إنكار العمل بالسنة والدعوة إلى الاقتصار على القرآن الكريم.
ب- الجزئية: وهي التي لا تشتمل على أمور كثيرة مثل القراءة الجماعية للقرآن الكريم.
4- وتنقسم من حيث الفعل والترك إلى قسمين:
أ- الفعلية: وهي فعل ما لم يأذن به الشرع الحكيم.
ب- التركية: وهي ترك ما أذن به الشرع، كأن يحرم الإنسان على نفسه ما أحل الله من المباحات.
5- وتنقسم من حيث عدم علاقتها بالدليل الشرعي أو من حيث علاقتها به إلى قسمين:
أ- الحقيقية: وهي التي لم ينص عليها دليل شرعي.
ب- الإضافية: وهي التي لها شائبتان؛ إحداهما: تستند إلى دليل، فهي ليست بدعة، والأخرى: لا تستند إلى دليل، فهي لذلك بدعة. وأطلق عليها إضافية لكونها لم تبد على صورة واحدة في المخالفة أو الموافقة.
وضرب الشيخ رحمه الله أمثلة على ذلك بصلاة الرغائب وقراءة القرآن جماعة ورفع الصوت بالذكر في الجنائز. يقول الشيخ رحمه الله: «مهما تكن الحال فملخص ما سبق أن المبتدع بدعة إضافية يتقرب إلى الله بما هو مشروع وبما هو غير مشروع في وقت واحد، والصواب هو التقرب إليه بما شرع، أما خلط هذا بذاك فلا يجوز».
– تقسيم للبدعة غير سليم: ومما جاء في هذا المبحث قول الشيخ رحمه الله: «ليس هناك إلا بدعة واحدة هي البدعة المذمومة، ومن قال بعكس ذلك كالإمام العز بن عبدالسلام وتبعه في ذلك القرافي فإنما يقصد البدعة اللغوية، وذلك عندما قسمها إلى خمسة أقسام: واجبة كجمع المصحف، ومحرمة وهي البدعة الحقيقية، ومندوبة وهي التي تدخل في إطار قواعد الندب كصلاة التراويح جماعة، ومكروهة وهي التي تدخل في إطار الكراهة كالزيادة في المندوبات التي حددها الشرع مثل الزيادة على عدد التسبيح والتحميد والتكبير بعد الصلاة، بدون طبعا أن يكون القصد معاندة الشارع». قلت: والقسم الخامس: المباحة.
وقال رحمه الله: «ومما يجب التنبيه عليه أن البدعة الشرعية لا يمكن بحال من الأحوال أن تقبل هذا التقسيم، لكون البدعة لا تكون إلا مذمومة، ولو كانت حسنة لألحقت بقسم المباح وما كان هناك من حاجة إلى إطلاق هذا الاسم عليه، وليس أدل على ذلك من أنه لم يرد على لسان الشرع لفظ البدعة إلا على سبيل الذم، وقد سبق حديث: «كل بدعة ضلالة»، ولم يبق إذا إلا البدعة اللغوية لا الشرعية، والأجدر العدول في هذا المجال حتى عن اللغوية كي لا يختلط هذا بذاك، وقد اختلط فعلا على الناس، فأصبحوا لا يميزون بين البدعة الشرعية والبدعة اللغوية، وجرّ ذلك الوبال على أوامر الشرع في العبادات والمعاملات». قلت: ويحسن هنا نقل كلام الشيخ رحمه الله على حديث «وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» قال رحمه الله: «ولا يخفى أن «كل» من ألفاظ العموم تستغرق جميع الأفراد كما هو مقرر لدى الأصوليين، ولهذا لا يمكن تحسين الشيء أو تقبيحه، لأن ذلك من الشرع، ويسد هذا الباب الحديث الذي رواه الشيخان -وهو عند العلماء من قواعد الدين-: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد»، فكل ما لم يرد في الشرع مردود، فلا تقبيح ولا تحسين، ومن قال باستحسان البدعة كالإمام ابن عبد السلام فإنما يقصد البدعة اللغوية كما قال عمر بن الخطاب عن صلاة التراويح: «نعمت البدعة هذه» بعد أن أقرها ووافقه على ذلك الصحابة، وتعني العبارة: «نعم الأمر المحدث هذا» بعد أن تركه رسول الله عليه الصلاة والسلام خوف فرضه». اهـ
– البدعة أعظم من المعصية: بيَّن الشيخ رحمه الله أن البدعة تختلف عن المعصية في كونها مخالفة لما شرع الله بإيعاز من هوى النفس اعتقادا أن هذا هو الصواب، على حين المعصية مخالفة كذلك، لكنها لا تنطوي على ذلك الاعتقاد.
يقول الشيخ رحمه الله: «كيفما كانت الحال فإن صاحب البدعة يعتقد أنه على صواب، ويصر على بدعته فيموت على ذلك والعياذ بالله، إذا لم تتداركه العناية الإلهية بالهداية. وأما صاحب المعصية فهو عارف بمخالفته، ومعترف بإثمه ويتطلع بين الحين والآخر إلى التوبة. فالمبتدع معاند للشرع والعاصي غير معاند، لذلك فهو يزداد من الله تعالى بعدا، لكون البدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وقد حذر الله تعالى من ذلك في قوله: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النور:63).
حقاً -يقول الشيخ- إنه يجب الحذر من المخالفة عن أمر الشرع في كل شيء وإلا فلننتظر فتنة لا ندري مداها، ولننتظر عذابا أليما جزاء الابتداع، فالخير في الاتباع والشر في الابتداع، لأنه مصدر الفرقة في الأمة وعلة تشتتها، وذاك أمر حتمي، لكون كل مبتدع ينقاد في ابتداعه لهواه».
ويمكن إيجاز البدعة الضالة التي نصَّ عليها الشارع -كما ذكر الشيخ- فيما يلي:
1- ما عارض السنّة قولا أو فعلا أو عقيدة.
2- ما نهى الله تعالى عنه ويتقرب به إليه الإنسان.
3- كل ما لا يمكن أن يشرع إلا بنص أو توقيف ولا نص عليه.
4- ما أدخل في العبادة من عادات الكفار وتقاليدهم.
5- ما استحسنه بعض العلماء من المتأخرين على الخصوص ولا دليل لهم عليه.
6- كل عبادة ترتكز على حديث ضعيف أو موضوع.
7- الغلو في العبادة على الحد الذي رسم الشارع.
8- عبادة قررها الشرع فوضع لها الناس قيوداً خاصة؛ تتبع المكان أو الزمان، أو قيّدوها بصفة أو عدد ما.
يتبع بإذن الله..