الانحرافات السلوكية للمنظومة التعليمية بالمغرب؛ إلى أين؟
عزيز سعيدي*
هوية بريس – الإثنين 12 يناير 2015
ماذا يحدث للمنظومة التعليمية بالمغرب؟ ما هذا الانزلاق الأخلاقي والقيمي الذي يضرب الجسم التعليمي ببلادنا؟ ولماذا العنف واللجوء لمصطلحات سوقية ورديئة في تربية وتعليم أبناء المغاربة؟ وهل نحن إزاء منعطف خطير يتهدد الأجيال المستقبلية التي ستشكل العمود الفقري لمغرب الغد؟
موضوع واقع التعليم بالمغرب ليس جديدا وإنما قديم متجدد بشكل دائم مادامت أحواله لم تتغير ولم تتحسن إلى ما نصبو إليه وهو أيضا يثقل كاهل الدولة بمصاريفه وضعف نتائجه التي تظهر جليا في التقارير الدولية التي يتذيل فيها المغرب تصنيفات هذه التقارير.
في هذا السياق، أصبح العالم الافتراضي مؤخرا ساحة يُنشر فيها غسيل تعليمنا الرديء ويظهر بين الفينة والأخرى المستوى المتدني الذي تعرفه كل مكونات الجسم التربوي ببلادنا.
فأصبحنا نقرأ عن احتجاجات هنا وهناك ردا على الأوضاع السيئة التي يتخبط بها التعليم وكذا انعدام الشفافية والمصداقية في التعامل مع كل التلاميذ والطلبة، ونرى كذلك رجال تعليم يصورون تلامذتهم بهواتفهن المحمولة دون أدنى احترام لخصوصية طفولتهم ولما يفرضه الاحترام الواجب لهؤلاء الأطفال.
ورأينا رجال تعليم يستهزؤون من تلامذتهم ويستغلون براءتهم للسخرية من مستواهم الضعيف الذي لا يتحملون فيه أي مسؤولية وإنما المسؤولية العظمى يتحملها من كان يُنظِّر ويُجرب في أبناء هذا الوطن العزيز كل النظريات حتى وإن كانت مستوردة لا تتوافق والطبيعة والبيئة السوسيولوجية للمغرب.
ورأينا كذلك أساتذة يستغلون الأطفال لتصفية حساباتهم الوسخة وصراعاتهم التي تُغذيها تضارب مصالحهم ومآربهم الشخصية على حساب ما يُنتظر منهم وما يفرضه عليهم نبل وعظمة مهنتهم التي قيل عنها ذات يوم أن من يمتهنها كاد أن يكون رسولا.
الحديث عن التعليم في المغرب لا يجوز معه تعميم حكمنا على كل رجال التعليم لأن فيهم من يشتغل وفقا لما تُحتمه مهنتهم النبيلة ويعتبرون أبناء المغاربة أبنائهم ويُراعون لانتظارات أولياء أمرهم ويعملون بجد وبمثابرة قصد تبليغ رسالتهم النبيلة رغم ضعف الوسائل وقساوة الظروف التي يشتغلون بها.
والحديث هنا يقتصر فقط عن أولئك الذين يستغلون سلطتهم في القسم لينتقموا لأنانيتهم وأحلامهم التي تشتت بعدما اختاروا التعليم كسبيل لكسب رزقهم على حساب براءة أطفال ذنبهم الوحيد أنهم اختار آباؤهم التعليم العمومي للدراسة والتعلم ليس لأن جودته أعلى وتناسب تطلعاتهم ولكن لأن أحوالهم لا تسمح لهم بتسجيل فلذات كبدهم في المدارس الخصوصية التي يُسَوق على أن مستوى التعليم فيها أجود، والجميع يعمل من أجل تعليم أفضل حتى يهجر الجميع إلى فصولها وتستفيد من المستوى الرديء والهجمة الشرسة التي يتعرض لها التعليم العمومي وتنخر جيوب فئة لا بأس بها من المغاربة في أمل تعليم جيد وأنجع.
أن يمارس العنف بكل أنواعه في مدارسنا بدون أن تراعى براءة الأطفال والتلاميذ وحاجتهم لمن يكون قدوتهم في محاسن الأخلاق، ويكون الأب والأخ الذي يأمر في وقت الصرامة وينهى عندما يلاحظ انحرافا من قبلهم، فهذا يشكل ضربة موجعة لكل السياسات التعليمية التي تغفل في جانب كبير منها دور الموارد البشرية في إنجاح أو إفشال كل السياسات مهما كانت دقة ونجاعة الأهداف والوسائل التي وضعت لإنجاحها.
فبالإضافة إلى الاكتظاظ وتكدس التلاميذ في أقسام تبدو في كثير من الأحيان متهالكة ومتسخة وغير مهيكلة لا يمكن أن تساعد على تقديم برنامج تعليمي في المستوى كما يراد له، يمكن الحديث عن الارتجالية التي تعرفها جل البرامج، وكذا المحسوبية والزبونية التي تطغى على ولوج التلاميذ والطلبة للمدارس العليا والجامعات ومؤسسات التكوين وكذا دور الإيواء، وهو وضع يعكس في تجلياته منطق مسؤولينا شبه المنعزل عن الواقع الصعب والهش للبنية التعليمية المغربية والذي يكرس الهوة الشاسعة بين ما هو عليه الواقع المعيش وما يتم إعداده من برامج وسياسات من أجل الرقي بمستوى التعليم ببلادنا.
وبعيدا عن هفوة التعميم والخلط بين الصالح والطالح والزج بجميع رجال ونساء التعليم في الخانة السوداء التي لا تُقدر المسؤولية النبيلة الملقاة على عاتقها فالبعض ممن ينتسبون لهذا الجسم يتخذون مهنتهم مطية لإفراغ مكبوتاتهم وممارسة شذوذهم وتجريب ساديتهم في الأقسام وحجرات الدرس على أطفال وتلاميذ لا ذنب لهم في فساد وفشل نظامنا التعليمي.
لا يختلف اثنان في كون انحرافات نظامنا التربوي والتعليمي مؤشر خطير على سوء الأوضاع والأحوال التي تزكي وتجسد بشكل مطلق دونية المراتب التي تحتلها بلادنا في مؤشرات المنظمات الدولية المرتبطة بالتعليم، وتجعلنا نتساءل عن الوصفة التي ستمكن نظامنا التعليمي من الارتقاء إلى مستويات تليق ببلد يسعى إلى أن يكون من بين الدول الصاعدة في العالم كهدف وضعه له ملك البلاد.
أن ينخرط الجميع بما فيهم رجال ونساء المنظومة التعليمية وفعاليات المجتمع المدني بشكل فعال ومسؤول في إنجاح البرامج التعليمية التي يجب بدورها أن تراعي خصوصيات كل منطقة على حدة وتضع في الحسبان ظروف اشتغال رجال ونساء التعليم وضعف الوسائل والتجهيزات التي تتوفر عليها البنيات التعليمية بمختلف جهات المملكة وتحيين هذه البرامج لمسايرة تطور العصر، نقاط من بين أخرى ستسهم لا محالة وبشكل فعال في المرور بسفينة التعليم ببلادنا إلى بر الأمان وتحسين صورته لدى المؤسسات الدولية التي لا تتوقف عن تذكيرنا بشكل دوري بما يجب علينا فعله بإملاءات قد لا تتناسب في غالبيتها مع بيئتنا المجتمعية وهويتنا وظروفنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
* خريج المدرسة الوطنية للادارة وباحث في الفانون الدستوري والعلوم السياسية.