موسم سيدي علي بن حمدوش.. مظاهر شركية؛ دعارة؛ لواط؛ خمور؛ قمار؛ سرقة..
محمد القريفي
هوية بريس – الثلاثاء 13 يناير 2015
وجهتي هذه المرة كانت موسم سيدي علي بن حمدوش، الذي يقام بالجماعة القروية بعمالة الغماصين مكناس (الوسط الشمالي بالمغرب) على بعد 20 كلم من المدينة.
وقبل أن أشق طريقي راودتني جملة من التساؤلات عن نوعية الطقوس الخرافية والشركية التي تمارس فيه، وكعادتي في مثل هذه التحقيقات، أحاول أن أختزل ولو صورة مصغرة في ذهني عن الموضوع الذي أود البحث عنه قبل أن أذهب إلى عين المكان، من أجل ذلك ولجت عالم الانترنيت، لعلي أجد مفتاح الخيط الذي يدلني على بغيتي، وما إن كتبت اسم الضريح حتى علمت أن موسمه صار مناسبة لاجتماع الشواذ في غمرة الخرافة والتعلق بغير الله.
استقيت السيارة بمعية صديق لي، فتوجهنا نحو المدينة الإسماعيلية، وعند وصولنا استفسرنا أحد أبناء المدينة عن ضالتنا، ونظرا لشهرة الضريح لم نجد صعوبة كبيرة في التعرف على الطريق المؤدية إليه، فكل من سألناه عن الوجهة التي نريد، يرشدنا إلى الهدف الذي نبحث عنه بدون أدنى مشقة.
محاولة اختراق الشواذ جنسيا لموسم علي بن حمدوش رغم الإجراءات الأمنية المكثفة
عندما تقترب من الموسم، تواجهك مجموعات من رجال الأمن، حيث نصب رجال الدرك حوالي ستة حواجز أمنية على طول الطريق المؤدية إلى ضريح سيدي علي بن حمدوش، للحيلولة دون تسلل الشواذ إلى موسم هذا الولي، لسابق علم أجهزة الأمن أنه أصبح ملتقى هذه الشريحة المريضة أخلاقيا.
وفي الحاجز السادس، يتم توقيف جميع السيارات والحافلات للتأكد من هوية الزوار، والتمعن في وجوههم. وهذا الإجراء لم نسلم منه نحن بدورنا، فبعدما طلب منا أحد رجال الدرك الملكي أوراق السيارة، سرعان ما تراجع عن ذلك، بعد إطلالة داخل السيارة كانت كافية للتأمل في ملامحنا.
وصلنا إلى عين المكان حوالي الساعة 11 صباحا، وركنّا السيارة في موقف السيارات، وقد أثار انتباهي أطفال في سن التمدرس يتجولون في الطرقات، علمت فيما بعد أنها المدرسة الابتدائية الوحيدة بجماعة الغماصين القروية التي يقام الموسم على ترابها، لم تجد إدارة الدرك غيرها لإقامة مكتب لها يتابع تطور الوضع الأمني بالموسم، وفيها نصبت خياما لإقامة رجال الدرك ومعهم رجال القوات المساعدة.
وبالرغم من هذه الإجراءات الأمنية غير المسبوقة، فقد تقاطر عدد من الشواذ إلى الموسم، ووصل عدد المعتقلين على خلفية شبهة الشذوذ إلى حدود 30 شخصا، تم الاحتفاظ بهم رهن الاعتقال، في انتظار إنجاز محاضر لهم وتقديمهم إلى النيابة العامة بتهمة الشذوذ الجنسي والإخلال بالآداب العامة.
مشاهداتي في ضريح سيدي علي بن حمدوش
أول منظر يثير انتباه الزائر تواجد قطعان هنا وهناك من الماعز والنعاج الهرمة التي تثير الشفقة والرحمة، من شدة هزالها وضعفها، حتى يخيل إليك أن هذه الأغنام توشك على الاحتضار والموت، وبجانب الماعز والنعاج توجد أقفاص الدجاج والديكة يغلب عليها اللون الأسود والأحمر، وغلب على ظني أنها ستذبح لغير الله كما علمتني تجربتي في الأضرحة التي زرتها، وعندما استفسرنا أحد الزائرين من أبناء المنطقة عن الغرض من بيع هذه الحيوانات، أجابنا على التو بأنها تقدم قرابين للالة عيشة مولة المرجة، وسيأتي الحديث عنها في الحلقة الموالية.
لكي تصل إلى ضريح سيدي علي بن حمدوش، لا بد أن تجتاز في طريقك، جملة من الدكاكين التي خصصت لبيع كل أصناف الأعشاب والشموع والحناء وماء الزهر وجلود بعض الزواحف (القنفذ، الثعلب، الضربان، الحرباء..)، كما تنتشر بالسويقة المؤدية للضريح أعداد كبيرة من الباعة المتجولين بعضهم يعرض كما يسمونه “باروك” سيدي علي بن حمدوش وهو عبارة عن أشياء بسيطة جدا (عقيق أو مفاتيح..).
وعند اقترابك من مدخل الضريح تصادف طابورا من المتسولين يجلسون جنبا إلى جنب ينتظرون مساعدات الزوار، وبعيدا عن الضريح الذي يتكون من بهو كبير.. زينت جدرانه بآيات قرآنية تنسف الفكر القبوري وتفضحه وهو أمر يدعو للتعجب والاستغراب.
عدد غفير من النساء من مختلف الأعمار ومن جميع جهات المملكة (الناضور، العيون، أكادير، فاس، مكناس) يتحلقن حول الضريح للتبرك بكرامات وبركات الولي الصالح من أجل “قضاء الحاجة” وتلبية الطلبات مقابل قربان يقدم في شكل هدية للولي، تختلف هذه الهدية باختلاف الفوارق الطبقية حيث يكتفي الضعفاء بقرطاس الشمع.
وبين الفينة والأخرى تسمع دعاء مقدم الضريح عبد الله ورفيقه عبد الحي مع كل زائر من زوار ضريح سيدي علي بن حمدوش، بعدما يقدم لهما شيئا من المال مقابل ذلك.
رأيت شابا في مقتبل العمر أخذ يطوف بالضريح في الوقت الذي كانت والدته تحمل في يدها قارورة من ماء الزهر وترش بها قبر الضريح، وعندما سألناه عن السر في ذلك قال: “أنا اسمي رشيد عمري 45 سنة من نواحي مدينة سيدي قاسم، تنطلب من الله تعالى باش ينفعنا ببركة سيدي علي بن حمدوش، عندما أكون في شمال المغرب حيث أعمل هنالك في إحدى الشركات، ويحين موعد الموسم، يقف علي في المنام ويقول لي أنا سيدي علي بن حمدوش خصك تجي لعندي باش نشافيك من مرض الصرع، وفعلا ألبي النداء في أسرع وقت ممكن”.
وهذه حكاية واحد من زوار الموسم الذين يعيشون رهائن الدجل والشعوذة والخوف من الجن والخرافات، ولا يتمسك بشرع الله الذي حذر من كل صور الشرك صغيره وكبيره، قال الله سبحانه وتعالى: “وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً” الجن، أي لما تخلف التعلق بالله عز وجل استعظم الخوف من المخلوقات في قلوب الذين أشركوا..
وحكايات زوار سيدي علي بن حمدوش كثيرة لا تنتهي، منها أن سيدة أتت إلى الضريح، وشرعت في البكاء في حالة هستيرية، بعدما استلمت الأركان الأربعة للضريح، ورفعت يدها بدعاء المقبور في ذل وخضوع وانكسار..
هذا الخضوع ربما تخلف عند كثير من الناس خصوصا من يؤمنون بالخرافات ويقومون بمثل هذه الشركيات وهم يقفون في الصلاة بين يدي الله عز وجل القائل سبحانه: “فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ” آل عمران..
عدد من الزوار، يقولون أنهم لا يعتقدون الفكر القبوري في قرارة أنفسهم، وإنما الدافع من وراء زيارة هذا الفضاء الخرافي الشركي مجرد حب الفضول ليس إلا، امرأة من الناضور 37 سنة تؤكد قائلة: “جئت لأول مرة هنا، وهدفي من هذه الزيارة هو رؤية الناس التي تمارس طقوس غريبة أنا في الأصل غير مقتنعة بها”.
وحسب تصريح لأربعة شبان يقطنون في مدينة مكناس، من بينهم تلاميذ لا يزالون يتابعون دراستهم الثانوية، فإنهم يحرصون على زيارة موسم سيدي علي بن حمدوش كل سنة بحثا عن التسلية والترويح.
حقائق تاريخية عن سيدي علي بن حمدوش
تذكر المصادر التاريخية أن الولي الصالح علي بن حمدوش سليل الشرفاء لمغاريين، هو علي بن محمد المدعو حمدوش بن عمران الشريف العلمي العروسي، أحد كبار مشايخ أهل الجذب بالمغرب، أخذ عن الولي الصالح محمد الملقب بالحفيان، عن والده الولي الشهير محمد فتحا المدعو بأبي عبيد الشرقي دفين أبي الجعد.
وتوجد زاويته ومدفنه ببني راشد بين جبال زرهون على بعد عشرين كيلومتر من مدينة مكناس، عاش في القرن السابع عشر من الميلاد وبالضبط في عهد السلطان مولاي إسماعيل.
له تلامذة كثيرون من أشهرهم محمد بن يوسف الحمدوشي، وأحمد الدغوغي الذي بني على قبره ضريح يبعد عن ضريح سيدي علي بن حمدوش بحوالي خمسة إلى ستة كيلومترات، وأبو علي الحسن بن مبارك، وسيدي قاسم أوقار، وغيرهم، وتوفي بجبل زرهون عام 1135هـ.
السلطان المولى سليمان يصدر مرسوما يبطل فيه المواسم ويمنع من إقامتها
ومما يحسن إيراده في هذا المقام، ما أكده السلطان المولى سليمان لما أصدر ذلك المرسوم التاريخي الذي يقول فيه: “ولهذا نرثي لغفلتكم أو عدم إحساسكم، ونغار من استيلاء الشيطان بالبدع على أنواعكم وأجناسكم، فألقوا لأمر الله آذانكم، وأيقظوا من نوم الغفلة أجفانكم، وطهروا من دنس البدع إيمانكم، وأخلصوا لله إسراركم وإعلانكم.
واعلموا أن الله بمحض فضله أوضح لكم طرق السنة لتسلكوها، وصرح بذم اللهو والشهوات لتملكوها، وكلفكم لينظر عملكم، فاسمعوا قوله في ذلك وأطيعوه، واعرفوا فضله عليكم وعوه، واتركوا عنكم بدع المواسم التي أنتم بها متلبسون، والبدع التي يزينها أهل الأهواء ويلبسون، وافترقوا أوازعا، وانتزعوا الأديان انتزاعا، بما هو صراح كتابا وسنة وإجماعا، وتسموا فقراء، وأحدثوا في دين الله ما استوجبوا سقرا، “قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً“.
وكل ذلك بدعة شنيعة وفعلة فضيعة، وشيمة وضيعة، وسنة مخالفة لأحكام الشريعة، وتلبس وضلال، وتدليس شيطاني وخبال، زينه الشيطان لأوليائه فوقتوا له أوقاتا، وأنفقوا في سبيل الطاغوت في ذلك دراهم وأقواتا، وتصدى له أهل البدع من (عيساوة وجلالة) وغيرهم من ذوي البدع والضلالة، والحماقة والجهالة، وصاروا يرتقبون للهوهم الساعات، وتتزاحم على حبال الشيطان وعصيه منهم الجماعات.
وكل ذلك حرام ممنوع، الإنفاق فيه إنفاق في غير مشروع..”.
طقوس شركية تمارس في فضاء “لالة عائشة” مولة المرجة بموسم “سيدي علي بن حمدوش”
بداية ينبغي أن نلفت انتباه القارئ الكريم، أن إجراء تحقيق عن موسم “سيدي علي بن حمدوش” وما يصاحبه من طقوس خرافية شركية ليس بالأمر الهين، أما أن تلتقط صورا فهذا يعد من رابع المستحيلات، حتى إنني ومرافقي تفاجأنا على غير عادة الأضرحة التي قمت بزيارتها بوجود حراس خاصين يلبسون لباسا مميزا كتبت عليه عبارة أمن الضريح، مما يدل دلالة صريحة على أن هؤلاء السدنة غير مستعدين للتفريط في صندوق النذور والهدايا والأموال والقرابين التي ألفوها، وبالتالي فهم يحاولون الحفاظ على مكتسباتهم ومصالحهم بأي وسيلة من الوسائل، ولن ننسى تلك المرأة التي أرغت وأزبدت وتوعدتني بإخبار رجال السلطة، وجُرمي الوحيد عندها أنني حاولت أن آخذ صورة لجمهرة من النساء وهم في حالة هستيرية لحظة رقصهم وغنائهم بصحبة فرقة حمادشة.
بعدما انتهيت من تسجيل ملاحظاتي ومشاهداتي حول ما يجري داخل فضاء ضريح “سيدي علي بن حمدوش”، شاهدت أسفل جبل رجالا ونساء يستحمون بالتناوب في حجرة صغيرة أعدت لذلك، وبجانبهم شموع مضاءة في عز النهار، وتلك حكاية طقوس أخرى سنتعرف عليها في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.
لقد مر معنا في الحلقة الماضية أن “موسم علي بن حمدوش” تمارس فيه طقوس عجيبة، من أغربها تقديم الذبائح إلى ما يسمى بلالة عيشة مولات المرجة، وهذه القرابين عبارة عن قطعان من الماعز والنعاج العجفاء الهرمة البينة هزالها، والتي تقتات على المزابل والقاذورات.
الطقوس الخرافية والشركية عند تقديم القرابين “للالة عيشة”
والسؤال الذي نود الإجابة عنه حتى نبين وقوع الناس في الكثير من الشركيات والخرافات، هو:
ما هي نوعية الطقوس الخرافية والشركية التي تمارس لحظة تقديم القرابين “للالة عيشة”؟
بمجرد مغادرتنا ضريح “سيدي علي بن حمدوش” سألنا أحد أبناء المنطقة الذي ظل يرافقنا طوال مشوار رحلتنا ويجيبنا عن جميع تساؤلاتنا بدون ضيق أو حرج، وقد صرح لنا من خلال الكثير من إجاباته، أنه غير راض على ما يمارس في هذا الموسم من سلوكيات شركية ولا أخلاقية تسيء لسمعة البلد، ويتمنى أن يأتي اليوم الذي تقبر فيه مثل هذه العادات والأعراف الجاهلية ويقذف بها في مزابل التاريخ.
قبل أن نتوجه صحبة مرافقنا إلى مكان تواجد ما يسمى “بلالة عيشة مولة المرجة”، تبادر لذهني في البداية أننا سائرون صوب قبة ولية من الأولياء، لكن ونحن نقترب من الهدف الذي ننشده لم نجد أي مظهر للقباب والأضرحة، وفي المقابل شاهدت مجموعة كبيرة من العرافات اللواتي احتجزن مساحة كبيرة، كل واحدة منهن تفتح دكانها على شكل خيمة تستقبل فيه عددا كبيرا من الضحايا السذج الذين يصدقون بسهولة أكاذيب الكهان، وإمعانا في الدعاية لأعمالهن القذرة وضعن لوحات مكتوبة بخط اليد يعلنّ فيها نوعية الخدمات التي يقدمنها من [إبطال ثقاف وربط وتعكاس وفك وإبطال السحر وإزالة التوكال..].
ومما يثير الانتباه ويطرح ألف علامة استفهام أن أولئك العرافات لا يشتغلن في سرية وتكتم، بل إن أكثرهن يعملن في وضح النهار بدون مضايقات أمنية، فرجال الدرك يغضون الطرف عن العرافات، في تواطئ فاضح مخل بالشرع والقانون..
قبل أن تبدأ النسوة بممارسة تلك الطقوس الشركية لابد من اجتياز مراحل عديدة أولها: ولوج خيمة العرافة، هذه الأخيرة تقترح عليهن أن يتقدمن بنوع من الذبائح حسب ما تطلبه “الشريفة لالة عيشة” تبعا لأوامر العرافات اللواتي يتكلفن بالإخبار بالطلب، بعدئذ يذهبن إلى دكاكين العشابة لشراء أطباق من الحلوى والسكر والشمع والحليب والحناء وبعض مواد التجميل النسائية، ثم يعرجن على أماكن بيع الماعز والأغنام حيث يقمن بشراء الرأس الواحد منها بثمن يتراوح ما بين 400 و1200 درهم، ومن كان فقيرا معوزا فلا يكلف نفسه فوق استطاعته، إذ بإمكانه أن يشتري ديكا أو دجاجة تناسب حالته المادية.
بعد هذه المرحلة يتم كراء إحدى الفرق الموسيقية كناوة أو عيساوة أو احمادشة، بثمن يتراوح ما بين 400 و500 درهما، تتقدم هذه الفرق مجموعة من الشباب والشواذ والنسوة يضعن على رؤوسهن أطباقا من الفضة محملة بالهدايا المقدمة “للشريفة لالة عيشة”، وتتألف هذه الهدايا من الشموع وماء الزهر والبخور المتنوعة والحليب والسكر والحناء، ويتوسط المجموعة صاحب أو صاحبة القربان التي غالبا ما تضع على رأسها لباسا أبيضا تحيط به عصابات صفراء أو خضراء مع ممارسة جذبات متتالية، وتتحير على الأنغام المختارة، ولما يصل الموكب إلى فضاء “لالة عيشة” تتم عملية تقديم القربان ثم ذبحه أمام المكان (المسكون) من لدن “الشريفة لالة عيشة” كما يقال..
ويعلو صوت المجاذيب في الحضرة: “ها هي جاءت للا عيشة”، ومنهم من يبلغ به التلبس بالشياطين حتى يشرب المياه الساخنة إلى درجة الغليان، وقد يجرحون أنفسهم بآلات حادة لتبيان قدراتهم الخارقة..، في حين يتكفل بعض الشباب بتقديم الذبائح/القرابين إلى المسلخة لتباع رخيصة، وتتم عملية معاودة البيع لأناس يقفون مصطفين في طوابير غير منتظمة، يشترون هذه اللحوم ويضعونها في أكياس بلاستيكية، ويدخرونها في ثلاجاتهم، ومنهم من يعيد تسويقها في غفلة من المصالح الصحية، دون السؤال عن حدود الحلال والحرام في هذه الذبائح إذ أهلت لغير الله وذبحت على النصب، فيحرم أكلها، قال الله عز وجل: “حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ” المائدة.
أساطير وخرافات نسجت عن “لالة عيشة” في التراث الشعبي
لا أحد في المغرب يعرف حقيقة المدعوة “لالة عيشة مولة المرجة”، وهناك عدة أقوال متضاربة حولها، فمنهم من يعتبرها امرأة إنسية، وهذا الفريق يذهب إلى أن “لالة عيشة” كانت نائمة في بيتها ذات ليلة قبل أن تفاجأ بأحدهم يقتحم عليها خلوتها فيغتصبها، فبدأت في الصراخ، وتحولت بقدرة خارقة إلى رجل بلحية وأعضاء تناسلية ذكورية.
والبعض الآخر يتمثلها على أنها جنية، من أصل سوداني..
وفريق آخر يقول: أن الفقيه الصالح سيدي علي بن حمدوش طلب من أحد أتباعه أن يسافر إلى السودان ويحضر له امرأة سمراء اللون تعيش حالة المجاذيب، فوجد الرجل امرأة بنفس المواصفات تردد: “الله دايم” عدة مرات وكان اسمها عيشة..
ويقال: إنها بعد وفاة الشيخ سيدي علي بن حمدوش اختفت في نهر قريب..
وتقول بعض الروايات المغربية المتداولة على لسان العامة أن “عيشة مولاة المرجة” من أكثر شخصيات الجان شعبية لدى المغاربة، إنها (سيدة المستنقعات) ولها من الألقاب “لالة عيشة” أو”عيشة السودانية” أو “عيشة الكناوية”.
بينما يرى الأنثربولوجي الفنلندي (وستر مارك) الذي درس أسطورتها بعمق أن الأمر يتعلق باستمرار لمعتقدات تعبدية قديمة، ويربط بين هذه الجنية المهابة الجانب (عشتار) آلهة الحب القديمة التي كانت مقدسة لدى شعوب البحر الأبيض المتوسط من القرطاجيين والفينيقيين والكنعانيين، حيث كانوا يقيمون على شرفها طقوسا “للدعارة المقدسة”، وربما أيضا تكون “عيشة قنديشة” هي ملكة السماء عند الساميين القدامى الذين اعتقدوا أنها تسكن العيون والأنهار والبحار والمناطق الرطبة بشكل عام.
فنسجت حولها الروايات الشعبية الكثير من القصص، وتحول مكان اختفائها إلى مزار يحج إليه الكثير من الناس سنويا للتبرك حسب زعمهم.
ما موقف العلماء المغاربة مما يمارس في فضاء لالة عيشة مولات المرجة؟
المصيبة العظمى التي تربك الرأي العام المغربي وتدخله في دوامة من التيه والحيرة هو ذلك الصمت الصارخ للمؤسسة الدينية والمتمثلة في المجلس العلمي الأعلى الذي يفرض عليه الواجب أن يتدخل في مثل هذه الأمور ويقول رأيه فيما يمارس في فضاء “لالة عيشة” من طقوس شركية وسلوكيات لا أخلاقية شاذة.
ومن أخطر تجلياتها الذبح لغير الله القائل سبحانه: “فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ” (سورة الكوثر)، أي انحر لله وعلى اسم الله، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لعن الله من ذبح لغير الله” رواه الإمام مسلم في صحيحه رقم:1978.
وقد يجتمع في تلك الذبائح التي تقدم قربانا “للالة عيشة” محرمان وهما: الذبح لغير الله، والذبح على غير اسم الله، وكلاهما مانع للأكل منها.
هذا دون أن نتكلم عن حرمة إتيان الكهنة والعرافين، فكيف باحتضانهم والترخيص الصامت لممارسة أنشطتهم القذرة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن سؤالهم وتصديقهم، فقال صلى الله عليه وسلم: “من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة” أخرجه مسلم في صحيحه، وقال صلى الله عليه وسلم: “من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم“.
ختاما نأمل أن تخرج هذه المؤسسة عن صمتها، وتختار طريق إنكار هذه المخالفات والطوام العقدية التي تهدد الأمن الديني والروحي للمغاربة المسلمين، وتشترك مع وزارة الداخلية في منعها ومعاقبة مقترفيها، فنقرأ ونسمع بيانات استنكارية من المجالس العلمية المحلية لمثل هذه الممارسات الخرافية والشركية التي أصبح يعيشها العديد من المغاربة وأصبحت في المغرب كأنها شيء مشروع.
مواجهة الفكر الخرافي القبوري مسؤولية الجميع “موسم علي بن حمدوش نموذجا”
لا شك أن تعامل العديد من القطاعات الحكومية مع شتى المظاهر الخرافية الشركية التي تمارس في فضاءات المواسم والأضرحة بالمغرب عموما، وموسم علي بن حمدوش (المتواجد بضواحي مدينة مكناس) خصوصا، ما زال دون المستوى المأمول، اللهم إلا إذا استثنينا الجانب الأمني الذي أثبت فعالية أجهزته في إفشال مخططات الشواذ جنسيا (اللواطيين) الذين كانوا يعتزمون جعل موسم ضريح “سيدي علي بن حمدوش” ملتقى سنويا يجتمعون فيه بهدف التعارف والتلاقي وممارسة أفعالهم الشاذة.
وبسبب هذا الحرص تستحق الأجهزة الأمنية بمختلف مستوياتها كل التنويه والتقدير، حيث ألقت قوات الدرك الملكي في آخر موسم الشهر الماضي القبض على عشرات الشواذ في إطار محاصرتها لوصولهم إلى الموسم بعد أن تداولت أنباء عن عزم هؤلاء تنفيذ ”إنزال” بالموسم لإقامة طقوسهم الخاصة.
كما شهد مدخل الجماعة تعزيزات أمنية مشددة، حيث تم التأكد من هوية جل الوافدين على الموسم، وفضلا عن مراقبة الطرق، قامت قوات الأمن بحملات تفتيش للمنازل التي يشتبه احتضانها للشواذ الذين استطاعوا الوصول إلى موسم الضريح من خلال سلوك طرق فرعية لا تخضع لمراقبة الأمن.
إذا استثنينا هذا المجهود، فإن التعامل الحكومي لا يجسد الفعالية المطلوبة في التصدي للفكر القبوري الخرافي الشركي وتمظهراته المبثوثة في كل مكان، وكذا اجتثاث كل العوامل المشجعة على تلك المخالفات العقدية، وأقتصر في هذا النطاق على النماذج التالية:
أ- مسؤولية النظام التعليمي المغربي بتهميشه تعليم العقيدة الصحيحة
يلاحظ على قطاع التعليم بمختلف مستوياته غياب وتهميش تعليم العقيدة الصحيحة في كل المقررات الدراسية، ومن هنا لا نستغرب إذا شاهدنا فتيات وشبابا ما زالوا يتابعون دراستهم الثانوية والجامعية، يواظبون على زيارة موسم سيدي علي بن حمدوش وغيره من الأضرحة والمواسم كل سنة، ويتلبسون بالممارسات والطقوس التي تشهدها والغارقة في الشرك والبدعة كالذبح لغير الله والاستغاثة بأصحاب القبور ودعائهم لكشف الضر وجلب النفع.
ب- مسؤولية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عبر تبنيها مشروع إحياء الأضرحة والمواسمبصمتها وعدم فضحها لما يجري في هذه الأضرحة والمواسم الخرافية.
وذلك بغياب مشروع تعليمي مكثف يعظم التوحيد ويحذر من الشرك والخرافة وتقديس الصالحين والأوثان، ثم من أولى أولويات العالم والخطيب أن يدافع عن الأمن العقدي، إذ بلا أمن عقدي لا يوجد دين ولا استقرار روحي، وتستفحل المظاهر الشركية التي تمهد لخراب الأديان والعمران، وبالتالي تنزل منزلة الأمة الإسلامية بين الأمم..
لكن للأسف، أغلب علمائنا وخطبائنا ظلوا بعيدين عن الانخراط في المواجهة الفكرية لشبهات القبوريين والخرافيين، ومن ثم فرغت الساحة العلمية أمام دعاة الشرك والقبورية والخرافة والسحر والكهانة والعرافة.
فهل سيتدارك العلماء والخطباء تقصيرهم، ويقومون بحماية الدين إلى جانب إمارة المؤمنين؟!
إن تحقيق هذه الأهداف يقتضي أولا إرادة قوية لدى وزير الأوقاف، ثم اتخاذ إجراءات مضبوطة تقطع العلاقة مع “زمن التساهل مع المظاهر القبورية والخرافية” وحالة “الفوضى العقدية” وترك الحبل على الغارب للدجاجلة والقبوريين والمشعوذين والسحرة، يضحكون على ذقون الناس ويستنزفون أموالهم، ويوجهونهم تبعا لقناعاتهم الخرافية الشركية.
ج- مسؤولية الإعلام بالتواطؤ في الدعاية المجانية للمظاهر الخرافية الشركية
قطاع الإعلام سواء الرسمي أو الحزبي أو المستقل، والذي إذا استثنينا منه عددا ضئيلا من الجرائد، لا يجعل من مواجهة الفكر القبوري والمظاهر الخرافية الشركية إحدى معاركه الرئيسية. بل إن بعض الصحف صارت لسان حال بعض السدنة القيمين على الأضرحة والمواسم، تغطي إعلاميا كل تحركاتهم وأنشطتهم وتروج لهم أباطيلهم. إنها عن قصد أو دونه تصور المشرفين على الأضرحة والمواسم كما لو أنهم فئة وقع عليها الظلم ويتعرضون لمحاولات التشويه والتضليل والتعتيم الإعلامي، علما أن ما يقع في هذه الأماكن من طقوس شركية ودعارة وشذوذ جنسي لم يعد يخفى على الجميع.
والأخطر في وسائل الإعلام هذه انحيازها لتبني أطروحات الخرافيين ضد الأمة والمجتمع بما تروجه من ترهات مفادها أن المواسم والأضرحة تشكل إحدى مكونات الحقل الديني، وأن ترسيخها وإحياءها يسهم في تحقيق الأمن الروحي للمغاربة.
د- مسؤولية النخبة المثقفة
لم تكن الثقافة في يوم من الأيّام عاملاً لتكريس الخرافة والوهم، والصمت عن قول الحقيقة، فالثقافة في بعدها الحضاري عامل بناء ونقد ونهضة وتوعية. لكنها عند بعض المثقفين المغاربة الذين مازالوا يعيشون في أبراج عالية بعيدا عن قضايا وهموم مجتمعاتهم خلاف ذلك، فلطالما قرأنا لهم عما يسمى بنقد الفكر الديني تمهيدا لدولتهم العلمانية المشؤومة، وفي المقابل لم نسمع من يستنكر منهم تلك الطوام العقدية التي تنتشر في الأضرحة والمواسم الشركية، وبدل أن يستنفد هؤلاء الجهد والطاقة لانتشال أبناء مجتمعاتهم من مستنقعات الخرافات القبورية، على اعتبار أن هذه الأخيرة من أكبر العقبات في طريق التنمية المنشودة، بدل ذلك يشحذون أقلامهم المسمومة للطعن في الثوابت والبديهيات..
هـ- مسؤولية الدراسات الأنثربولوجية في التنظير للشرك والدعاية له
خاصة بعض الدراسات التي انحازت بشكل كلي وسافر لصالح الدعاية المجانية للمواسم والأضرحة. وأذكر في هذا المقام تلك القراءة السوسيولوجية لبعض الباحثين المغاربة، من ضمنهم الباحث نور الدين الزاهي الذي يعتبر أن ما يجري في فضاء هذه المواسم هو نوع من الاحتجاج الاجتماعي، وكأنه احتجاج على ما يحصل في الخارج، أي المجتمع العام على حد تعبيره.
وليته وقف عند هذا الكلام الذي يراد من ورائه “تضبيع” القارئ من خلال دفعه لا شعوريا للتطبيع مع تلك المخالفات العقدية التي تعرفها مختلف الأضرحة والمواسم بالمغرب، بل إنه يقترح إدماج الفضاء الطقوسي في الحداثة عوض الحديث عن إغلاق الأضرحة حسب زعمه”..، وبذلك على الأقل نقول أن هذه الظاهرة ما زالت هنا، وبهاته الكيفية لا نقول أنه يجب البحث في كيفية جعل هذا الفضاء الطقوسي فضاء حاضرا داخل فضاء الحداثة. ولماذا لا ينتقل هذا الفضاء الطقوسي ويتوزع بين تشغيله في التحليل النفسي أو المسرحي أو السينمائي؟ ولم لا يتحول إلى مجال يدخل ضمن التراث؟ وحينها يمكن زيارته، ليس طلبا للعلاج بل لأنه جزء من الذاكرة الجماعية للمغرب،..”. وللاطلاع على المزيد من مغالطات هذا الباحث نحيل القارئ على جريدة “الشروق المغربية” العدد:51، ص:11، بتاريخ 27 مارس إلى 3 أبريل 2009م.
قد يتهمنا بعض القراء خاصة أولئك الذين لهم اهتمام بالدراسات السوسيولوجية بالمبالغة والتهويل، وأن ما قلناه عن الزوار الذين يزورون الأضرحة والمواسم عموما وموسم علي بن حمدوش خاصة، محض قراءة أخلاقية “إسلاموية” الدافع فيها هو الرغبة في إيقاف مثل هذه المواسم!!
طبعا لن أجيب عن هذه الشبهة بنفسي، وإنما أفسح المجال لعلم من أعلام الدعوة السلفية المغربية، يتعلق الأمر بالعلامة عبد السلام السرغيني رحمه الله تعالى (1354ﻫ)، الذي قال محذرا الناس من الوقوع في حبائل الشيطان المؤدية للشرك بالله واعتقاد صواب الشعوذة والخرافة:
“وقد زاد الأمر بهذه الحضرة كغيرها، حتى وصل الحال إلى الشرك بالله قولا واعتقادا، لا سيما طائفة النساء، فقد رأينا وسمعنا من ذلك ما ينفطر له كل قلب دخله الإيمان فمهما مرض لهم إنسان أو أصابه محذور ذهبوا إلى الشواف أو الشوافة، وسألوه عن المريض، وما به يزعمون أنهم يعلمون الغيب!!
فما أخبر به من سبب الداء وطرق الدواء اعتقدوا ذلك صحيحا، فتارة يقول لهم: إن الذي أصابه (سيدي حمو) وشفاؤه في لبسه ثوبه الخاص به من الألوان، وتارة (مول الغابة)، ولابد له من ثوب خاص، أو(موسى) أو(ميرة)، أو غير ذلك من مفترياتهم الباطلة، فيعتقد ذلك المريض أنه لا بد له من ذلك الثوب الخاص فمهما بلي لا بد له من خلفه وإلا حل به البلاء والمرض.
وتارة يقول لهم لا بد من الليلة، فيجمعون طائفة العبيد ويرقصون على طبولهم، ولا تسأل عما يقع في ذلك من المناكر التي لا يرضاها من له أدنى مسكة من عقل، فضلا عمن له غيرة على حريمه، فيعتقد ذلك المريض أن شفاءه في ذلك، فيفعل ذلك، رغما عما يلزمه من الخسائر الدينية والدنيوية، وصار شبه النساء من الرجال يعتقدون ذلك ويفعلونه، بل ربما فعل ذلك من ينسب إلى العلم، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وهذا الاعتقاد الفاسد لم تعتقده لا اليهود ولا النصارى، ولا المجوس ولا ملة من الملل فيما علمنا وبلغنا، وهذا غاية الحمق والسفه فضلا عن الشرك بالله الفاعل بالاختيار الذي لا يعلم الغيب سواه ولا يبرئ من الأمراض والأدواء إلا إياه: “وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ“.
وصل اللهم على محمد وآله وصحبه وسلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
– هذا البحث نشر سابقا في أسبوعية “السبيل” المغربية، ونجدد نشره بمناسبة تنظيم موسم “سيدي علي بن حمدوش” هذه الأيام..