لنرفع مستوى دفاعنا ضد المسيئين إلى رسولنا الأكرم؟
د. محمد وراضي
هوية بريس – الخميس 15 يناير 2015
من بين القيم الأخلاقية، أو السياسية، أو الإنسانية، أو الدينية التي يتبجح بها الغربيون ومن يواليهم من العلمانيين في البلدان العربية والإسلامية، الصفح والاعتراف بالآخر. وهما قيمتان من صميم مبادئ الإسلام الحق.
يقول عز وجل: “ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين”. أي إننا في الآية أمام أمر إلهي موجه إلى رسوله كي يعفو ويصفح عمن أساءوا إليه من أهل الذمة وغيرهم من المشركين، إما بنقض ما بينه وبينهم من عهود، وإما بإطلاق اللسان فيه وفي أصحابه، دون ما رادع أخلاقي يذكر. والسيرة النبوية طافحة بكونه فعلا “على خلق عظيم” كما رود في القرآن الكريم.
وعنه صلى الله عليه وسلم قوله: “لا تكونوا إمعة (= مقلدين). تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا“!
ومعروف أنه سبحانه يخاطب عامة الناس بمثل قوله: “يا أيها الناس اتقوا ربكم“. وقوله: “يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله“. ويخاطب عامة المسلمين بمثل قوله: “يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل”. وقوله: “يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون“.
فإن وردت كلمة “الناس” في الحديث النبوي المتقدم، فلكون الخطاب نصحا موجها إلى المسلمين كي يعتبروا غيرهم من المتدينين بديانات أخرى إخوانهم في الإنسانية. إذ أن المفروض عليهم مقابلة الإحسان بالإحسان، والتسامح بالتسامح، صدرا عن مسيحي، أو عن يهودي، أو عن بوذي، لأن العلاقات الإنسانية لا يمكن إلغاؤها بجرة قلم. فبيننا وبين أهل الملل والأهواء والنحل الأخرى روابط، تحتم علينا التعامل في شتى الميادين، مع مراعاة مبادئ وتعاليم ديننا التي نلتقي في بعضها مع غيرنا. وإلا ما كان لرسولنا الأمين أن يقول؛ كما ورد في “مسند الإمام أحمد”: “إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق“، وأن يقول كما ورد عند مالك في “الموطأ”: “بعثت لأتمم حسن الأخلاق“.
والأخلاق الصالحة أو الأخلاق الحسنة التي بعث نبينا عليه الصلاة والسلام لإتمامها، مقولتان فيهما إشارة إلى أن الخلق ينقسم إلى فضيلة ورذيلة. وأنه قد يكون “حالا للفرد وحالا للجماعة، ويجمع على أخلاق… والخلق الكريم في فلسفة الأخلاق هو أن يملك الإنسان نفسه. وأن يكون سلوكه ثابتا ومتماسكا وأن يتصف بالعزم”. دون أن ننكر المنظومات الأخلاقية السائدة في مختلف أرجاء المعمور، قبل الإسلام وبعده. فكان من المسلم به أن نقبل قول باسكال: “ما هو مباح على هذه الضفة من النهر، مكروه على الضفة الأخرى المقابلة لها”.
إلا أن هناك ملاحظة لا بد من التدقيق فيها، يتعلق الأمر بمصدر الأخلاق. أهو العقل أم الدين؟
لدى المسلمين كافة نجد أن الخلق هو العمل بالقرآن من غير ما تكلف، فإذا وصل الإنسان من قطعه (أي قاطعه) وعفا عمن ظلمه، وأحسن إلى من أساء إليه، كان على خلق عظيم. مع استحضار البيان الشافي للوارد في كتاب رب العالمين، نقصد سنن المختار صلى الله عليه وسلم. إذ هي والقرآن مصدران، إغفال العمل بمضامينهما طعن في حسن الأخلاق وانجراف نحو الموبقات أو الرذائل!
ولا ننس هنا أن رسولنا الكريم -كبقية الرسل- يتصف بأربع صفات واجبة هي على التوالي: الصدق والأمانة والتبليغ والفطانة. هذه الأخيرة التي تعني حدة الذكاء وصفاء البصيرة ويقظتها. ودورها في التعامل مع الخصوم والأصدقاء في الوقت ذاته دور وراءه عقلانية صعب لدينا تحديد قيمتها المعرفية. بحيث يتم وضع الحكمة المنشودة في مقدمة النوايا قبل اتخاذ قرارات حاسمة.
ومن حكمة ربنا تعالى أنه حدد مفهوم إيماننا في ستة عناصر: الإيمان به. وبملائكته. وبكتبه. وبرسله. وباليوم الآخر. وبالقدر خيره وشره. يعني أنه دون التصديق بهذا السداسي المتناغم المتكامل، يتم إفراغ إيماننا من مدلوله الصحيح! بل ومجرد إنكار عنصر من عناصره، يجعل الناكر على التحقيق كافرا بنص قرآني يقول: “أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون“!
فيكون على كل مسلم -كواجب ديني- أن يتجنب الإساءة إلى أي رسول وإلى أي نبي. إنهم جميعهم عندنا محبوبون محترمون، لا نفرق بين أحد منهم كما ورد في الآية 284 من سورة “البقرة”، تصريحا لا تلويحا، وهذا منطوقه: “آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمومنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله“.
ومن أراد أن يعلن كفره، فليهاجم بكيفية أو بأخرى أحدا من أنبياء ربّ العالمين، سواء برسوم كاريكاتورية، أو بلسان بذيء طالما رصدناه بين أظهرنا، دون ما ردود مسموعة قوية من حكامنا العلمانيين! بل إننا نجزم بالتمام والكمال، أن رسولنا لم يحترم حتى من بعض الطوائف المحسوبة على ملتنا. يكفي الإغراق المبالغ في الكذب عليه، وعلى صحبه الكرام البررة.
فليفهم الغرب إذن بأن الإسلام منفتح على كافة الأديان، بحكم العلاقة الإنسانية بين معتنقيها. وأن أهل الديانات السماوية تحديدا تجمعنا بهم آصرة قوية هي التوحيد الخالص الذي جاء به كافة الأنبياء والرسل. فإلهنا وإلههم واحد ونحن له مسلمون. ومن جادلنا في هذه الحقيقة، جادلناه بالتي هي أحسن. والتي هي أحسن، حوار يرجى منه الابتعاد عن ذم رسول هو قدوتنا، أو ذم رسول هو عندهم قدوة ونموذج مثالي متبع.
فإذا لم يحترموا قدوتنا، ولا اعترفوا بمن يمثلها، فلهم كامل الحرية في معتقداتهم الدينية التي بها يتشبثون، لكننا لا نحبذ بأي وجه كان أن ينغمس أحدهم في الرذيلة إلى حد السخرية الموصوفة بمن هو عندنا خاتم الأنبياء والرسل. فلديهم مفكرون، ولديهم كتاب، ولديهم أدباء وصحفيون، فليكتبوا -كما فعلوا- ما يحلو لهم أن يكتبوه عن الإسلام وأهله، إنما عليهم أن لا يصلوا إلى قعر مهواة ردود فعل، لن تؤدي إلا إلى كراهية متبادلة بين أهل دينين، من المفروض أن يجمعهم ما ينعكس إيجابيا على الوعي السياسي والأخلاقي في درجات عالية من التفاهم والنضج والتسامح.
إننا من جانبنا نستنكر أي اعتداء على المواطنين مهما تكن هويتهم في أي بلد. لأن هؤلاء المواطنين إن هم أساءوا إلينا، فينبغي أن لا نظلمهم زيادة، حتى يكون التوجيه النبوي هو الحاضر في تعاملنا مع من لا يعبدون ما نعبده. فقد ترك لنا هذه الوصية الثمينة: “إن أساءوا فلا تظلموا”! وهي وصية فيها من حظ العقل المتنور ما يحيلنا على ما ينبغي فعله إن سب نبينا صحفي متهور.
غير أن ما جرى بالعاصمة الفرنسية، وما لحقه من إصرار نفس الصحيفة على الإساءة إلى الرسول الخاتم، يجعلنا نوضح بجلاء تام كيف أن ما حصل في هذه الأيام، وما حصل قبلها، وما سوف يحصل كنتيجة وراءها وضع سياسي يتسم بأكثر من خلل، نرجعه إلى القادة العرب والمسلمين، وإلى قادة العالم الغربي أنفسهم دون ما استثناء منهم لأحد! إن هؤلاء وأولئك يدركون بأن الضغوط تولد الانفجارات! وأن الدكتاتوريات ظلام دامس مسلط على ما سلمنا به من مسمى القيم الكونية! والتاريخ القريب يخبرنا أن نفس الدكتاتوريات قبل زمان رشد الإسلاميين، تعرضت لاهتزازات، قادها إرهابيون علمانيون: اختطاف الطائرات، ومهاجمة الملاعب، واغتيال رياضيين! فصح أن نفس سبيل المناضلين للتخلص من جلادي مختلف الشعوب المقهورة، هو نفسه السبيل الذي يسلكه الموصوفون بالمتطرفين الإسلاميين! مع فارق واحد هو أن الإسلام يخوف الاستكبار الدولي، بقدر ما يخوف القادة الطغاة الذين يستنجدون بالاستكباريين الأقوياء ماديا -لا أخلاقيا وأدبيا- لقطع الطريق أمام سيادة الديمقراطية في العالمين: العربي والإسلامي.
وحتى إذا ما رغب الغرب في وضع حد لمسمى الإرهاب الديني، فليكف عن التدخل لإقرار أنظمة دكتاتورية متجبرة طاغية على ما هي عليه! فليتركها تواجه شعوبها بعيدا عن مدها بما يطيل عمرها كي تمارس الاسترقاق والاستعباد ونهب مختلف مقدراتها المادية، والعمل المتواصل على إقبار كافة مبادئ الأمم المتحدة لحقوق الإنسان؟؟؟
الموقع الإلكتروني: www.islamtinking.blog.com
العنوان الإلكتروني: [email protected]