عاقبة من طعن أو أساء أو عرّض بالنبي صلى الله عليه وسلم
هوية بريس – السبت 17 يناير 2015
الأرض تنتصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم
أخرج الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما بألفاظ متقاربة عن أنس رضي الله عنه قال: كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا (عند مسلم: كَانَ مِنَّا رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ) فَأَسْلَمَ وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَادَ نَصْرَانِيًّا، [وعند مسلم: فَانْطَلَقَ هَارِباً حَتَّىَ لَحِقَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ. قَالَ: فَرَفَعُوهُ] فَكَانَ يَقُولُ: “مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلَّا مَا كَتَبْتُ لَهُ”؛ [وعند مسلم: قَالُوا: هَذَا قَدْ كَانَ يَكْتُبُ لِمُحَمَّدٍ، فَأُعْجِبُوا بِهِ]، فَأَمَاتَهُ اللَّهُ فَدَفَنُوهُ [وعند مسلم: فَمَا لَبِثَ أَنْ قَصَمَ اللهُ عُنُقَهُ فِيهِمْ]،
فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ؛ [وعند مسلم: قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَىَ وَجْهِهَا] فَقَالُوا: “هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا فَأَلْقَوْهُ، فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ، فَقَالُوا: “هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ فَأَلْقَوْهُ”، فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الْأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ النَّاسِ، (أي ليس من فعلهم)، فَأَلْقَوْهُ [وعند مسلم: فَتَرَكُوهُ مَنْبُوذا].
فهذه الأرض الجامدة تننقم لرسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المتطاول المجرم، وتتركه عبرة وعظة لمن يعتبر أو يتعظ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في “الصارم المسلول” معلقاً على القصة: “فهذا الملعونُ الذي افترى على النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يدري إلا ما كتب له؛ قصمه الله وفضحه بأن أخرجه من القبر بعد أن دفن مراراً، وهذا أمرٌ خارجٌ عن العادة، يدلُ كلّ أحدٍ على أن هذا عقوبة لما قالهُ، وأنه كان كاذباً، إذ كان عامة الموتى لا يصيبهم مثل هذا، وأن هذا الجُرمَ أعظمُ من مجرد الارتداد، إذ كان عامةُ المرتدين يموتون ولا يصيبهم مثل هذا، وأن اللهَ منتقمٌ لرسولهِ صلى اللهُ عليه وسلم ممن طعن عليه وسبهُ، ومظهرٌ لدينه، ولكذب الكاذب إذا لم يمكن للناس أن يقيموا عليه الحد”. (“الصارم المسلول”؛ ص:108).
الخطيب المفوه يصبح حارس أحذية
من القصص ذات العبر في عاقبة المستهزئين والمتطاولين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكره الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في كتابه (“كلمة الحق”؛ ص:176) عن والده محمد شاكر، وكيل الأزهر في مصر سابقاً، أن خطيباً مفوهًا فصيحًا كان يتوافد إليه الناس لسماع خطبه، حضر إليه ذات يوم في خطبته أحد أمراء مصر، فأراد هذا الخطيب مدح هذا الأمير والثناء عليه، وكان هذا الأمير قد أكرم طه حسين الذي كان يطعن في القرآن وفي العربية، فلما حضر طه حسين والأمير في الخطبة، قام هذا الخطيب المفوه يمدح ذلك الأمير قائلا له: جاءه الأعمى فمــا عبس بوجه وما تولى!
وهو يقصد من شعره هذا إساءة النبي عليه الصلاة والسلام، لأن الله قال عن قصته عليه الصلاة والسلام مع ابن أم مكتوم {عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى} فلما صلى الخطيب بالناس قام الشيخ محمد شاكر والد الشيخ أحمد شاكر رحمهما الله، وقال للناس: أعيدوا صلاتكم فإن إمامكم قد كفر، لأنه تكلم بكلمة الكفر.
يعلق الشيخ أحمد شاكر قائلاً: ولم يدع الله لهذا المجرم جرمه في الدنيا قبل أن يجزيه جزاءه في الأخرى، فأقسمُ بالله لقد رأيته بعيني رأسي بعد بضع سنين، وبعد أن كان عالياً منتفخاً، مستعزًا بمَن لاذ بهم من العظماء والكبراء رأيته مهيناً ذليلاً، خادماً على باب مسجد من مساجد القاهرة، يتلقى نعال المصلين يحفظها في ذلة وصغار، حتى لقد خجلت أن يراني، وأنا أعرفه وهو يعرفني، لا شفقة عليه؛ فما كان موضعاً للشفقة، ولا شماتة فيه؛ فالرجل النبيل يسمو على الشماتة، ولكن لما رأيت من عبرة وعظة.
عاقبة الصليبى الشهير أرناط أمير الكرك
ومن صور انتصار الله لنبيه صلى الله عليه وسلم على يد أتباعه، انتقام السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله من الأمير الصليبي “رينالد دي شاتيون” المشهور في المراجع العربية باسم أرناط، وكان أرناط من أشد الصليبيين عداوة وغدراً وحقداً على الإسلام والمسلمين، قضى حياته كلها في محاربة المسلمين تديناً منه، ووقع في الأسر عدة مرات، ويفتدى نفسه ليخرج لمحاربة المسلمين مرة أخرى، وكان أميراً على حصن الكرك وكان دائم الإغارة على قوافل المسلمين، وذات مرة هاجم أرناط قافلة حجاج مسلمين فقتلهم وسرق متاعهم وأثناء اقترافه هذه الجريمة الشنيعة أخذ في سب النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول للمسلمين: “أين محمدكم لينقذكم؟”.
وقد فكر هذا الأحمق في الهجوم على مكة والمدينة النبوية وأعد أسطولاً لذلك وقام بغارات مجرمة على قوافل الحجيج، فأقسم صلاح الدين على أن يقتله بيده إذا ظفر بيده، وجاء يوم الوفاء يوم حطين العظيم سنة 583 هجرية.
يقول ابن خلكان في وفيان الأعيان: “..ولما فتح الله تعالى عليه بنصره جلس في دهليز الخيمة لأنها لم تكن نصبت بعد، وعرضت عليه الأسارى، وسار الناس يتقربون إليه بمن في أيديهم منهم، وهو فرح بما فتح الله تعالى على يده للمسلمين، ونصبت له الخيمة فجلس فيها شاكراً لله تعالى على ما أنعم به عليه، واستحضر الملك جفري وأخاه البرنس أرناط، وناول السلطان جفري شربة من جلاب وثلج فشرب منها، وكان على أشد حال من العطش، ثم ناولها البرنس؛ وقال السلطان للترجمان: قل للملك أنت الذي سقيته، وإلا أنا فما سقيته. وكان من جميل عادة العرب وكريم أخلاقهم أن الأسير إذا أكل أو شرب من مال من أسره أمن، فقصد السلطان بقوله ذلك.
ثم أمر بمسيرهم إلى موضع عينه لهم، فمضوا بهم إليه فأكلوا شيئاً، ثم عادوا بهم، ولم يبق عنده سوى بعض الخدم فاستحضرهم، وأقعد الملك في دهليز الخيمة، واستحضر البرنس أرناط وأوقفه بين يديه وقال له: ها أنا أنتصر لمحمد منك، ثم عرض عليه الإسلام فلم يفعل، فسل النيمجاه فضربه بها فحل كتفه وتمم قتله من حضر، وأخرجت جثته ورميت على باب الخيمة. فلما رآه الملك على تلك الحال لم يشك في أنه يلحقه به، فاستحضره وطيب قلبه وقال له: لم تجر عادة الملوك أن يقتلوا الملوك. وأما هذا فإنه تجاوز الحد وتجرأ على الأنبياء صلوات الله عليهم، وبات الناس في تلك الليلة على أتم سرور، ترتفع أصواتهم بحمد الله وشكره وتهليله وتكبيره، حتى طلع الفجر” (“وفيات الأعيان”؛ 7/176).