أرواح باهظة الثمن
فاطمة الزهراء بكوش
هوية بريس – السبت 17 يناير 2015
جلست أمام شاشة التلفاز أقلب قنواتها يمينا ويسارا، ليس هناك أي جديد، نفس الأخبار يوميا، محطات تتحدث عن اللاجئين السوريين الذين حطموا الأرقام القياسية، وأخرى تتحدث عن السياسات الصهيونية وعن دماء مهدورة فلسطينية.
في هذه سقوط عمارات على رؤوس أصحابها، وفي الأخرى موت العشرات، نفس الحديث ونفس العبارات، ألفنا الموت في بلاد العرب حتى سرت أخشى أن يصبح اسمها يوما بلاد “عربموت” لم على سطح هذه الأرض إلا أموات أحياء وأحياء أموات.
وأنا أتابع أحسست أن الدنيا قد اهتزت وأن الأخبار قد تحولت وتحولت معها الأنظار إلى مدينة الأضواء، قالوا إنها عملية إرهابية، لم أعد أدري من يمتلك مصطلح إرهابية، من يحتكره هذا الاحتكار، من يجعله نعتا متى شاء ولمن شاء؟ أتريدون التحدث عن الإرهاب فتعالوا أحدثكم عن أم الإرهاب.
أليس الإرهاب هو العنف والقتل العمد ضد المدنيين؟
إذا كان كذلك؛ فلماذا لا نصنف قتلة المقتولين بصواريخ الصهاينة وأغلبهم مدنيين بالإرهابيين؟ أليست مجزرة دير ياسين ونصر الدين في أبريل سنة 1984 اللتان خلفتا ما لا يقل عن 300 قتيل مدني، ومذبحة الدوايمة في أكتوبر من نفس السنة التي خلفت 250 قتيل منهم عشرات ثم رميهم أحياء في الآبار بالإرهاب؟
أليس قتل 1300 من الأطفال والنساء والشيوخ والمواطنين العزل في مجزرة غزة سنة 2009 بدم بارد وعلى مسامع العالم بأسره بالإرهاب؟
ألم يكن إنسان ذلك الذي ذنبه الوحيد أنه ولد في وطنه فلسطين؟
أين كان العالم عندما كانت إسرائيل تحلق بطائراتها يمينا وشمالا في مجزرتي 2012 و2014 على قطاع غزة؟
أستغرب كيف يشارك بنيامين نتنياهو في مسيرة ضد الإرهاب في باريس وهو المثل الأعلى لكل إرهابي!!!
لماذا لم نصنف مغتصبي 50.000 امرأة مدنية حتى الموت في البوسنة بالإرهابيين أم أن هذا ليس بالعنف والإرهاب ضد المدنيين؟
لماذا لم نصنف التطهير العرقي والمجازر العلنية والتعذيب والاعتقال والإعدام خارج أي شرعية قانونية في البوسنة بالإرهاب؟
أليست إبادة أكثر من 300.000 مسلم مدني باعتراف من الأمم المتحدة في البوسنة وعلى مرأى القوات الهولندية وقتها بالإرهاب؟
ولماذا لا نصنف من قتل وحرق وشرد وذبح المسلمين المضطهدين في بورما وإثيوبيا وتايلاند بالإرهابيين؟
لماذا لا نصف قاتلي مليون ونصف مليون طفل في غزو العراق إرهابا؟
ألم تحوي حرب أمريكا في الصومال وباكستان وأفغانستان واليمن جرائم حرب قتل فيها ملايين المدنيين واغتصبت فيها نساء والرجال والأطفال حتى الموت، ألم يكن ذلك انتهاكا لآدمية الإنسان، فأين كنتم يا سادة العالم ويا منظمات حقوق الإنسان؟
أين كنتم حينما عذب الإنسان ودنس القرآن واغتصبت الرجال في غوانتانمو أشهر معتقل همجي ومركز إرهابي في العالم بامتياز؟
وماذا عن استخدام الأسلحة المحرمة دوليا على 6000 مواطن مدني في الفلوجة بتبريكات الأمم المتحدة أليست إرهابا؟
ألم تشوه أمريكا الأجنة في الأرحام، وتهدم مساجد الإسلام ألم تقتل الملايين وهجرت الملايين فأين كان ضميرك أيها العالم المنافق؟
لماذا لم تصنف مجازر فرنسا وإنكلترا وإسبانيا وغيرهم في بلدان شمال إفريقيا في عهد الاستعمار بالإرهاب؟ ألم تقتل فرنسا مليون ونصف مليون جزائري لسبب بسيط هو المطالبة بالاستقلال؟
ألم ترتكب إسبانيا مجازر إرهابية في حق مغاربة الريف؟
يسلبون دول الجنوب كرامتهم ومقدساتهم وحقهم الإنساني في العيش بأبسط مقومات الكرامة وينهبون ثرواتهم، وإذا ما أرادوا إحلال دماءهم قالوا نحارب الإرهاب.
صحيح إن قتل وتعنيف أي إنسان بريء فوق أي أرض وتحت أي سماء هو إرهاب، لكن أليس إرهابا أن نمس مقدسات أكثر من مليار ونصف مليار إنسان بالسوء؟
متى يتم التصنيف ومن يقوم به وكيف يتم ذلك أريد أن أعرف؟
الآلاف يموتون كل يوم ويمر ذلك على العالم مرور الكرام كما لو أن من مات ليس بالإنسان، بكل برودة يقتل ويغتصب وينهب وذبح وموت جوع أشخاص في مختلف أقطار العالم، لكن لماذا بعض الدماء مقدسة وبعض الدماء مدنسة؟
لماذا بعض الأرواح غالية الثمن وبعض آخر رخيص الثمن؟ من جعل الإنسانية طبقات ودرجات؟ من جعل للإنسانية سلما يسكن أعاليه دول الشمال والغرب وفي أسفل سافليه دول الجنوب؟ من جعلنا بشرا من الدرجة الثالثة حتى سار سفك دماءنا لا يحرك ساكنة؟
هي دماء مقدسة وأرواح باهظة الثمن، نعم لأن العالم كله استنفر من أجلها، عقدت الاجتماعات ورفعت الشعارات وصار الناس في المسيرات، الكل يندد الكل يتحدث باسم الضمير الأخلاقي، الكل ينوح باسم القلب الإنساني، الكل يهتف ويشعل الشموع من أجل دماء مقدسة وأرواح غالية الثمن.
أما نحن فليس مهما إن متنا أم حيينا، ليس مهم إن قتلنا أم اقتتلنا، ليس مهم أن تحدث في حقنا مجازر أو تسلب منا الكرامة الإنسانية، ليس مهم فنحن دول لم نرتقي بعد في السلم أو لم نصعده بعد. كثير في حقنا أننا نتنفس معهم هواء هذا الكوكب.
في الحقيقة لا ألومهم بل ألوم من صنع لهم مجدهم، من جعلنا أذنابا وجعلهم علينا رؤوسا، من فعل هذا يا ترى؟
الجواب لبساطته أبكاني، فنحن الحاكمين المحكومين، نحتفل متى احتفلوا، ونبتسم متى ابتسموا، نبكي لبكائهم ونمجد أمواتهم، فقليل في حقنا ما يفعلون، نحن من جعلناهم كل شيء وجعلنا من أرواحنا لا شيء، فلماذا يمجدون أمواتنا نحن وقادتنا لم يعترفوا بوجودها بعد، أسمعتم يوما أن “إسرائيل” قامت بقتل مواطنيها أو قامت أمريكا بقتل الأمريكيين أو ألمانيا بقتل الألمانيين أو روسيا بقتل الروسيين…؟!!
يمكن أن تقتل هذه الدول كل شعوب العالم لكي تعيش شعوبها، أما نحن فسوريا تسفك دماء السوريين وتهجر الباقيين، وليبيا استباحت دماء الليبيين، ومصر عصرت أجساد المصريين، وغيرهم الكثير، فكيف لا تكون دماؤهم مقدسة وأرواحهم باهظة الثمن!!