السخرية سلاح الضعفـاء
ذ. نبيل غزال
هوية بريس – الإثنين 02 فبراير 2015
السخرية من المخالف والسب والشتم أسلحة الضعفاء، الذين يعجزون عن الإقناع بالحجة والبيان، فيستعيضون عن ذلك بأساليب خسيسة تنم عن خفة عقولهم؛ وتعنت مواقفهم؛ وبطلان طريقتهم ومنهجهم.
ولازال المجرمون وإلى اليوم -كما ذكر الله تعالى في كتابه- {مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاء لَضَالُّونَ}.
فما أقدمت عليه المجلة الفرنسية «شارلي إيبدو» مجددا من نشر رسوم مسيئة لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم ليست هي المرة الأولى التي تسيء فيها منابر إعلامية غربية إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقد تكررت منهم الإساءة في محطات عديدة؛ ويمكننا أن نفهم بعض دوافع هذا السلوك المستفز بالرجوع إلى ما ورد في عقائدهم؛ سواء النصرانية المحرفة أو العلمانية المادية، فكلاهما تشجعان على الهجوم والتنقص من سيد الخلق صلى الله عليه وسلم.
وألخص نظرة منظري الغرب في العصور الوسطى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في كلمة سودها -رغم كراهيته الشديدة للإسلام- الكاتب والمؤرخ الفرنسي «إرنيست رينان» في كتابه «دراسات في تاريخ الأديان» قال: «لقد كتب المسيحيون تاريخا غريبا عن محمد.. إنه تاريخ يمتلئ بالحقد والكراهية له، لقد ادعوا أن محمدا كان يسجد لتمثال من الذهب كانت تخبئه الشياطين له، ولقد وصمه دانتي بالإلحاد في رواية الجحيم، وأصبح اسم محمد عنده وعند غيره مرادفا لكلمة كافر أو زنديق، ولقد كان محمد في نظر كتاب العصور الوسطى تارة ساحرا، وتارة أخرى فاجرا شنيعا ولصا يسرق الإبل، وكاردينالا لم يفلح في أن يكون «بابا» فاخترع دينا جديدا اسمه الإسلام لينتقم به من أعدائه، وصارت سيرته رمزا لكل الموبقات وموضوعا لكل الحكايات البغيضة».
وهذه العقيدة لم تختلف كثيرا في العصر الحديث، فإذا عدنا إلى أوائل القرن التاسع عشر والقرن العشرين فإننا نجد فريقا من المستشرقين أساؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنهم من اتّهمه بسرقة ما جاء في التوراة والإنجيل كـ«أبراهام جيجر» في كتابه «ماذا استفاد محمد من اليهودية» (بون 1833)، و«هير شفيلد» في «العنصر اليهودي في القرآن» (برلين 1878)، و«سيدرسكي» في «أصول الأساطير الإسلامية في القرآن» (باريس 1933)، و«ريتشاربل» في «أصل الإسلام في بيئته الإسلامية» (لندن 1926). (انظر: الإساءة إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إساءة إلى حضارة الإسلام والمسلمين؛ د. منجية السوايحي).
وقد انتقلت عدوى الإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من العالم الغربي إلى العالم الإسلامي، وتولى كبر هذه الجريمة من تأثر بسلطة الثقافة الغالبة وبالمنظومة العلمانية التي تطبق بسقف المادية على كافة مجالات الحياة.
فبالأمس القريب وصف قزمٌ أبتر رسائل رسول صلى الله عليه وسلم بالإرهابية، ولعنت أخرى من قال إن المرأة ناقصة عقل ودين، وجاهرت ثالثة بأن القرآن لا يقنعها، وادعى رابع أن لغته -صلى الله عليه وسلم- «ليست لغة الحوار الهادئ والمنظم»، وأنها «لغة مشحونة بالتوتر واللهاث وراء التخويف من أهوال جهنم»، ووصف نظرته صلى الله عليه وسلم بـ«السوداوية»، وافترى خامس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه «يعامل مخالفيه معاملة قاسية جدا وسلبية تماما».
وقد هلك بعض من هؤلاء الطاعنين وبليت عظامهم، لكن رسالته صلى الله عليه وسلم باقية؛ ولازالت تمتد وتنتشر في مشارق الأرض ومغاربها، ومازال الناس يدخلون في دين الله أفواجا، ولازال محمد هو الشخصية المؤثرة في العالم بأسره.
نعم؛ الإساءة إلى سيد الخلق صلى الله عليه وسلم جريمة نكراء، تمزق القلب، وتملؤه غيظاً وغضباً، لكن تعلمنا ممن سبقنا من سلفنا الصالح أن المسلمين كانوا يستبشرون بالنصر والفتح إذا سب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ما يستوجب في حقنا عملا كبيرا كي ننتصر لرسول الله، بالتعريف بسيرته وشمائله وشريعته وطيب أخلاقه، فما أقدم هؤلاء السفهاء على النيل من النبي صلى الله عليه وسلم إلا ومكن الله لدينه ودخل فيه الناس أفواجا.
قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل به الكفر» أخرجه أحمد والطبراني وابن حبان والبيهقي، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم 1/32.