إصدار كتاب «العلمنة من الداخل» للشيخ الدكتور عصام البشير المراكشي
هوية بريس – متابعة
الأحد 08 فبراير 2015
أصدر مركز تفكر للدراسات والبحوث للشيخ الدكتور البشير عصام المراكشي كتابا، تحت عنوان: “العلمنة من الداخل؛ رصد تسرب التأصيلات العلمانية إلى فكر التيارات الإسلامية المعاصرة“، وهو كتاب علمي فكري يعالج قضية مهمة وخطيرة وجب الوقوف عندها.
وللتعريف بالكتاب وهدفه ورسالته قال الدكتور البشير في مقدمته:
“بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فهذه رؤية نقدية من الداخل..
لخلل منهجي نابع من الداخل..
فكاتب هذه الكلمات ابنٌ وفيٌّ من أبناء الحركة الإسلامية..
ارتضع من لبانها.. وتغذى من ثمار دوحتها السامقة..
لها عليه -بعد الله عز وجل- فضل الإيجاد التربوي، والتشكيل الفكري..
علق عليها -بعد الله تعالى- آمالا كبيرة في إحياء الأمة وبعث مجدها الغابر.. وشاركها آلاما كثيرة في المخاض الفكري العسير والممارسة العملية المحفوفة بالأشواك..
وانبنى لها في قلبه صرحُ حب عامر، تؤثثه الغيرة على هذه الحركة الإسلامية من الانحراف عن الغايات السامية، ومن الخلل في المفاهيم والتصورات.
وما أكثر ما تكلم الناس عن الاضطهاد الخارجي، والحملات التشويهية، والقمع المنهجي..
ولكن ما أقل من يجد الجرأة ليرجع الخلل إلى منبعه الأصلي، فيكافئ بين عوامل الإفساد الداخلية والخارجية.
ولست أشك أن بعض المنتسبين للحركة الإسلامية يتعالون على النقد بسبب كِبْر مستحكم، يجعلهم يُحلّون أنفسهم في مرتبة الذي لا يتطرق الخطأ إلى أقواله وأفعاله!
ولا أشك أيضا أن بعضهم يعانون من نوع تواضع مَرَضي، يجاوز هضم النفس إلى تعمّد جلدها، ويجعلهم يسوّون أنفسهم بعتاة الفجار المناوئين للدين والمسيئين للأمة!
وبين الكبر المانع من رؤية باطل النفس، وجلد الذات الذي يحجب رؤية باطل الآخرين: ضاع الحق وانتفش الباطل!
فالأول يضخّم الأمل، وينخر القدرة على التخطيط المحكم.
والثاني يقتل الأمل، ويغرق النفس في أوحال الاستكانة، والرضا بالأمر الواقع.
ولست أرضى للحركة الإسلامية – التي أعتبرها ضميرَ الأمة اليقظ وقلبها النابض – تضخم الأمل ولا دبيب القنوط.
ولأجل ذلك، رأيت من واجبي أن أبادر إلى بيان بعض مكامن الخلل في الحركة الإسلامية، لأنني لا أعتقد فيها العصمة، وأعيذ أبناءها وقادتها من اعتقاد ذلك؛ دون أن أجحف بحقها فأسويَها بالتيارات الفكرية التي تسعى لدفن القيم، ولوأد الدين.
وشتان بين من أراد الخير وسعى إليه فلم يصبه، أو أصاب بعضه؛ ومن أراد الشر محضا، أدركه أو لم يدرك منه شيئا!
وإنني لأرجو ألا أكون ظالما لأحبتي، فظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند، كما يزعم ابن العبد..
ولو كان الظلم حلالا طيبا، لما جاز لي أن أظلم عشيرتي وأقاربي.. فكيف والظلم مذموم على كل حال؟!
***
إن الإسلام هو دين الله الحق..
وإن العلمانية هي دين الإنسانية الجديد..
وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه.. فإما الإسلام وإما العلمانية.. والجمع بينهما كالجمع بين الضب والنون!
ولكن العلمانية اليوم مهيمنة على العالم بأسره.. مسيطرة على السياسة والاقتصاد، وعلى الثقافة والفنون.. متسلطة على التيارات الفكرية جميعها..
فالتيارات السياسية كلها تخطب ودّها، وتتبنى رؤيتها للكون والحياة، وتتقبل نماذجها المعرفية والحضارية المنفصلة عن القيمة..
ولا يمكن للعلمانية أن تتنازل -وهي في أوج هيمنتها الفكرية والحضارية- فتقبل منافسا، منبعثا من حضارة شرقية لا تمتّ إلى التشكيل الحضاري الغربي بصلة؛ وهو فوق ذلك منافس شرس، ضارب بجذوره في عمق التاريخ، ممتد بأغصانه الوارفة في سعة الجغرافيا، يحمل في ذاته معالم قوة كامنة، وينطوي على بركان هادر يوشك أن ينفجر..
ولهذا فالعلمانية تعادي الإسلام أكثر مما تعادي غيره من الأديان..
ولهذا أيضا فالإسلاميون -الذين يحملون هم بعث الإسلام- يناوئون العلمانية ويقفون منها موقف العدو الكاشح..
ولأجل هذا كله، فإن تسرب العلمانية إلى قلب الحركة الإسلامية: أمر عجيب عجيب عجيب!!
وتطبيعُ الحركة الإسلامية مع العلمانية هو فوق ذلك: خطير خطير خطير.. بالغ في الخطر غايته..
ومن هنا كان التحذير واجبا لا يتهاون فيه؛ والسكوت للمداهنة والمجاملة: شرا لا يشك فيه!
***
إن تسلل العلمانية إلى التيارات الإسلامية لم يكن على مرتبة واحدة، ولا في وقت واحد.
فمن الإسلاميين من التحق بصفّ العلمانية الصريحة في مجال السياسة خصوصا، أو في مجالات الحياة كلها..
ومنهم من يصدر -بين الفينة والأخرى- بعض الإشارات العلمانية الخفيفة التي تصدر على استحياء، ثم هي ليست بالكثرة والقوة التي تجعل الحركة محكوما عليها بأنها حركة علمانية..
ومنهم من سلِم من أوضار العلمانية إلى حد بعيد، مع امتناع السلامة التامة الشاملة.. فإن الحركة الإسلامية جزء من الأمة.. وإن الأمة عُلمنت منذ عقود طويلة، فلا انفكاك للإسلاميين عن قدْر -ولو يسير- من رذاذ العلمانية النتن!
والنقد سيكون موجها -بالدرجة الأولى- إلى الطائفة الأكثر تمرغا في حمأة العلمانية، لأنها أجدر بالتحذير والتنبيه، بل بالتبكيت والتقريع؛ لكونها أكثر مفارقة للإسلام الخالص، في غاياتها ووسائلها، وفي تصوراتها الفكرية، وممارساتها العملية”.
وعن ترتيب الكتاب قال الشيخ البشير عصام: “هذا البحث في خمسة أبواب، مع تمهيد قبلها.
فأما التمهيد، فجعلته مختصرا لبيان معنى العلمانية، وحكمها في الشرع، وقصة تسللها إلى الأمة الإسلامية.
وأما الباب الأول، فخصصته لإشكالية المرجعية في الخطاب السياسي الإسلامي المعاصر. وفيه فصول ثلاثة:
أولها: لبيان أهمية المرجعية الفكرية في الخطاب والممارسة.
والثاني: المرجعية الشرعية بين التجزيء والتنصل.
والثالث: المرجعية العلمانية بين الرفض النظري والتبني العملي.
وأما الباب الثاني، فعنونته: (الغايات والوسائل في قضية تحكيم الشريعة)، وفيه ثلاثة فصول أيضا:
الأول: تحكيم الشريعة وسيادتها في النصوص والتراث الشرعي الإسلامي.
والثاني: تقرير حكم وسائل تطبيق الشريعة بين التأصيل الشرعي المنضبط وضغط الواقع العلماني.
والثالث: إشكالية تحول الوسائل السياسية إلى غايات كبرى.
وأما الباب الثالث، فجعلته لإشكالات الهوية. وفيه ثلاثة فصول:
الأول: الانتماء بين الأمة والوطن.
الثاني: المسلمون في الغرب: الهوية المتعددة، ونقد النموذج ”الرمضاني”.
الثالث: قضايا الجهاد والعلاقات بين الدول في الخطاب الإسلامي المعاصر.
وأما الباب الرابع، فخصصته لقضايا الحرية والمساواة، وفيه ثلاثة فصول أيضا:
الأول: في الحريات الفردية.
والثاني: في العقوبات الشرعية.
والثالث: في قضايا التسامح والمساواة والولاء والبراء.
وأما الباب الخامس، فجعلته للأسباب والحلول، وفيه ثلاثة فصول:
الأول: تطور تسرب العلمانية للحركة الإسلامية.
والثاني: أسباب علمنة الحركة الإسلامية.
والثالث: في ذكر آفاق العلاج.
والحمد لله رب العالمين”.