ففروا إلى الله
الشيخ عمر القزابري
هوية بريس – الإثنين 09 فبراير 2015
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلی آله وصحبه أجمعين، أحبابي الكرام
الموفق من سلك المشرعة، وشرب من الكأس المترعة، وتحلى بحلية الإصغاء، واختار من الأثواب ثوب الصفاء، والأنوك من حاد عن السوية، ورضي بالدنية، وأعرض عن هدي خير البرية، فذاك لعمر الله أحمق من دغة العجلية، لا يتخذ للسلامة الوسائل، وإذا ذكر الحق فهو عنه مائل، إنه والله أحمق من باقل.
أيها الأماجد: نحن في دنيا الأحزان والكبد، والهموم والنكد، نوب وريب ودواهي وصروف، وحتوف، وفوق كل ذلك، نار موقدة، دعانا الله دعوة تحذير وتخويف منها فقال، (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة، عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يومرون) دعوة تهز الوجدان، وتحرك الكيان، ولقد رأينا مؤخرا ذلك المنظر المؤلم، عند حرق ذلكم الطيار، واهتزت قلوبنا، وهجر الرقاد أعيننا، وحبس العالم الأنفاس، وتحركت المشاعر، وطعن الإحساس، هذا المشهد على فظاعته ورعبه، متعلق بنار الدنيا، وبلحظات قليلة، فكيف أيها الأحباب بنار الله الموقدة، التي تطلع على الأفئدة، أفلا يكون لنا في ذلك رادع ومزدجر.
تخيل أيها الحبيب أهل النار، وقد ألبسهم الله لباسا من نار، وصب عليهم حميما تذوب به الأجسام، وتصهر الأمعاء، وفوق ذلك مقامع الحديد تنزل على الرؤوس والجماجم، تخيل الداخل إليها كيف تغشاه النار، فتكون من فوقه، ومن تحته، ثم يفاجأ بثياب من نار، هذا والنار لا تتوقف، والحميم يصب على الرؤوس، فيذيب الجماجم، على كبرها وعظمتها، فإن الجماجم يومئذ لا تكون بحجم الجماجم اليوم قال صلى الله عليه وسلم: (ضرس الكافر في جهنم، مثل أحد) ضرس كجبل أحد، فما ظنكم بالرأس وسائر الجسد، فيا عباد الله، لو رأينا النار لمتنا من الرعب، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لجبريل عليه السلام، يا جبريل: “مالي لا أرى ميكائيل ضاحكا قط؟“، فقال جبريل عليه السلام: “ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار”.
يريدون شربة واحدة ولو من مياه البحار، فيستغيثون، ماء، ماء، ماء، (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه) أي ماء هذا؟ إنه الحميم يقطع الأمعاء ويسقط فروة الوجه، (وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم).
تخيلهم وهم يطلبون راحة يوم واحد بعد ملايين السنين من العذاب (وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب)، فما هو الجواب: (قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى، قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) لا يجدون راحة يوم، وقد كانت عندهم القدرة لراحة الأبد، ولكنهم طغوا وعاندوا وكابروا واتبعوا الشهوات، يشتهون الأكل فيقدم لهم الزقوم، لو وقعت منه قطرة في الدنيا لأفسدت على الناس معايشهم، يصيحون يصرخون يصطرخون فلا مغيث (وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل، أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير، فذوقوا فما للظالمين من نصير، يزداد صراخهم وعويلهم فينادون (ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون)، فيأتيهم الجواب بعد آلاف السنين (اخسئوا فيها ولا تكلمون)، فعند ذلك ينقطع الصراخ ولا يبقى إلا الزفير والشهيق، (لهم فيها زفير وشهيق)، يبكون فتسيل دموعهم مثل الأنهار حتى لو أن سفن الدنيا أجريت فيها لجرت، مشاهد ومشاهد، وأعظم من ذلك كله وأشد، الحرمان من رؤية الله، (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) حسرات وآلام وأحزان وخزي عظيم، وألوان من العذاب لا تنقضي ولا تنتهي (هذا فليذوقوه حميم وغساق، وآخر من شكله أزواج)، أفلا يدعونا هذا الوعيد إلى التوبة جميعا إلى الله، أفلا يدعو الأمة إلى الرجوع إلى الله والصلح مع الله، فلا تغتر أيها الحبيب، أيتها الكريمة، فإن الله توعد بالنار أكلة الربا وشاربي الخمر وقاطعي الأرحام والمتبرجات، وشاهدي الزور، وتاركي الصلاة، ومانعي الزكاة وووووو
علينا جميعا أن نتوب إلى الله، وأن نحقق التوحيد، وأن نتسامح فيما بيننا، وأن نحقق المحبة، وأن نعطف على المساكين، وأن نمسك عن الأعراض، وأن نتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن نملك ألسنتنا، ونملأ بيوت الله، ونحسن الظن في الله، وفي عباد الله، وأن ننشر الرحمة بيننا، فوالله ثم والله ثم والله إن الدنيا لا تستحق أن نتخاصم من أجلها، ولا أن نعصي الله من أجلها، فإنها برق خلب، نهايتها خراب، ومآلها تباب، والمغرور من اغتر بها.
أحبابي: المعتوه هو من لا تكف الموعظة غرب جهالته، ولا تفل النصيحة حد ضلالته، يصغي إلى الرشاد بمسمع أصم، ويعطس في العناد بأنف أشم، قد ملك عليه الشيطان مسارب عزمه، ومساري فكره، فناداه الخذلان بأن صمم فأصر، وقال له الشيطان تمم فاستمر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، نسأل الله رحمة يدخل في شمول عمومها، وعموم شمولها كل المسلمين، اللهم يا بر يا رحيم قنا عذاب السموم، يا رحمان يا رحيم، يا بر يا كريم، نجنا وأباءنا وأمهاتنا وإخواننا وأبناءنا ومشايخنا وأحبابنا وكل المسلمين من النار، آمين آمين والحمد لله رب العالمين.