أيها «الداعشي» نبينا متبوع وليس تابعا؛ هل تفهم؟
د. رشيد نافع
هوية بريس – الخميس 19 فبراير 2015
مشاهدة: “خطيب داعش يقول أنه لو كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم حيا لانضم لدولة…” على “YouTube“:
قلت: ما هذا الهراء والإسهال الفكري.
قلت: كلام سطحي تافه لا قيمة له إطلاقا.
قلت: إخسأ عدو الله فلن تعلو قدرك، فلقد قلت عظيما؛ “كبُرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا“.
قلت: ليست مستغربة من “داعشي”، فجدهم ذو الخويصرة تطاول على مقام النبوة واتهم نبينا عليه الصلاة والسلام بالجور عدم العدل في قسم قسمه بين أصحابه رضوان الله عليهم
وقضى الله بحكمته أن يزرع الشيطان بذرته في نفسٍ خبيثةٍ حملت أولى نوازع الهوى والبدعة، ألا وهو ذو الخويصرة الذي اعترض على قسمة النبي – صلى الله عليه وسلم – في المال الذي بعث به علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- إليه من اليمن فقال هذا الرجل : إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله فلما انصرف الرجل قال النبي -صلى الله عليه وسلم- محذراً أمته من فتنته: (دعوه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) رواه البخاري ومسلم، فكان هذا الرجل أول بذور الفتنة، وسلف الخوارج الذين اقتفوا أثره، وترسموا خطاه.
{كبُرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا}.
إنه لا قيمة ولا كرامة لأي انسان اذا أهين الأنبياء والمرسلون عليهم الصلاة والسلام، ذلك أن النبيين هم (قمة النوع الانساني) وخلاصة رصيد الأنفس والأعلى والأنبل في الطهر النفسي، والسمو الاخلاقي، والتحقق بـ”الإنسانية الكاملة” أو الكمال الإنساني، ومن هنا فأيما إهانة توجه إليهم ولو في صورة واحد منهم إنما هي إهانة تشمل الناس كافة. فالمتطاول على مكانة “الأعلى” إنسانيا وأخلاقيا. يسهل عليه -بداهة- انتهاك كرامة من هو أدنى من الأنبياء في هذا المجال.. ومن دون انتقاص من مقامات النبيين، فإن الناس قد تعارفوا على أن إهانة رأس الدولة تعني إهانة الشعب أو الأمة كلها
أهكذا يكون توقير نبينا صلوات ربي وسلامه عليه؟؟؟!!!!
فقد ألزمنا ربنا جلّ ثناؤه طاعته وتوعدنا على معصيته بالنار، ووعدنا باتباعه الجنة فأي رتبة تضاهي هذه الرتبة، وأي درجة تساوي في العلا هذه الدرجة.
فحق علينا إذاً أن حبه ونجلّه ونعظمه ونهابه، فبهذا نكون من المفلحين {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [لأعراف: من الآية157].
فالآية بينت أن الفلاح إنما يكون لمن جمع إلى الإيمان به تعزيره ولا خلاف أن التعزير هنا التعظيم.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح:8-9]، وقد ذهب جماعة من السلف إلى أن الضمير في قوله جلّ شأنه: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} راجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعناه: تعظموا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفخموه في أدب المخاطبة والتحدث إليه ومجالسته.
فهذه الآيات وغيرها نزلت لتبين مقام شرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظيم منزلته عند ربه.
واعلم أن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، وتوقيره وتعظيمه، لازم كما كان حال حياته؛ وذلك عند ذكره صلى الله عليه وسلم، وذكر حديثه وسنته وسماع اسمه وسيرته، وتعظيم أهل بيته وصحابته.
قال أبو إبراهيم التجيبي: “واجب على كل مؤمن متى ذكره -صلى الله عليه وسلم- أو ذكر عنده أن يخضع ويخشع، ويتوقر ويسكن من حركته، ويأخذ في هيبته وإجلاله بما كان يأخذ به نفسه لو كان بين يديه ؛ ويتأدب بما أدبنا الله به”.
يقول ابن قيم الجوزية في المدارج: “فرأس الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم: كمال التسليم له والانقياد لأمره، وتلقي خبره بالقبول والتصديق، دون أن يحمله معارضة بخيال باطل، يسميه معقولاً، أو يُحّمله شبهة أو شكاً، أو يقدم عليه آراء الرجال، وزبالات أذهانهم، فيوحد بالتحكيم والتسليم، والانقياد والإذعان، كما وحّد المرسِل سبحانه وتعالى بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل”.
وقال أيضاً في المدارج: “ومن الأدب معه -صلى الله عليه وسلم-: أن لا يستشكل قوله، بل تستشكل الآراء لقوله، ولا يعارض نصه بقياس، بل تهدر الأقيسة وتلقى لنصوصه، ولا يوقف قبول ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم على موافقة أحد”.
ولذا قال أبو بكر بن عيّاش كما في الشفا للقاضي عياض: أهل السنة يموتون، ويحيي ذكرهم، وأهل البدعة يموتون ويموت ذكرهم، لأن أهل السنة أحيوا ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لهم نصيب من قوله: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:4]، وأهل البدعة شنأوا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فكان لهم نصيب منقوله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}”.
قال القاضي عياض في الشفا: “اعلم -وفقنا الله وإيّاك- أنّ جميع من سب النبي صلى الله عليه وسلم، أو عابه، أو ألحق به نقصاً في نفسه أو نسبه أو دينه، أو خصلة من خصاله، أو عرّض به، أو شبهه بشيء على طريق السب له، أو الإزراء عليه، أو التصغير لشأنه، أو الغض منه، والعيب له؛ فهو سابٌّ له؛ والحكم فيه حكم الساب،…
وكذلك من لعنه أو دعا عليه، أو تمنى مضرة له، أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذّم، أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهُجر، ومنكر من القول وزور، أو عيَره بشيء مما جرى من البلاء والمحنة عليه، أو غمصه ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه”.
قلت: كيف تجرأ هذا القزم على مقام النبي عليه السلام، والأقزام مستمعون عنده ولا ينطقون، لقد طمس الله على أعينهم فلا يبصرون الحق، وأصم أذانهم فلا يسمعون {صمٌ بكٌم عميٌ فهم لا يعقلون}.
صاحب المقام المحمود، واللواء المعقود، خليل الله، صلى الله عليه وسلم، تجعله فرداً من أفراد دولتك الدموية، وتابعا لخليفتك. ولانضم إليكم ألا شاهت الوجوه، ألا شاهت الوجوه.
لو نطق بها أحد من غيرهم كفّروه بل وذبحوه كما تذبح الشياه…
“وكما أنه لا معبود إلا الله فكذلك لا متبوع إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم”.