سوء العلاقة بين التلاميذ والأساتذة في مقاطع الفيديو المنتشرة، ما أسبابها؟
بوجمعة حدوش
الخميس 26 فبراير 2015
انتشرت في الآونة الأخيرة الكثير من مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعية وعلى الصحف الالكترونية، يَظهر من خلالها العلاقة المتردية التي أصبحت تجمع الأطر التربوية بالتلاميذ، حيث أصبح انعدام الاحترام والاستهزاء وسوء الأخلاق هي المعايير التي تحكم بعض التلاميذ بالمدرسين و بالأطر التربوية بصفة عامة، مما يستلزم من كل العاملين في الحقل التربوي من أساتذة وطلبة باحثين وغيرهم من المسئولين والمشتغلين في المجال التربوي البحث عن أسباب توتر العلاقة بين المتعلم والمدرس، خصوصا وأن هذا الموضوع لا تقتصر خطورته على المحيط التربوي فقط، بل تمتد لتشمل جميع الميادين الاجتماعية والمؤسساتية.
لذلك ارتأينا أن نبحث عن أبرز أسباب هذه الظاهرة، لأن معرفة الداء ضروري لتشخيص الدواء. فوجدنا أن أبرز أسباب الظاهرة تتجلى في النقط التالية:
الإهمال الأسري: حيث أن المشاكل الأسرية والتي تتمثل غالبا في الخصومات المتكررة بين الزوجين، وما ينتج عن ذلك من طلاق أو شقاق ثم افتراق يكون سببا مباشرا في إهمال الأبوين لأبنائهما، مما يجعل الأبناء وهم في مرحلة المراهقة تحكمهم علاقات أخرى ضارة تساهم في تطرفهم الخلقي مما يعود بالسلب على محيطهم الاجتماعي والمدرسي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الثورة التكنولوجيا والمعلوماتية التي دخلت بيوت كثير من الأسر المغربية ساهمت في ظهور فجوة كبيرة بين الأبوين وأبنائهم، إذ أصبح الكثير من الآباء يمنعهم الوقت الذي يقضونه مع شاشات التلفاز أو مع حواسبهم أو حتى مع هواتفهم من تفقد أحوال أبنائهم الدراسية، فينتج عن كل ذلك، تلك المقاطع التي نشاهدها على صفحات التواصل الاجتماعية.
الإعلام: فالإعلام لا يقل خطرا عن الإهمال الأسري في تفشي العلاقة اللاأخلاقية بين التلميذ والمدرس، وذلك من خلال ما تنتجه بعض القنوات المغربية والعربية بصفة عامة من منتجات تجعل من المتعلم إنسانا سلبيا في تعامله مع محيطه المدرسي، “فأفلام العنف أو الرعب” التي يشاهدها التلاميذ على هذه القنوات وهم في مرحلة المراهقة تجعل عقلهم الباطني يستقبلها ويحتفظ بها في اللاشعور، مما يجعلهم متحمسين لتطبيق مثل تلك الحركات القتالية أو العنيفة في محيطهم الاجتماعي أو المدرسي عند أول فرصة تتاح لهم، وهذا ما يفسر ظهور ما يسمى “بتشرميل”، أضف إلى ذلك بعض الأفلام التي يكون محور موضوعها علاقة المتعلم بالمدرس، إذ تعمل هذه الأفلام على إبراز الطرق والوسائل التي يستعملها التلاميذ من أجل الاستهزاء و إضحاك زملائهم على أساتذتهم، مثل فلم “قسم رقم 8” الذي أنتجته القناة الثانية أو “مدرسة المشاغبين” الذي أنتج في مصر. فكيف لفيلم يدعي ويزعم معالجة ظاهرة الشغب في الفصول الدراسية أن تتمحور جل دقائقه التسعين حول كيفية استهزاء التلميذين بأستاذتهما، لينتقل المخرج في الدقائق الأخيرة فقط إلى إنهاء الفيلم بلقطات يتصالح فيها التلميذين مع أستاذتهما، فمثل هذه الأفلام التجارية لا تعالج ظاهرة معينة بل تكرسها وتزيد في انتشارها.
سوء الأوضاع الاجتماعية: إذ أن الخلل إذا أصاب مكونات المجتمع ككل فإنه يساهم في تردي العلاقة بين التلميذ ومحيطه المدرسي ولو بطريقة غير مباشرة, فسوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية في المجتمع وتدني الخدمات الاجتماعية في المستشفيات والإدارات العمومية يجعل من نفسية المتعلم المراهق غير متزنة ومحتاجة إلى إفراغ كل ما يحمله في نفسه من شحنات في محيط معين، وأفضل محيط يتيسر له أن يفرغ فيه ما بداخله هو المحيط المدرسي، أضف إلى ذلك الصحبة السيئة وما ينتج عنها من مخدرات وسوء الأخلاق وغير ذلك من الأمراض الاجتماعية التي تساهم في خلق إنسان غير متزن سلوكيا وأخلاقيا مما يزيد في حدت ظاهرة الشغب المدرسي.
سوء تدبير المُدرس للفصل الدراسي: إضافة إلى كل تلك الأسباب التي ذكرناها قد يكون المدرس هو سبب سوء العلاقة بينه وبين المتعلمين وذلك من خلال مجموعة من الحيثيات التي تدخل في ذلك، وهي إما أن المدرس لا يفرض على المتعلمين احترامه، وذلك من خلال سلوكياته وتصرفاته، أو أنه لا يقدم المادة العلمية المطلوب تشاركها مع المتعلمين بطريقة جيدة، أو أنه لا يوفر جو تعليمي جذاب ونشيط، فتتحول الحصة الدراسية إلى حصة للملل والتثاؤب مما يجعل بعضهم يعوض ذلك الملل بأساليب غير تربوية مع مدرسيهم، أو سوء تعامله مع المراهقين بعدم استخدام الأساليب والوسائل التي يحبذونها، لأن المتعلمين باعتبارهم مراهقين يرفضون تماما أن يحدثهم المدرس من برج عال بتكبر أو عجرفة، بل يحبذون أن يجعل المدرس من كل المتعلمين أصدقاء له. وغير ذلك من الأمور التي يكون المدرس هو سببا في الاستهانة به واحتقاره على الطريقة التي نشاهدها في مثل تلكم المقاطع على صفحات المواقع الاجتماعية.
ولا أنسى أن المنظومة التعليمية المغربية تتحمل جزءا من هذا المشكل المدرسي، حيث أنها وضعت بعض القوانين التي تجعل من المتعلم إنسانا ربما لا يُناقش في الفصل الدراسي، إذ عمدت هذه القوانين إلى إعطاء المتعلم حرية كبيرة في الفصل الدراسي في المقابل قيدت حرية الأستاذ اتجاه تعامله مع المتعلم، مما جعل الأخير سيد الفصل الدراسي لا المدرس.