المرأة بين مجتمَعَين
د. محمد ويلالي
هوية بريس – الإثنين 09 مارس 2015
مضى قرابة أربعين سنة عن الإعلان عن اليوم العالمي للمرأة، الذي توخى مؤسسوه الغربيون أن يرتقوا بالمرأة إلى درجة المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق، والواجبات، والكفايات، والتشريعات، فكانت النتيجة مختزلة في صرخة العالم الاجتماعي الفرنسي (برنار أوديل) حين قال: “انقذوا العائلة من الاستلاب، انقذوا العائلة من التفكك“.
وقول المهتدية إلى الإسلام (سالي جان مارش): “لقد لاحظتُ أن المشكلات العائلية التي يعاني منها الغرب لا وجود لها بين الأسرة المسلمة، التي تَنعَم بالسلام والهناء.. لقد أحببتُ هذه الجوانب من الحياة الإسلامية حبًّا كثيرًا، لأنه يمنح الزوج والزوجة والأبناء ما لا بدَّ لهم منه، من حب، وإخلاصٍ، وسلامٍ يَعمُر حياتهم.. وهذا مفقود في المجتمعات الأخرى”.
فما سر هذه السعادة المفترض أن تشيع في المجتمعات الإسلامية، وما سبب افتقادها في المجتمعات الغربية؟
إن في الإسلام ثوابت أصيلة تحكم الأسرة المسلمة، يغذيها كتاب الله، وتسيجها سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم، الذي ما بعثه الله إلا رحمة للعالمين. “لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ“، وتجسد تطبيقها سير الصالحين. وسنترك هذه النصوص والقصص تُفصح عن إرساء هذه الثوابت في المجتمع المسلم، مقتصرين على خمس منها:
1ـ اعتبار أحدِ الزوجين الآخرَ سبيلَ دخوله إلى الجنة:
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمة الْحُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ، وقد أَتَتِ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – فِي حَاجَةٍ، فَلما فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا، قَالَ لَهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: “أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟”. قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: “كَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟”. قَالَتْ: مَا آلُوهُ (ما أقصر في حقه) إِلاَّ مَا عَجَزْتُ عَنْهُ. قَالَ: “فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ” رواه أحمد وهو في صحيح الترغيب.
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: “مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنَ اللَّيْلِ، وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ، فَصَلَّيَا رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا، كُتِبَا مِنَ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ” صحيح سنن أبي داود.
2ـ اعتبار كل واحد منهما مسؤولا عن الآخر يوم القيامة:
فعن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إن الله سائل كل راع عما استرعاه: حفظ أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته” صحيح الترغيب.
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: “والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها” البخاري.
3ـ وضع ميثاق التفاهم بينهما:
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في خطبة حجة الوداع، وهي من آخر ما أوصى به -صلى الله عليه وسلم-: “أيها الناس، إن لنسائكم عليكم حقا، ولكم عليهن حق ألا يوطئن فرشكم غيركم، ولا يُدخلن أحدا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم، ولا يأتين بفاحشة.. فإن انتهين وأطعنكم، فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإنما النساء عوانٍ عندكم -يعني أسيرات-، ولا يملكن لأنفسهن شيئا، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فاتقوا الله في النساء، واستوصوا بهن خيرا، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد” صحيح سنن ابن ماجة، وبعضه في صحيح مسلم.
وهذا أبو الدرداء -رضي الله عنه-، يتعاقد مع زوجته الصالحة أمِّ الدرداء على أساس تحقيق السعادة بينهما، فيقول لها: “إذا رأيتِني غضبتُ فَرضِّني، وإذا رأيتكِ غضبى رَضَّيْتُكِ، وإلا لم نصطحب”، ثم أنشد:
خذي العَـفو مني تستديمي مـودتي***ولا تنطقي في سَورَتي حين أغضبُ
ولا تنقـريني نـقــركِ الـدفَ مـــرةً***فإنـك لا تـدريـن كـيـف الُمغّـيـــــبُ
ولا تُكثري الشكوى فتذهبَ بالهوى***ويأبـاك قـلـبـي والقـلـوب تـقـلـــبُ
فإني رأيتُ الحبَ في القلبِ والأذى***إذا اجـتمعا لم يلـبث الحـبُ يذهـبُ
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: “ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة؟ الودود، الولود، العؤود، التي إذا ظُلمت أو أسيء إليها، قالت (لزوجها): هذه يدي في يدك، لا أذوق غُمضا حتى ترضى” صحيح الجامع.
وسأل الشعبي شيخه القاضي شريحا -يوما- عن حاله في بيته فقال: “من عشرين عاماً لم أر ما يغضبني من أهلي“. وذلك أنه من أول ليلة صليت ركعتين، وسلمت، فوجدتها بجنبي تصلي بصلاتي، وتسلم بسلامي، ثم حمدتِ الله وأثنت عليه، وقالت له: “أما بعد: فإني امرأة غريبة، لا علم لي بأخلاقك، فبين لي ما تحب فآتيَه، وبين لي ما تكره فأتركَه”. فقال لها شريح: “لقد قلتِ كلاماً، إن ثَبَتِّ عليه يكنْ ذلك حظكِ، وإن تَدَعيه يكن حجةَّ عليكِ، فإني أحب كذا وكذا، وأكره كذا وكذا، وما رأيتِ من حسنةٍ فانشريها، وما رأيت من سيئةٍ فاستريها”. فقالت له: “كيف محبتك لزيارة أهلي؟”. قال: “ما أحب أن يَمَلني أصهاري”. قالت: “فمن تحب من جيرانك أن يدخل دارك فآذنَ له، ومن تكرهُ فأكرَه”. قال: “بنو فلانٍ قوم صالحون، وبنو فلان قومُ سوء”. قال شريح: “فَمَكَثَتْ معي عشرين عاماً، لم أعتب عليها في شيء، إلا مرة، وكنت لها ظالماً”.
4ـ جعل الحياة بينهما جدا يتخلله مرح:
فعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَأَنَا جَارِيَةٌ لَمْ أَحْمِلِ اللَّحْمَ، وَلَمْ أَبْدُنْ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: “تَقَدَّمُوا”، فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ لِي: “تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ“. فَسَابَقْتُهُ، فَسَبَقْتُهُ، فَسَكَتَ عَنِّي حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ وَبَدُنْتُ وَنَسِيتُ، خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: “تَقَدَّمُوا“، فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ: “تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ“، فَسَابَقْتُهُ، فَسَبَقَنِي، فَجَعَلَ يَضْحَكُ وَهُوَ يَقُولُ: “هَذِهِ بِتِلْكَ” صحيح سنن أبي داود.
وقال -عليه الصلاة والسلام-: “إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في في امرأتك» متفق عليه.
5ـ العمل على تقليل الخلاف بينهما:
يقول الإمام أحمد بن حنبل في زوجته العباسة بنت المفضل: “أقامت أم صالح معي عشرين سنة، فما اختلفت أنا وهي في كلمة”.
ومن نادر ما روي عن الحسن البصري -رحمه الله- أنه قال: “وقفتُ على بَزَّاز (بائع الثياب) بمكة اشتري منه ثوبا، فجعل يمدح ويحلف، فتركته وقلت: لا ينبغي الشراء من مثله، واشتريت من غيره. ثم حججت بعد ذلك بسنتين، فوقفت عليه، فلم أسمعه يمدح ولا يحلف، فقلت له: وأي شيء أخرجك إلى ما أرى؟ ما أراك تمدح ولا تحلف. فقال: كانت لي امرأة، إن جئتها بقليل نَزَّرته، وإن جئتها بكثير قلَّلته، فنظر الله إلي فأماتها، فتزوجت امرأة بعدها، فإذا أردت الغُدُو الى السوق، أخذَتْ بمجامع ثيابي ثم قالت: يا فلان، اتق الله، ولا تطعمنا إلا طيباً، وإن جئتنا بقليل كثرناه، وإن لم تأتنا بشيء، أعنَّاك بمغزلنا”.
وقال الإمام الشافعي -رحمه الله-: “الحر من راعى وِدَاد لحظة، وانتمى لمن أفاده لفظة”.
ولستَ بمستبق أخا لا تلمه***على شعث أي الرجال المهذب
هذا هو الأصل في مجتمعنا الإسلامي، وهذه قيمة الزوجة فيه، فكيف حال المرأة -بعامةـ، والزوجة -بخاصة- في المجتمعات الغربية التي تزعم التقدم، وترفع شعار الحرية؟
لقد صدرت التقارير الغربية تندد بما آلت إليه المرأة الغربية من تدهور اجتماعي، واعتباري، ونفسي، وصارت المرأة الغربية العاقلة ترفع صوتها بغابة الرجل وتسلطه، وزيف دعوى المساواة التي ما جلبت عليها إلا مزيدا من الانتهازية والاستضعاف.
ففي فرنسا -على سبيل المثال- يوجد %70من الشابات الفرنسيات يعشن وحيدات بلا زواج، مع تسجيل نقص أعداد المتزوجات زواجًا شرعيًّا بمقدار 68000 ألف امرأة خلال ست سنوات فقط. و20% من الولادات تتم عن طريق الزنا، أي: خارج إطار الزواج. و%69 من النساء الراشدات يعملن، ومع ذلك %73 من طلبات الطلاق كانت من المرأة. و%25 من الوظائف، يمارس فيها التمييز الجنسي على النساء. و60% من الدعوات الهاتفية التي تتلقاها شرطة النجدة في باريس -في أثناء الليل-، هي نداءات استغاثة من نساء يُسيء أزواجُهن معاملتهن.
ولن نجد أبلغ -في ظلم المرأة هناك- مما أفصحت عنه “ميشال أندريه”، وهي أمينة سر الدولة لحقوق المرأة، تقول: “حتى الحيوانات تعامل أحيانًا أحسن من المرأة، فلو أن رجلاً ضرب كلبًا في الشارع، فسيتقدم شخص ما بشكوى إلى جمعية الرفق بالحيوان، ولكن إذا ضرب رجل زوجته في الشارع، فلن يتحرك أحد”،
وتشير الدراسات إلى أن 70% من الأمريكيين يخونون زوجاتهم. وفي مدينة هناك تدعى “سان ماتيه” -وهي من أكثر المدن تقدما وحضارة-، ثبت أن في كل 100 يتزوجون أول العام، 80 منهم يطلقون في آخره. ونصف العاملات، البالغ عددهن 40 مليون امرأة، يتعرضنَ للمضايقات الناجمة عن الجنس، وتمتنع الكثيرات منهن عن الشكوى والتظلم من هذه المضايقات خشية أن يَفْقِدنَ عملهنَّ.
تقول إحدى الزوجات في لقاء معها حول الخيانة: “كنت أعلم أنه يخونني، وكان كل مرة يحلف لي أنها الأخيرة، فأُصدِّقه، ولكن عندما أراه يبتسم لبائعة في السوبر ماركت، أعلم أنني فقَدت فيه الثقة إلى الأبد”.
وفي دراسة أعدها المكتب الوطني الأمريكي للصحة النفسية، جاء أن 17% من النساء اللواتي يدخُلن غرف الإسعاف، هنَّ من ضحايا ضرب الأزواج أو الأصدقاء، وأن نسبة 83% من النساء اللواتي دخلن المستشفيات سابقًا مرة على الأقل للعلاج من جروح وكدمات أُصِبْنَ بها، كان دخولهن نتيجة للضرب.
وأجمل “إفان ستارك” (مُعِدُّ دراسة فحصت 1360سجلاً للنساء في المستشفيات): “إن ضرب النساء في أمريكا ربما كان أكثر الأسباب شيوعًا للجروح التي تصاب بها النساء، وإنها تفوق حتى ما يلحق بهنَّ من أذًى نتيجة حوادث السيارات، والسرقة، والاغتصاب مجتمعة”.
فقارن أيها اللبيب بين هذين العالمَين، وانظر مكانة المرأة في المجتمَعَين، ثم احكم بنفسك، والله يتولاك ويرعاك.