حوار ساخن على مائدة الغداء!
د. شادي كسكين
هوية بريس – السبت 14 مارس 2015
كانت رائحة الطعام تملأ صالة استراحتنا من العمل.. جلستْ زميلتي على الكرسي المقابل لي تنتظر أن يبرد طبق السمك الساخن.. نظرتْ إلي فرأيت في فمها شهية للحديث لم تتأخر كثيراً.. قالت لزميلي على المقعد المجاور وهو يبعد شعره الكثيف عن وجهه: جيد أن تعتني بشعرك كي لا تصاب بالصلع كبقية الرجال! علت ضحكات الجالسين وهم يلتفون إليّ فوحدي أنا في المكان من فقد شعر رأسه في وقت مبكر!
قلت لها: الصلع لا يصيب الرجال فقط بل قد يطال سيدة في الخمسينيات من العمر قريباً..!! وعلت الضحكات مرة أخرى على رديً السريع! ابتسمت بخبث واضح قائلة: لا مشكلة.. عندما أصاب بالصلع سأصبح مسلمة وأرتدي هذا الذي تفرضونه على المرأة وحدها وتسمونه “الحجاب”!! توجهت إلي هذه المرة مكلمة حديثها: بالمناسبة لماذا لا تفرضون الحجاب على الرجال أيضاً؟! لماذا تفرضونه فقط على النساء؟!!
قلت لها: أمممم حسناً سأجيبك.. لماذا ترتدي مريم البتول وحدها الحجاب ولا يرتديه المسيح عليه السلام؟ لماذا وحدهن الراهبات والذاهبات إلى الكنيسة يوم الأحد هن من يرتدين غطاء الرأس وليس القساوسة؟ لماذا النساء فقط وليس الرجال؟؟!
ساد الصمت القاعة هذه المرة وبدا الجميع مهتماً بالسؤال. قالت لي وعلامات الغضب تتسرب إلى وجهها: حسناً اسمع! نحن نرتدي غطاء الرأس فعلاً عندما نذهب إلى الكنيسة كتعبير عن إحترام الرب… هذا كل ما في الأمر؟! ابتسمت ابتسامة مشرقة قائلاً:
جميل!! في الحقيقة: أنتم قررتم أن تحترموا الرب لساعة واحدة يوم الأحد.. أما نحن المسلمون فنشبه مريم الطاهرة البتول عليها السلام ونحترم الرب طوال الوقت ومدى الحياة!!!
* * *
كان الطعام قد برد وبدا لزميلتي أن عليها تسخينه من جديد.. عادت لمقعدها مرة أخرى قائلة: لكن ألا تعتقد أن الإسلام يضطهد المرأة.. صدقني عندما أسمع أن المرأة في الإسلام ليست كالرجل الذي يمكنه أن يتزوج من مسيحية أو يهودية أما هي فلا اشعر بالحزن وأكاد اصرخ هذا ظلم!! عندما تعطون المرأة نصف حصة الرجل في الميراث فهذا ظلم كبير.. أشعر أحياناً أني أريد أن أصرخ في وجوهكم هذا ظلم.. أين العدل؟!! أرجو أن لا تزعجك أسئلتي وصراحتي معك؟
قلت: على العكس تماماً أحترم الإنسان الذي يُعمل عقله ويبحث دائماً عن إجابات لأسئلته كي يطور معرفته.. بالنسبة للمثال الأول هل كان السؤال لماذا تمنعون حرية المرأة من أن تتزوج المسلمة من يهودي أو مسيحي؟ قالت لي: نعم.. قلت حسناً من أجل أن نضمن حرية المرأة!!!
فغرت فاها قائلة هل تمزح؟ ضحكت قائلاً: أنا لا أمزح.. هل تؤمنين كمسيحية بمحمد صلى الله عليه وسلم؟ قالت لي: لا.. حسناً أما أنا فأؤمن بكل الأنبياء بما فيهم موسى وعيسى عليهم السلام.. إن هذا جزء لا يتجزأ من عقيدتي كمسلم.. هل يمكنك أن تتخيلي أن كل محبتي لمحمد صلى الله عليه وسلم واقتناعي بديني يمكن أن يختفي ويتبخر في لحظة واحدة إن فكرت لثانية واحدة أن أشتم أحد الأنبياء أو أسيء إلى أحدهم… سأخرج من دين الإسلام تماماً إن أسأت إلى موسى أو عيسى عليه السلام.. لن أكون مسلماً أبداً! هذا يفسر لك ربما لماذا لا يرد المسلمون على الإساءة إلى النبي محمد بالإساءة إلى عيسى أو موسى عليهم السلام.. لأنه لا يمكنهم ذلك لأنهم عندئذ يكونون قد أساءوا إلى اعتقادهم ودينهم.. والآن عندما يتزوج رجل مسلم من مسيحية أو يهودية فالإسلام يضمن لها أن يحترم زوجها المسلم دينها كامل الاحترام… لا إساءة ولو بمجرد كلمة.. الكلمة التي تسيء إلى موسى وعيسى أو أي نبي تخرجنا من دين محمد.. كثيرون يرافقون زوجاتهم غير المسلمات لإيصالهن إلى الكنيسة قبل أن يكملوا طريقهم إلى المسجد لأداء الصلاة.. في المقابل: لو تزوج مسيحي مسلمة ورزقت منه بأطفال رائعين.. ألا يُحتمل في غمرة نقاش أو خلاف ما أن يشتم دينها ويسيء إلى نبيها أمام أطفالها؟!! ما الذي سيمنعه إن كان لا يؤمن بمحمد وقد لا يُكِّن له الاحترام أصلاً.. هل تتخلين مدى الألم والاضطهاد الذي ستشعر به المرأة.. من أجل أن لا يسيء أحد إلى حرية اعتقاد المرأة فإن الله هو من ضمن لها حرية اعتقادها!!!!
* * *
لقد جذب هذا الحديث الجميع دون استثناء ولعل بعضهم يتعرف إلى هذه الحقائق للمرة الأولى… بدا لي أن الاهتمام والقبول يتزايد عند زميلتي التي فضلت أن تطلب مني الإجابة على المثال الثاني على أن تبدأ بتناول طعام الغداء.. قلت لها: الآن وقبل أن أدخل في تفاصيل المثال الثاني فإن إشكالية المتدينين أنهم يُقَيِّمُون بقية الأديان بمعاييرهم وليس بمعايير الدين الذي يقيمونه! قالت لي: لم أفهم كيف ذلك؟
قلت لها: إذا كانت أنظمة الأديان السماوية الثلاث متشابهة فلماذا نتحدث عن ثلاثة أديان وليس دين واحد؟ الحقيقة أن لكل دين نظامه ونظام الإسلام مختلف تماماً عن أنظمة المسيحية واليهودية.. في نظام الإسلام نحن نؤمن إيماناً عميقاً راسخاً بكل ما يقوله الله ورسوله محمد ودون أن نعرف الحكمة أحياناً لكن عندما نريد أن نتحدث عن جزء من النظام الإسلامي لا نستطيع الحديث عنه بمعزل عن بقية الأجزاء… إن جميع القوانين والأحكام في الإسلام مترابطة مع بعضها البعض بشكل محكم.. إن هذا المبدأ جزء من خصوصية الإسلام التي تميزه عن غيره من الأديان وعلينا أن نفهم هذا المبدأ بشكل واضح لكي لا نقع في الخطأ والخلط؛ الأمر الثاني إن علينا أن لا نحكم على الأمور من عناوينها فقط.. علينا أن نستمع إلى التفاصيل… العنوان في نظام الميراث على سبيل الثمال يقول لك: “للذكر مثل حظ الأنثيين“… ستصرخين في وجهي مباشرة وتقولين: “هذا ظلم”… إن هذا يشبه حالنا تماماً حين نتحدث عن رواتب العمل… إنني أتقاضى راتباً أعلى من راتبك رغم أننا نعمل في ذات المهنة وفي ذات الشركة… هذا هو العنوان الذي يَشي بالتأكيد بالظلم.. أليس كذلك؟ هزت رأسها موافقة! حسناً ألن يتغير الحُكم حينما نتحدث عن التفاصيل… التفاصيل تقول إنني أعمل منذ سبعة سنوات في هذه الشركة بينما تعملين أنت منذ سنتين فقط وهذا يَخلق فرقاً في الراتب تبعاً للأقدمية.. بقية الاسباب تعرفينها ولا داعي لإكمالها… إذن لقد اصبح السبب وراء فرق الراتب بيننا مفهوماً عندما تحدثنا في التفاصيل وغيرنا قناعتنا وأحكامنا على الشركة التي نعمل فيها حينما تجاوزنا العنوان العريض وربطناه بالتفاصيل.. وإلا سيستمر حكمنا على هذه الشركة بالظلم واضطهاد النساء التي تعمل فيها..!! هزت راسها موافقة تماماً..
الآن عندما نأتي لنظام “الميراث في الإسلام” فإن علينا أن نفهم وفقاً للمبدأ الأول الذي ذكرته أنه مرتبط بنظام ” الزواج في الإسلام ” وربما أنظمة أخرى… سنكتشف هذا الأمر بشكل أوضح حينما نتحدث في التفاصيل وفق المبدأ الثاني… الجميل في الأمر أنني أمثل أمامك مثالاُ واقعياً.. فأنا متزوج ولدي ثلاثة أطفال.. ولد وابنتان… عندما يحين أجلي وأغادر الحياة فإن الميراث الذي سأتركه سيوزع بينهم وفق العنوان: “للذكر مثل حظ الأنثيين”، ولو افترضنا أن مجموع المال الذي تركته كميراث بعد حصول زوجتي ووالدتي على حصتهما منه كان مائة ألف كرون سويدي فإن حصة ابني ستكون خمسين ألف كرون سويدي وحصة كل ابنة من بناتي خمسة وعشرون ألفاً فقط…!!! إذا توقفت هنا ستصرخين في وجهي كما قلت: “هذا ظلم”…!
ولكن لننتظر قليلاً.. ما الذي سيحدث؟ الذي سيحدث أن ابني وفق النظام الإسلامي هو من يلزمه الإنفاق على نفسه و أُختيه.. وهكذا فإن ابنتاي ستضعان حصتهما من الإرث في الجيب كتوفير فيما سيبدأ ولدي بالإنفاق عليهما… وعليه وفق النظام الإسلامي أن يؤمن لهما الطعام والشراب والثياب وثمن المواصلات ومصروفهما الشخصي وأن يدفع أجار المنزل وفواتير الماء والكهرباء والضرائب.. وإذا كانت ابنتاي تدرسان فإن مصاريف الجامعة ستضاف إلى قائمة النفقات السابقة… ربما يكون الوقت قد مرّ وبدأت ابنتاي في العمل.. هذا لن يغير شيئاً فالرجل هو الملزم بالإنفاق وما تقدمه المرأة يعود لقرار منها تكرماً لا فرضاً.. وهكذا سنرى أن ابنتاي تقبضان راتبهما الشهري وتضيفانه للمال الذي قبضتاه كميراث دون حاجة لإنفاق دولار واحد منه ما دام أخوهما هو الملزم بالإنفاق.. إن ولدي سيدفع كل ما سبق من راتبه الذي قد لا يكفيه وسيضطر للاستعانة ببعض المال الذي تركته له.. وعندما تصبح ابنتي في سن الزواج وتجد شريك الحياة الجديدة فإن على الشاب الوسيم المتقدم لخطبتها أن يقدم لها هدية ثمينة تدعى في الإسلام “المهر” كمقدمة للزواج.. في الحقيقة لا يهم أن تكون الهدية بمائة ألف كرون أو أقل فهذا الأمر يتعلق بوضعه المالي وقدرته لكنه على أي حال سيقدم شيئاً من الهدايا لابنتي تضاف إلى رصيدها الذي تمتلكه من ميراثي وراتبها… وعندما سيتزوجان فإن الشاب هو الملزم بكل ما التزم به ولدي مع أختيه فهو الذي عليه أن يؤمن منزل الزوجية ويشتري اثاثه وعليه أن يشتري ثياب الزفاف وما إلى ذلك قبل أن تبدأ قائمة النفقات السابقة.. إنه وحده الملزم بذلك وما تود ابنتي أن تقدمه هو قرار يخصها وحدها دون أي إلزام.. ومن بعد وعندما يرزقان بأطفال فإن زوج ابنتي العزيز هو الملزم بالإنفاق على أطفاله طعاماً وثياباً والقائمة تطول… أما عندما نعود لولدي الذي بلغ مبلغ الشباب ويبحث عن زوجة مناسبة فإن أمامه طريق طويل مماثل لما ذكرناه وعليه أن يصبر لسنوات حتى يتمكن من دفع مهر زوجته وثمن مسكنهما والحكاية تتكرر كما ترين…. هكذا كما ترين تكون حصة ابنتاي من ميراثي في واقع الأمر أكبر من حصة ولدي بكثير، هل ما زلت ترين في قوانين الإسلام ظلماً للمرأة عزيزتي؟!! صرخت في وجهي يا إلهي!
قلت لها: عفواً ماذا قلت؟ قالت ضاحكة: يا إلهي لقد برد الطعام!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الجمعية الدولية للعلوم والثقافة – السويد – فبراير 2015م.