د. رفوش وذ. القباج يؤطران ندوة بمراكش احتفالا باليوم الوطني للمجتمع المدني
هوية بريس – متابعة (مراكش)
الثلاثاء 17 مارس 2015
نظمت “جمعية الخير والتعاون للتنمية البشرية” بتعاون مع “جمعية حلم الشباب” و”الجمعية الرياضية للصناع التقليديين”، أول أمس الأحد 15 مارس بدار المواطن بحي المحاميد بمراكش: ندوة وطنية تحت شعار: “المجتمع المدني رؤية نحو الترشيد النافع“.
وقد أطر الندوة كل من الدكتور عادل بن المحجوب رفوش (المشرف العام والمدير العلمي لمؤسسة ابن تاشفين للدراسات والأبحاث والإبداع) والأستاذ حماد القباج (المدير التنفيذي للمؤسسة وعضو لجنة الحوار الوطني حول المجتمع المدني سابقا).
افتتحت الندوة بتلاوة قرآنية.
أخذ بعدها الكلمة الأستاذ حماد القباج الذي ألقى محاضرة بعنوان: “المجتمع المدني المفهوم والعلاقة“.
وقد سلط فيها الضوء على مفهوم المجتمع المدني موضحا أن أصل ظهور هذا المصطلح يرجع إلى الصراع السياسي والاجتماعي الذي عرفته أوروبا منذ القرن الثامن عشر؛ بين طبقة الحكام ورجال الدين من جهة، وبين طبقات الشعب بقيادة فلاسفة الأنوار وقيادات بورجوازية: حيث ثارت الطبقات الكادحة لكسر شوكة الاستبداد الحاد وواقع احتكار السلطة والثروة من طرف الطبقة الأولى.
وفي هذا السياق قال المحاضر: “بعد إسقاط الشعوب الأوروبية لأنظمة الاستبداد عملت على حراسة السلطة من خلال الديمقراطية التي كانت بالنسبة إليهم الحل والمخرج من الاستبداد والظلم:
فرسخوا (الديمقراطية التمثيلية) بحيث يكون رجل السلطة ممثِلا لمن انتخبه من الشعب، وعززوها ب (الديمقراطية التشاركية) التي تهدف إلى إشراك منظمات المجتمع المدني في التدبير وصنع القرار بشكل مباشر، وإشراكها في عملية التنمية من خلال العمل التطوعي:
فالمجتمع المدني له دوران حسب القباج:
– سياسي: وهو المشاركة في السلطة وصنع القرار ومنع الحكومات من الاستبداد
– اجتماعي: ويتمثل في التعاون مع الدولة في رعاية ومساعدة الفئات الهشة
فالمجتمع المدني يشارك الدولة في السلطة كحق، ويشاركها في رعاية المجتمع كواجب.
ثم وضح أن أبرز سمات المجتمع المدني: الاستقلالية عن الدولة / التنظيم التلقائي / يرسخ روح المبادرة الفردية والجماعية والعمل التطوعي / يزرع الحماسة من أجل خدمة المصلحة العامة، والدفاع عن حقوق الفئات الضعيفة / مجتمع الإبداع / الضامن لمسيرة التقدم الحقيقي والدائم.
مشيرا إلى أن نوع العلاقات في المجتمع المدني: أفقية قائمة على التضامن والتسامح والاعتراف بالآخر والحوار.
ثم تطرق إلى الجواب عن سؤال: ما علاقة المفهوم بالفقه السياسي الإسلامي؟
قائلا: “الحقيقة المؤكدة: أن المعاني المتقدمة حاضرة بقوة في الفقه السياسي الإسلامي من خلال الشورى؛ بصفتها مبدأ أساسيا في التدبير السياسي كما يبينه النص وتؤكده تطبيقات رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين:
قال الله تعالى: {وأمرهم شورى}: أي: الحكم.
وهو ما فصلته السنة وسنة الخلفاء الراشدين، مما يؤكد دور هذا التشريع في منع الاستبداد.
كما وضح أن المفهوم الاجتماعي للمجتمع المدني؛ حاضر بقوة في الفقه السياسي في الإسلام: فالدولة فيها بيت المال وتأخذ على عاتقها واجب كفالة المحتاجين، وفي الوقت نفسه تشرع نشاط الناس في الإحسان وتحسين الأوضاع الاقتصادية.
ثم خلص المحاضر الأول إلى نتيجة ختامية مفادها أن الفقه السياسي الإسلامي يستوعب مفهوم المجتمع المدني ويثريه ويتفق مع مقاصده النبيلة ويشجع دوره في منع الدولة من الاستبداد والتعاون معها على تنمية المجتمع وترقيته.
في مداخلته تناول الدكتور عادل رفوش موضوع: “الأسس الشرعية للعمل التطوعي“.
وقد أبرز في مستهلها أن مفهوم المجتمع المدني له ارتباط بمفهوم الديمقراطية، وأن هذه المفاهيم يجب أن تعرض على ميزان الشريعة فيقبل ما يوافق أحكامها ومقاصدها ويرد ما يخالف ذلك.
ثم وضح أن لُب فلسفة المجتمع المدني هو إشاعة وترسيخ ثقافة وسلوك العمل التطوعي، وهو ما تناولته الشريعة بشكل عميق وشمولي ومؤثر.
وجماع ذلك وأصله مفهوم البركة قائلا: “إننا في العمل الجمعوي نخاطب أقواما جعلوا من الأنبياء أئمتهم في الاهتمام بفعل الخيرات كما وصفهم الله سبحانه: “وأوحينا إليهم فعل الخيرات“..، ونخاطب أناساً جعلوا هدي عيسى عليه السلام في إشاعة الخير بين كافة الناس شعاراً ودثاراً فهم بركة على مجتمعاتهم ونماء على أوطانهم، كما كان هذا النبي الكريم إذ تعزز بمنة الله عليه إذ يقول: “وجعلني مباركاً أينما كنتُ“.
كما أن نصوص القرآن طافحة بالأمر بفعل الخير كقول الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون“؛ مبرزا ما يستنبط من عطف الأمر بفعل الخير على الأوامر بالركوع والسجود والعبادة.
بعد هذا أفضى الدكتور إلى قصة موسى والخضر عليهما السلام مستنبطا منها ما يرسخ مفهوم العمل التطوعي الذي يتجرد من التطلع إلى المقابل:
وهو ما يدل عليه قول الله تعالى: {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف:77،78].
بعد ذلك انتقل إلى استنباط هذا المفهوم من سورة الماعون، موضحا أن السورة أعلت من شأن الإحسان والتطوع بفعل الخير لدرجة ربطها بين التكذيب بالدين ودع اليتيم وعدم الحض على طعام المسكين: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الماعون:1-3].
وفي ختام مداخلته أكد الدكتور رفوش أن العمل الجمعوي في عمقه هو مجموعة من القيم العليا لا يجوز التغافل عن ضرورة بثها في الناس حتى تصير معادلةً قائمة في مناحيها الخمسة الكبرى:
– قيمة العمل بحيث ينبعث الفرد من جو البطالة والسلبية.
– قيمة التطوع بحيث نعلي من شأن المصالح العامة وإرادة النفع العام الذي لا ينحصر في فروض الأعيان.
– قيمة الجماعة التي تجسد بركة التعاون وتحارب الأنانية وتقوي من الفاعلية والتأثير.
– قيمة المجتمع التي تجعل الأوطان في نفوس العاملين مطلباً مقدساً قد شخصه الفقهاء في أبواب عديدة فيما يسمى حديثاً بالفقه الاجتماعي وقديما: فروض الكفايات.
– قيمة الأمة التي جعلت الشريعة أجزاء أوطاننا الإسلامية بها جسدا واحدا وبنيانا متراصا لا قيمة لأعمالنا ما لم تمس بركاتها جيراننا وإخواننا والإنسانية جمعاء.
يشار إلى أن جنبات دار المواطن غصت بحضور مكثف تابع فعاليات الندوة باهتمام كبير.