النقـاب الذي أثيرت حول مرتدياته الإشاعات
ذ. نبيل غزال
هوية بريس – الخميس 26 مارس 2015
لا يجب أن نغفل أبدا ونحن نفتح النقاش حول موضوع النقاب أننا لا نتحدث عنه في فرنسا أو غيرها من دول القارة العجوز أو الغرب عموما؛ بل نتحدث عنه في المغرب؛ البلد المسلم الذي عاش أهله تحت ظلال الشريعة الإسلامية أكثر من أربعة عشر قرنا؛ والذي كانت نساؤه منذ أن شعَّ نور الرسالة على هذه الأرض وإلى الأمس القريب يرتدين النقاب والحايك؛ ولا تظهر منهن سوى عين واحدة؛ ولم يكن هذا الأمر مقتصرا على البوادي أو المناطق الصحراوية كما يدعي بعضهم؛ بل كان منتشرا وسائدا في كل مناطق المملكة بما فيها المدن الكبرى كفاس وطنجة ومراكش.. وغيرها؛ كما هو الحال بالنسبة للدول المغاربية الأخرى والإسلامية أيضا.
هكذا كانت المرأة في المغرب؛ ثم مع دخول الاحتلال أراضي بلدنا الحبيب عمل هذا الأخير على تغريب المرأة المغربية وتشكيكها في دينها؛ وإحلال منظومة القيم الغربية المادية محل القيم الإسلامية.
وأمام ضعف العلم الشرعي وقوة الضغط الغربي المدعوم بالطابور العلماني انتقل هذا اللباس عند كثير من النساء مع الأسف الشديد من العبادة إلى العادة؛ وصارت النساء يتساهلن في هذا الموضوع؛ فانتقلت المرأة في المغرب من اللباس الذي يستر جميع البدن إلى لباس يستر البدن ويكشف عن العينين والأنف؛ ثم إلى الجلابة واللثام؛ ثم إلى الجلابة وغطاء الرأس؛ ثم إلى الجلابة دون غطاء رأس؛ ثم إلى جلابة بفتحات عريضة في الجانب؛ ثم إلى لباس إفرنجي اقتصر في البداية على لباس طويل يتشكل من قميص وتنورة (صاية) طويلة؛ ثم إلى قميص وسروال؛ ثم إلى تنورة تصل إلى الركبة ثم إلى نصف الفخذ؛ ثم إلى اللباس الذي أصبحت تعج به كثير من شوارعنا اليوم؛ والذي يكشف عن معظم مفاتن المرأة.
ولم يقف المغاربة مكتوفي الأيدي أمام هذا الغزو الهمجي الغربي على منظومة القيم الإسلامية؛ فقد رفع ساكنة الرباط خطابا للملك محمد الخامس يشكون فيه من «انحلال الأخلاق وتدهور المجتمع بصورة لم يسبق لها مثيل»، وقالوا:
«إن الاستعمار قد انتزع فكرة الحلال والحرام من نفوس أبنائنا الذين رباهم على يده، والسياسة التعليمية التي وضعها ما تزال متبعة في أكثر خطوطها، فإذا كان هذا الذي عرضناه من نتائج المدرسة الاستعمارية لا يرضي المسؤولين عندنا -واعتقادنا أنه لا يرضيهم- فعليهم أن يأخذوا الأمر بجد، وأن يضربوا ببرامج التعليم الاستعمارية عرض الحائط، ويضعوا سياسة تعليمية جديدة قائمة بأنوار الثقافة الحقة والحضارة الإسلامية، وإلا فإن الأمر سيفضي بهم وبنا إلى ما لا تحمد عقباه، وما هذا النموذج الذي عرض نفسه علينا وأطلعناهم عليه إلا مثال مما سيصير إليه المواطنون المغاربة من الاستهتار بالقيم الخلقية ولوثة العقل والثورة على كل الأوضاع القائمة وتقويضها من أجل قيام الوضع الذي زينه لهم في صحافته؛ ويدعوهم إليه بمختلف الوسائل». (كتاب معارك للشيخ عبد الله كنون رحمه الله تعالى؛ ص:275-285).
ووصف الأستاذ محمد بن أحمد اشماعو في كتابه (المجتمع المغربي كما عرفته خلال خمسين سنة، من عام 1350م إلى عام 1400هـ) (ص:23) عن طبقات المجتمع المغربي الغنية والمتوسطة والفقيرة قائلا: (بما أن النساء كن محجبات -في الطبقات الثلاث- لا تبرز للعيان الجميلة منهن والعادية والدميمة، فإن الزوج -غالباً- ما كان يحمد الله على القسمة، ويتصور أن زوجته هي سيدة النساء، حتى ولو كان من الذين سبق أن تعرفوا على جوانب الحياة كلها الخفي والظاهر منها، ذلك لأن الزوجة تمتاز بأنها المأوى الأمين والرفيق في دروب الحياة، والمساعد على تكاليف وأعباء العيش، والصابرة عند الضائقات، فعلى هذا تكون الزوجة كريمة وغالية عند الكرام الغلاة).
فانطلاقا من التسلسل التاريخي وما نقله العلماء والمؤرخون العدول ندرك أن الأصل في المغرب هو الاحتجاب الكامل للمرأة عن الرجال؛ وأن التبرج والسفور أمر عارض وسلوك غريب على مجتمعنا، وندرك أيضا بطلان دعاوى بعض العلمانيين المتدثرين بدثار الدين والبحث العلمي الذين يلوكون كلام المستشرقين القدامى ويزعمون أن «هذا اللباس ينتمي إلى البيئة الصحراوية أكثر من ارتباطه بالدين»؛ وندرك تحريف الحقائق والجهل المطبق الذي يشكو منه بعض من يحسبون على المجال الديني والعلمي حين يزعمون أن «النقاب مظهر من مظاهر الغلو في الدين والتنطع؛ ليس بأسوأ من الإباحية».
فلأي شيء يتنكر كل هؤلاء..
للدين أم للتاريخ؟!