فلسفة الحجــاب!
ذة. لطيفة أسير
هوية بريس – الخميس 09 أبريل 2015
اللباسُ ليس مجرد قطعة قماش يرتديها المرءُ، بل هو حكايةٌ ناطقةٌ تروي لمن أبصرها مقومات شخصيةِ مُرتديه، واختيارات المرءِ قطعة من شخصْه وفكره. لذا ارتضى الله تعالى أن يجعل للمسلمات سمْتاً خاصاً يُعلنُ لكل من يبصرهنّ أنهنّ حرائر عفيفات، بعيدات عن الابتذال والخنا، فأوجب عليهن لبس الحجاب وستر عورتهن صيانة وحماية لهن.
وقد كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن زيّ المرأة المسلمة دون غيرها، وثارت ثائرة أعداء الدين حين أبصروا إقبالها عليه، فصارَ يُحاربُ هنا كما هناك، وكأنه قنبلة موقوتة تهدّد أمن البشرية واستقرارها. ولا أدري لمَ نُسأل عن لباسنا وهمْ لا يُسألون! تقول تبسّم روبي -المختصة في قضايا المساواة بين الجنسين في جامعة ميشيغان الغربية-:
«إنّ لكل المجتمعات والثقافات الزيّ الخاص بها، فالمجتمعات الإسلامية ليست استثنائية في هذا الصدد، لكن إذا كانت المرأة في الغرب لا تُسأل عن سبب ارتدائها الملابس القصيرة والمكشوفة، فلماذا إذن نتساءل عن الحجاب»؟
والمنصفون في الغرب يصرخون فينا أن نلزم شرعنا ولا نحيد عنه، حيث وجهت الصحفية والكاتبة الأمريكية «جوانا فرانسيس» خطاباً للمرأة المسلمة قالت فيه:
«سوف يحاولون إغراءكنّ بالأشرطة والموسيقى التي تدغدغ أجسادكنّ، مع تصويرنا نحن الأمريكيات كذِباً بأننا سعيدات وراضيات، ونفتخر بلباسنا مثل لباس العاهرات، وبأننا قانعات بدون أن يكون لنا عائلات.. في الواقع معظم النساء غير سعيدات، صدقوني، فالملايين يتناولن أدوية ضد الاكتئاب، ونكره أعمالنا ونبكي ليلاً من الرجال الذين قالوا لنا بأنهم يحبوننا، ثم استغلونا بأنانية وتركونا. إنهم يريدون تدمير عائلاتكم، ويحاولون إقناعكن بإنجاب عدد قليل من الأطفال. إنهم يفعلون ذلك بتصوير الزواج على أنه شكل من أشكال العبودية، وبأن الأمومة لعنة، وبأن الاحتشام والطهارة عفَا عليهما الزمن وهي أفكار بالية).
ثم بيّنت كيف أن هذا السفور دمّر نفسية المرأة فقالت: (في الواقع نحن اللواتي يخضعن للاضطهاد، نحن أسرى الأزياء التي تحطّ من قدرنا، ويسيطر علينا هوس وزن أجسامنا).
ومن ذاق عرف، فها هي ذي شاهدة من ذاك العالم الذي افتتنت به النساء المسلمات، تصرخ فينا أن نعضّ بالنواجذ على شرعنا، ونستمسك بعروة ربّنا، ونحرص على جمال لباسنا لأن فيه صونًا لكرامتنا ومستقبلنا. تصرخ بعد أن أعياها امتهانُ الغرب لها، وأتعبها ذاك التفسخ العائلي والفراغ الروحي والتشتت الفكري. لهذا حين نتحدث عن الحجاب، فنحن لا نقصد فقط ذاك الشكل الظاهري للباس المرأة، بقدر ما نقصد ما ينطوي عليه من قيم أراد ربّنا أن تترسخ لدَى كل أنثى قناعةً ورضىً بشرع ربّها.
فالتعامل مع الحجاب -إذن- يجب أن يكون تعاملاّ شموليا لا يقصر الأمر على تلك الخِرقة التي توضع على الرأس، أو ذاك الزيّ السابغ المسدل على الجسم، بل هو كيانٌ قائم بذاته لمن عرفت قدره وقيمته. إنه مدرسة تلِجها الفتاة المسلمة منذ صغرها، فتتأدب من خلاله بخِلال الإسلام، وتستقي من فيضه جرعاتِ صمودٍ في وجه المحن، وسراجٌ ينير لها كلّ العتمات التي تُرْبك سيرها في الحياة.
وحجاب المرأة -كما قيل عنه مرارًا- ليس حِكرًا على شريعة الإسلام، فقد جاء الخبر بوجوده بدءًا في العهد الآشوري (القرن الثالث عشر قبل الميلاد)، وكان حكرًا على النساء الطاهرات الماجدات، محظورا على المُومسات والنساء الأكثر شيوعا، ولعل في هذا دلالة رمزية لقيمة هذا الزيّ وأبعاده عند كل عاقل قديمًا وحديثًا. كما أنه ثابت في الكتب المقدسة كالتوراة والإنجيل، لكن مشكلة «الآخر» في تلك البصمة الإسلامية التي تثير أفئدة الحاقدين فتجعلهم ينفثون كل السموم لمحاربته.
ولن تعِي فائدة الحجاب إلا من تشبّعت روحها به، وآمنت به إيمانا لا تخالطه ريبة، وما من جدال بين النساء اللواتي أنعم الله عليهن بارتداء الزي الشرعي أنه غيّر كثيرا من شأنهن وأمور حياتهن سواء على المستوى النفسي أو الفكري أو الجسدي، وحسبها مغْنماً في الدنيا تلك السكينة التي تداعب أنفاسها بمجرد ارتدائها له، وذاك المدد الربّاني الذي يشد من أزرها كلما تعثرت بها الخُطى.
تقول تبسّم روبي «أنها لم تتفاجأ بارتباط الحجاب بصورةٍ ذاتيةٍ أفضل لدى النساء، لأن ارتداء الحجاب يمكن أن يكون تحريراً بالنسبة لبعض النساء، حيث أنه يتيح لهن التركيز على عقولهن، وليس أجسادهن».
ولا يخفى على كل لبيب اليوم، ما تعانيه المرأة حال سفورها من هوسٍ شديد بجسدها ولباسها، فهي في صراع مستميت مع وزنها، وهوسٍ شديد بالموضة وتقلباتها، فتارة تسعى للتخسيس لأن الموضة تحكم بذلك، وتارة تميل للزيادة في وزنها أو في أجزاء من جسمها محاكاة لمستجدات العصر، وطوراً تبصر شعرها أشقر، وتارة أحمر، وتارة أسود، فلا يكاد «المسكين» يثبت على حال، فيفقد كل معايير الجمال بعيدًا عن المحسنات الجمالية.
وقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن ارتداء الحجاب له آثارٌ إيجابية على صحة المرأة النفسية والجسدية، يقول فيرين سوامي -عالم النفس بجامعة وستمنستر-: «كانت هناك ثلاث أو أربع دراسات سابقة تظهر أن أصحاب الملابس المحافظة المحتشمة لديهم صورة ذهنية صحية عن أجسامهم»، وأكد أنّ النساء المحجبات -اللواتي شملهن استطلاع للرأي- كانت وجهات نظرهن أكثر إيجابية لأجسادهن فقد أعْربن عن تقديرهن لأجسادهن، ولم تكن لديهن نفس الرغبة في خسارة الوزن، ومعايير الجمال التي كانت تروِّج لها وسائل الإعلام لم تكن تستهويهنّ. ولهذا فهو يرى أن الحجاب «يوفر نوعا من الحماية ضد تشيؤ المرأة وحصرها في قالب جنسي».
كما أثبتت الدراسات العلمية أن الحجاب «يحافظ على الطاقة الحرارية في الجسم، ويحمي شعر المرأة من التغيرات المناخية والأشعة فوق البنفسجية التي تضر بالأنثى أكثر من الذكر، وذلك لأن سمك طبقة الدهون تحت جلد المرأة أعلى من سمك طبقة الدهون تحت جلد الرجل. والأشعة فوق البنفسجية تتفاعل مع هذه المواد البروتينية تحت الجلد وتؤدي إلى أمراض متعددة منها سرطانات الجلد، وتساقط الشعر، ومنها تقيحات أحيانًا في فروة الرأس، كما يؤدي إلى جفاف الشعر».
يقول الدكتور محمد ندا: «الحجاب حماية للشعر.. فقد أثبتت البحوث أن تيارات الهواء، وأشعة الشمس المباشرة تؤدي إلى فقدان الشعر لنعومته، وشحوب لونه، فتصبح الشعرة خشنة جرباء (باهتة)، كما ثبت أن الهواء الخارجي (الأوكسجين الجوي)، وتهوية الشعر ليس له أي دور في تغذية الشعر، ذلك أن الجزء الذي يظهر من الشعر على سطح الرأس وهو ما يعرف بقصبة الشعر عبارة عن خلايا قرنية ليس بها حياة)».
وحتّى لو لمْ يُثبت العلم شيئًا من هذا النتائج، فيقيننا نحن كمسلمين أنّ «جلبُ المصلحة ودرءُ المفسدة»، قاعدةٌ أساسٌ في ديننا الحنيف وعليها مدار الأحكام الشرعية.
لهذا فالمؤمن على يقين تامٍّ أنّ مأمورات الله تحوي في طياتها خير الدنيا والآخرة، ومنهياته وبالٌ على من اقترفها.
ولأنّ زمننا هو زمنُ التّحرش بامتياز، فإن الحجاب الحقيقي خير حافظ للأنثى من هذا السوء. وقد اطلعت مؤخرًا على فيديو يعرض تجربةَ تحرشٍ بفتاة بروسيا تَظهر مرة محجبة وأخرى سافرة، والمثير في التجربة أن غير المحجبة لم يأبه بها أحد وهم يبصرونها تُهان من طرف ذاك الشاب، فكأنّ لسان حالهم يقول: «ذاك شأنها هي تستحق».
لكن المحجبة في كل مرة كانت تجد شبابا مسلما يدافع عنها، وكأنها بحجابها تحمل رسالة ناطقة تصرخ في العابرين أنها ليست للعموم، وأنّها ملكٌ شخصي يُحظر لمسه أو ابتذاله. فأكدّ أصحاب الفيديو -عن قصد أو عن غير قصد- أن الحجاب الشرعي صيانة للمرأة من التحرش، ولباسُ وقارٍ يزيدها هيبةً ويُسخّرُ الله به جُنْداً للذوْذِ عنها.. فهَلاّ استسمسكتِ بغرزه أختاه!!
وحسبكِ نداء الاستغاثة هذا ممن ذاقت ويلات الابتذال، وتجرّعت مرارة الضياع والهوان. تقول الصحفية الصحفية والكاتبة الأمريكية جوانا فرانسيس: «فلا تسْمحنَ لهم بخداعكنّ، ولتظل النساء عفيفات طاهرات.. نحن بحاجة إليكن لتضربن مثلا لنا لأننا ضلَلْنا الطريق. تمسّكنّ بطهارتكنّ، وتذكّرْنَ أنه ليس بالوسع إعادة معجون الأسنان داخل الأنبوب. لذا فلتحرص النساء على هذا المعجون بكل عناية».