تقرير دورة تدريبية في «تحقيق المخطوطات» نظمت بدار الحديث الحسنية
هوية بريس – زهير بلحمر
الإثنين 20 أبريل 2015
أسدل الستار يوم السبت 21 جمادى الثانية 1436هـ الموافق لـ11 أبريل 2015م على الدورة التدريبية في تحقيق المخطوطات المنظمة من طرف مؤسسة دار الحديث الحسنية بالرباط بشراكة مع مؤسسة الفرقان في شخص مركز دراسات المخطوطات الإسلامية بعد أسبوع حافل بالمحاضرات النظرية والورشات التطبيقية، ابتداء من يوم الاثنين 17 جمادى الثانية الموافق 06 أبريل.
وقد تميزت هذه الدورة بحضور نخبة من العلماء المحققين ممن لهم تجربة كبيرة وخبرة واسعة في التحقيق، يتقدمهم شيخ المحققين الدكتور بشار عواد معروف، وقد اتخذت الدورة شعارا لها بعنوان: “تحقيق مخطوطات الفقه وأصوله والفتاوى والنوازل“، بعد النجاح الكبير الذي عرفته الدورتين السابقين الأولى بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن مسيك الموسومة بـ: “التحقيق النقدي للمخطوطات: التاريخ، القواعد، والمشكلات“؛ والثانية التي نظمت بشراكة مع مؤسسة دار الحديث الحسنية السنة الفارطة وكان شعارها: “تحقيق مخطوطات الحديث وعلومه والتراجم“.
وهدفت هذه الدّورة التدريبيّة المتخصّصة في تحقيق كتب المخطوطة في الفقه وأصوله والفتاوى والنوازل إلى:
√ استنهاض همم المتدربين، وتنمية الوعي لديهم بأهمية التراث الإسلامي المخطوط عموما، والتراث الفقهي وما يتعلّق به خصوصا.
√تكوين شباب مؤهّل لتحقيق هذا التراث، وتقديم خلاصة كافية لخطوات التحقيق في علوم الفقه وأصوله والفتاوى والنوازل نظريّاً وتطبيقيّاً.
√الإحاطة بجميع الأعمال التي يحتاجها المحقّق، سواء على الصعيد النّظري: كالمفهوم العلمي للتحقيق وأصوله وتاريخه ومناهجه ومشكلاته، والمصادر التي يلزم الرجوع إليها. أو على الصعيد التطبيقي: كاختيار النص وتوثيقه، والبحث عن نسخه ودراستها، واستكشاف تقاليده، وعملية النسخ والمقابلة، والتحرير والمعالجة، والتعليق، والدراسة… الخ، في ورشات متخصصّة، يحتكّ فيها المتدرّب فعليّا بنماذج من نسخ خطيّة بموضوع الدّورة.
وقد غطت محاضرات الدورة الجانب النظري في التحقيق حيث شملت كل مراحله بالإضافة إلى مشاركة كل محاضر المشاركين في الدورة تجربته في التحقيق -مما جعلهم يتحدثون عن أمر مارسوه وخبروه عن كثب لا عن كتب- والصعوبات والمشاكل التي واجهت كل واحد، ثم الحلول التي اختارها لتجاوز تلك العراقيل، وفي هذا الصدد جاءت محاضرة الدكتور محمد الروكي رئيس جامعة القرويين حيث أسهم بورقة علمية في اليوم الثاني بعنوان: “تحقيق كتب الفقه: الصعوبات والمشكلات“.
ومحاضرة الدكتور محمد العلمي رئيس مركز البحوث والدراسات في المذهب المالكي في اليوم الخامس بعنوان: “صعوبات خاصة بتحقيق مخطوطات الفقه المالكي وطرق التغلب عليها“.
فبعد استقبال الأساتذة والباحثين المشاركين في الدورة، أعقب ذلك الجلسة الافتتاحية العامة التي ضمت كلمات ترحيبية من مؤسسة دار الحسنية ألقاها الدكتور عبد الحميد عشاق المدير المساعد المكلف بالشؤون الثقافية بالمؤسسة، تلى ذلك كلمة ترحيب من مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي ألقاها الدكتور صالح شهسواري المدير التنفيذي بالمؤسسة، بالإضافة إلى كلمة باسم السادة أعضاء هيئة التدريس تلاها الدكتور بشار عواد معروف.
ومن محاضرات الدكتور بشار عواد معروف التي تنطلق من تجربة واسعة امتدت إلى أكثر من خمسين سنة دون انقطاع بمعدل يفوق ثماني ساعات في اليوم (ملزمة كل يوم وهي تعادل 16 صفحة)، كما يحكي الأستاذ عن نفسه، ولهذا فقد بسط تجربته هاته في خمس محاضرات على امتداد أسبوع كامل وقد جاءت كالآتي: حيث افتتحت الدورة بمحاضرة بعنوان:
√ مناهج تحقيق المخطوطات الفقهية “المحلى” لابن حزم نموذجا.
√ أسس المفاضلة بين النسخ الخطية.
√ التعليل عند الترجيح.
√ التحقيق بين ضبط النص والتعليق عليه.
√ وختمت محاضرات الأستاذ الفاضل بمحاضرة بعنوان: “التعامل مع النصوص الحديثية عند تحقيق المخطوطات الفقهية“.
هذا بالإضافة إلى رحابة صدره وسعة أفقه في الإجابة على أسئلة الطلبة الباحثين، سواء بعد بعد المحاضرات أو خارجها.
وقد تخلل ذلك مجموعة من المحاضرات التي أتحف بها السادة الأساتذة الحضور، من ذلك الدكتور عبد الرحمن راشد الحقان من الكويت الذي قدم محاضرتين جمعت بين ما هو نظري ممثلا لذلك بأمثلة من واقع التحقيق المعاصر.
فبعد محاضرة تمهيدية ألقاها المحاضر في اليوم الأول بعنوان عدة محقق التراث المالكي في الفقه وأصوله والنوازل، كان المشاركون على موعد مع نفس المحاضر في اليوم الثالث من أيام الدورة مع محاضرة أخرى بعنوان: “ضوابط التعليق على النص وأهمية الكشافات للكتب المحققة“.
ومحاضرة للدكتور الناجي لمين -أستاذ الفقه والأصول بدار الحديث الحسنية- بعنوان: “خطوات منهجية لخدمة النّص الفقهي المحقق“.
كما أتحف الحضور الدكتور محمد الطبراني بمداخلة وسمها بـ: “من نوادر مخطوطات الفقه والأصول في خزانة ابن يوسف بمراكش: إسهام في التوصيف النقدي“، حيث ذكر المحاضر مجموعة من الكتب الفقهية والأصولية التي تحتفظ بها خزانة ابن يوسف، وإن كان أغلبها قد طبع إلا أنه لم يعتمد على هذه النسخ للأسف الشديد، مما جعل الحاجة ماسة إلى إعادة تحقيقها بالاعتماد على نسخ خزانة ابن يوسف.
وقد استمتع الحضور الكريم الذي حج إلى الدورة من مختلف الجامعات، والمراكز البحثية سواء من داخل المغرب أو من خارجه، بهذه المحاضرات العلمية المتخصصة.
فمن الدول المشاركة بالإضافة إلى المغرب، ليبيا، اليمن، غينيا، الكوت ديفوار، المملكة العربية السعودية، أندونيسيا، السينغال، موريتانيا، الكويت، العراق، قطر.
كما شاركت الخزانة الحسنية -التي حضر مديرها الجلسة الافتتاحية- في جلّ فقرات الدورة تنظيما وتأطيرا حيث أسهم الدكتور خالد زهري الباحث بالخزانة الملكية بالرباط بمحاضرتين الأولى كانت بعنوان: “تحقيق كتب أصول الفقه المخطوطة: الأخطاء وأصنافها“، حيث ضرب أمثلة لمجموعة من التحقيقات لكتب أصول الفقه التي لم تراع الشروط العلمية والمنهج الأمثل في تحقيق التراث وأغلبها صادر عن دور نشر تجارية عرفت بسرقة جهود المحققين الجادين وعدم الالتزام بالأمانة العلمية، ومن تم فهي تحقيقات تحتاج هي الأخرى إلى تحقيق – يصحح أخطاءها- علمي جاد من متخصص في المجال المعرفي الذي يحقق فيه، يمتاز بالتأني والتؤدة وعدم العجلة أو التسرع، إذ العدو اللدود للتحقيق هو العجلة.
أما المحاضرة الثانية فقد خصصها الأستاذ الكريم للمعطيات الكوديكولوجية وأهميتها في تحقيق مخطوطات أصول الفقه.
أما الورشات التطبيقية فقد أطرها إلى جانب ثلة من أساتذة الدار نخبة من أساتذة الخزانة الحسنية.
وقد شملت جميع مراحل التحقيق العلمي للمخطوط وهي :
√ معايير اختيار النصوص المزمع تحقيقها.
√ جمع النسخ المخطوطة ومنهج دراستها.
√ القراءة واستكشاف الخط والرموز.
√ التحرير والضبط والمقابلة.
√ صنعة الهوامش والتعليقات.
√ التقديم والدراسة، وتوثيق نسبة الكتاب لمؤلفه وتوثيق عنوانه.
√ صناعة الفهارس والكشافات.
وختمت الدورة بجلسة علمية مفتوحة مع مجموعة من الأساتذة المحاضرين، حيث أعرب المشاركون في الدورة عن سعادتهم الغامرة بالمشاركة في هذه الدورة التدريبية الناجحة على جميع المستويات، شاكرين للجهات المنظمة حسن صنيعهم، آملين أن تتكرر أمثالها في الأيام القادمة في مواضيع من قبيل الفهرسة وما يتعلق بها من الخطوط العربية، ودورات في التحقيق أيضا في مجالات علمية من مثل العقيدة وعلم الكلام…
بالإضافة إلى تنظيم زيارات ميدانية للخزانات التي تحتوي على نفائس المخطوطات من مثل الخزانة الحسنية بالرباط، وخزانة جامع القرويين قصد الوقوف على المخطوط في نسخته الأصلية.
تلى ذلك حفل الختام وتسليم الشهادات على المشاركين في الدورة.