4 مفارقات في جلسة مدتها 5 دقائق تنتهي بحبس محمد مرسي 20 عاما
هوية بريس – الأناضول
الثلاثاء 21 أبريل 2015
في شهر أبريل من عام 2012، كان حزب “الحرية والعدالة” الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، يتقدم بأوراق ترشح رئيسه محمد مرسي لرئاسة الجمهورية، وفي نفس الشهر وبعد 3 سنوات يصدر القاضي أحمد صبري يوسف حكمه بالسجن على هذا الرئيس لمدة 20 عاما في “قضية الاتحادية”.
5 دقائق فقط هي عمر الجلسة التي نطق فيها صبري بهذا الحكم، والذي ختم به القاضي أحمد صبري يوسف عمله على منصة القضاء، لتوليه منصب رئيس محكمة الاستئناف، كما أسدل بها الستار عن الفصل الأول من القضية التي بدأت أولى جلساتها في شهر غشت من عام 2013.
وشهدت الجلسة الختامية حضورا إعلاميا مكثفا وغير مسبوقا، لا يقارن حتى مع بدايات نظر القضية، والتي شهدت حضورا كبيرا لكونها المرة الأولى التي يظهر فيها مرسي منذ عزله في 3 يوليوز، ولكن الفارق هذه المرة أن القاضي سمح لكل وسائل الإعلام حتى تلك التي لا تحمل تصاريح خاصة بالمحاكمة بحضور الجلسة، وذلك على غير المعتاد، إذ يتعين لحضور الجلسات وجود تصريح موقع من رئيس المحكمة.
ومع الحضور المكثف، كانت الإجراءات الأمنية مكثفة -أيضا- داخل قاعة المحاكمة وفي محيط أكاديمية الشرطة في التجمع الخامس بالقاهرة، والتي توجد بها قاعة المحاكمة.
ورصد مراسل الأناضول حضورا كثيفا في محيط الأكاديمية لخيالة الشرطة، وهم أعضاء بالشرطة يجوبون المكان ذهابا وإيابا مستخدمين الخيول، كما تم التفتيش بالاستعانة بالكلاب البوليسية، وداخل قاعة المحاكمة، كان هناك حاجز بشري من رجال الأمن يمنع المصورون من الاقتراب من قفص الاتهام، وكانت التعليمات الأمنية هي التصوير من بعد.
خلقت هذه التعليمات حالة من الجدل داخل القاعة، بسبب رغبة البعض في الاقتراب من قفص الاتهام، ولم يقطع هذه الحالة سوى صوت حاجب المحكمة، قائلا بصوت مرتفع “محكمة”، إيذانا بقدوم هيئة المحكمة لبدء الجلسة.
سادت حالة من الصمت، قطعها قول القاضي: “الحكم طويل شوية (بعض الشيء) ويتعين الصمت والاستماع ليعرف كل شخص موقعه القانوني في القضية”.
في هذه اللحظات أدرك الحضور أنهم على موعد مع جلسة طويلة، أشبه بجلسة النطق بالحكم في إعادة محاكمة الرئيس الأسبق حسني مبارك في قضية قتل المتظاهرين ابان ثورة 25 يناير 2011 في نوفمبر من العام الماضي.
وعلى خلاف التوقعات جاءت الجلسة قصيرة جدا، ولم تستمر سوى 5 دقائق، وافتتح القاضي منطوق حكمه بالآية القرآنية (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله، والله ذو فضل عظيم)، ربما في إشارة إلى عدم خوفه من إصدار هذه الأحكام.
وأنهى القاضي بهذه الدقائق الـ5 الفصل الأول من هذه القضية التي بدأت أولى جلساتها في غشت من عام 2013.
ووفقا لإجراءات التقاضي، يبدأ الفصل الثاني من القضية باتخاذ هيئة الدفاع عن المتهمين إجراءات الطعن على الحكم، أو اتخاذ سلطة الاتهام “النيابة العامة” قرارا بالطعن على الحكم، إذا كانت غير راضية عن الأحكام.
وعقب هذه الجلسة القصيرة يغادر القاضي منصة المحكمة، ومعها تعود حالة الهرج والمرج، بسبب رغبة الحضور الإعلامي الكثيف في استطلاع ردود الأفعال، التي كشفت عن 4 مفارقات.
كانت المفارقة الأولى في ردود أفعال المتهمين، والذين بدأوا أولى جلسات القضية ثائرين على المحكمة، ثم اختتموها مبتسمين، رغم صدور أحكام بالسجن 20 عاما على معظمهم.
وفور صدور الحكم حرص المتهمون على التلويح بعلامة “رابعة العدوية” والابتسامة تملئ وجوههم، في إشارة منهم إلى عدم الاكتراث بالحكم.
وفي أولى جلسات القضية، كانوا يلوحون بنفس العلامة، ولكن مع النطق بشعارات ثورية، كانت يخترق صداها – أحيانا – الحاجز الزجاجي الذي تم وضعه على أقفاص الاتهام.
وكما كانت ردود الفعل من جانب المتهمين مثيرة للاهتمام، كانت ردود الفعل من جانب هيئة الدفاع مثيرة للاهتمام، سواء من جانب دفاع الرئيس الأسبق محمد مرسي أو المدعين بالحق المدني، ليشكل ذلك المفارقة الثانية التي يثيرها الحكم.
ولم يذكر أحد من محامي المدعين بالحق المدني أنه كان يتمنى إعداما للمتهمين، والتزموا جميعا بالتأكيد على أن الحكم مرض بالنسبة لهم، وإن كانوا يتوقعوا أن تطعن عليه سلطة الاتهام، لأنها هي من أحالت أوراق القضية للمحكمة وبها تهمة قتل المتظاهرين، كما قال أحدهم وهو ياسر سيد أحمد لمراسل الأناضول.
وكانت المفاجئة أن الحكم كان مرضيا أيضا للمحامي المنتدب من هيئة المحكمة للدفاع عن مرسي.
وقال سيد حامد المحامي المنتدب لمراسل الأناضول: “الحكم مرض، لأنه جاء متوازنا إلى حد كبير، قياسا بالأحكام التي يصدرها القضاء المصري حاليا”.. وأضاف: “القاضي لم يصدر أحكام إعدام بالجملة، كما فعل آخرون”.
وبينما كان الحكم مرضيا لمحامي مرسي المنتدب، فإنه لا يبدو كذلك لهيئة الدفاع عن المتهمين من جماعة الإخوان المسلمين، والذين واجهوا أزمة بعد النطق بالحكم تتلخص في موقفهم من الحكم الصادر على مرسي.
وكانت المفارقة الثالثة أن الحكم يجدد أزمة الشرعية من جديد، وهو ما عكسته تصريحات المحامي عبد المنعم عبد المقصود عضو فريق الدفاع عن متهمي الإخوان لمراسل الأناضول عقب الجلسة.
يقول عبد المقصود: “سنطعن على حكم باقي المتهمين خلال مدة 60 يوما، أما الحكم الصادر بحق الرئيس مرسي، فلن نستطيع اتخاذ أي إجراء إلا بعد استطلاع رأيه لعدم اعترافه بشرعية هيئة المحاكمة”.
ووفقا لما ذهب إليه محامي مرسي في أول جلسات المحاكمة، فإن الهيئة القانونية التي تنظر القضايا المتهم فيها الرئيس لها تشكيل حدده الدستور، ولا يجوز نظر قضاياه أمام إحدى دوائر محكمة الجنايات كما حدث في القضية.
وتمسك مرسي طوال جلسات محاكمته بهذا الدفاع، على خلاف سلفه مبارك، والذي لم يتطرق محاموه في دفاعهم لهذه النقطة.
وأقيمت إجراءات محاكمة مرسي في قاعة مجاوره للقاعة التي كان يحاكم فيها مبارك بأكاديمية الشرطة، وكانت المفارقة الرابعة أن الإثنين وجهت لهما اتهامات تتعلق بالتحريض على قتل المتظاهرين، وأدين مبارك في محكمة أول درجة في هذه التهمة، قبل أن تبرئه محكمة أخرى بعد نقض الحكم، أما مرسي فلم يدن بهذه التهمة، وأدين في تهمتين تضمنتهما نفس القضية وهما استعراض القوة والعنف، والقبض المقترن بالتعذيب البدني.
وآثار الحكم غضبا لدى بعض الإعلاميين الذين حضروا الجلسة لأنهم توقعوا حكما بالإعدام، عقابا على مقتل زميلهم الصحفي الحسيني أبو ضيف، والذي لقي مصرعه في الأحداث.