فتاوى التقريب المضلة تطل برأسها من جديد
هوية بريس – الأربعاء 18 شتنبر 2013م
أعادت تصريحات الشيخ علي جمعة (المفتي غير المعين) في مصر حاليا حول جواز التعبد بالمذهب الشيعي الكثير من التساؤلات حول حقيقة هذه الأفكار التي يطرحها والتي طرحها قبله عدد ممن يصفهم البعض بعلماء أهل السنة، فقد قال فيها : “علينا الاعتراف بما تحرزه هذه الطائفة من تقدم يُمَكننا من التعاون معها في الوقت الحالي”. وأكد جمعه أنه : “لا حرج من التعبد على مذاهبها، فلا فرق بين سني وشيعي”. ثم يعلل رأيه الفقهي بقوله “فالأمة الإسلامية جسد واحد لا فرق فيه بين سني وشيعي، طالما أن الجميع يصلي صلاة واحدة ويتجه لقبلة واحدة”.
فالمتأمل للتصريحات السابقة يجدها لا تختلف كثيرا عن تصريحات تخرج كل فترة من بعض من ينتسبون لأهل السنة في العصر الحديث والمعاصر مثل عدد من الأزاهرة وغيرهم حول جواز التعبد بالمذهب الشيعي ، بالمخالفة للأدلة الصريحة التي لا تبيح ذلك معتبرين أن عمدتهم في تلك الفتاوى فتوى شهيرة للشيخ محمود شلتوت رحمه الله بجواز التعبد بالمذهب الجعفري الشيعي واعتبره مذهبا فقهيا خامسا.
والحق أن الحديث عن الشيعة ليس حديثا عن جماعة أو مذهب فقهي ، بل هو حديث عن فرقة مختلفة في العقائد الأساسية عن أهل السنة والجماعة بل عن فرق متعددة لا يجمعها رابط ويستحيل عقلا وشرعا أن تنضوي مثل هذه الفرق تحت لواء واحد.
ولن نتحدث ههنا عن الانحراف المكرور على المستوى العلمي من الشيخ علي جمعة في فتاواه التي رآها الكثيرون خالية من المصداقية العلمية والأمانة الشرعية ، ولكن العلة التي بنى عليها الدكتور علي جمعة رأيه الفقهي كما بناه غيره بأن الجميع يصلي صلاة واحدة ويتجه لقبلة واحدة ليست علة صحيحة، فقد حارب الصديق رضي الله عنه مانعي الزكاة وحارب الإمام علي رضي الله عنه الخوارج وهم لا يختلفون في العلة المذكورة المبتورة التي استشهد بها الدكتور جمعة، فلو كانت هذه العلة صحيحة لما جازت خصومة هؤلاء.
والعجب في الأمر أن عددا من علماء الشيعة أنفسهم وممن يصفهم البعض بالمعتدلين توجد لهم فتاوى معتمدة في كتبهم لا تجيز التعبد بالمذهب السني، فمنهم محمد حسين فضل الله المرجع الشيعي اللبناني ، فله فتاوى حول بطلان التعبد بالمذاهب السنية وبطلان الصلاة خلف أئمة أهل السنة وهي معلنة منشورة في كتبه[1]، وسئل المرجع الشيعي محمد الخالصي وهو أحد علمائهم ومراجعهم الكبار عن جواز التعبد بالمذاهب الأربعة عند أهل السنة فأفتى بالمنع من ذلك[2]، فإذا كانت هذه فتاوى ممن يوصفون بأنهم رمز للاعتدال الشيعي وكانوا من دعاة التقريب بين المذاهب، فكيف بفتاوى من يعتبرون من متشدديهم؟!!
والشيعة فرقة وليست جماعة ولا مذهبا فقهيا في المفهوم السني لحديث الافتراق الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: “افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة” قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: “من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي” وفي بعض الروايات: “هي الجماعة”[3].
وقد ذكر المباركفوري في شرحه على سنن الترمذي ضابط الداخلين في هذه الفرق، والخارجين منها “قد علم أصحاب المقالات أنه صلى الله عليه وسلم لم يُرد بالفرق المذمومة المختلفين في فروع الفقه، من أبواب الحلال والحرام، وإنما قصد بالذم من خالف أهل الحق في أصول التوحيد، وفي تقدير الخير والشر، وفي شروط النبوة والرسالة، وفي موالاة الصحابة، وما جرى مجرى هذه الأبواب، لأن المختلفين فيها قد كفر بعضهم بعضاً، بخلاف النوع الأول، فإنهم اختلفوا فيه من غير تكفير ولا تقسيم للمخالف فيه، فيرجع تأويل الحديث في افتراق الأمة إلى هذا النوع من الخلاف”.[4]
ولا ينكر أحد -إلا جاهل أو عالم يريد التمرير العمدي لتلك المقولات- أن الخلاف بين الشيعة وأهل السنة خلاف في القواعد والأصول والعقائد لا في الفروع وأمور الفقه، فلا يمكن لأي مسلم عالم أو جاهل أن يقول بأنه يجوز التعبد بالمذهب الجعفري الشيعي في العقيدة –على سبيل المثال- وهم يقولون في كأصول عقدية بان القران منقوص والأئمة يعلمون الغيب ويتعبدون بالدعاء لغير الله والطواف حول القبور وان الصحابة ارتدوا عن دين الله وأن الأئمة بيدهم إحياء الموتى وإماتة الأحياء وبيدهم مقاليد الكون كله وإنهم أفضل من الأنبياء والملائكة ويقولون برجعة الأئمة والبداء في حق الله سبحانه وغير ذلك من الخلافات العقائدية التي لا يمكن أن تجتمع مع عقيدة المسلمين أهل السنة بحال.
وليس في فتاوى من يفتوننا بان التعبد بالمذهب الشيعي جائز شرعا تفسير لما يقصدونه بعبارة المذهب الشيعي، إذ أن الشيعة ليست فرقة واحدة متفقة بل هي فرق مختلفة فيما بينها في مجال العقيدة متناحرة ومتحاربة وتكفر بعضها بعضا.
فعلى سبيل المثال لا الحصر يختلف الشيعة في قضية صفات الله سبحانه إلى ست فرق متضادة ومتباينة تمام التباين ، حتى إنهم ليكفرون بعضهم بعضا ، فبعضهم يقول بالتجسيم وبعضهم يقول بالتعطيل التام ، وغير ذلك مما لا مكان لذكره وشرحه
وانقسموا في القول بأن الله سبحانه عالم حي قادر سميع بصير إلى تسع فرق متباينة.
وانقسموا حول سؤال: هل يجوز لله سبحانه أن يبدو له إذا أراد شيئاً أم لا؟ فكانوا على ثلاث فرق.
واختلفوا في وصف أعمال العباد هل هي مخلوقة أم لا إلى ثلاث فرق، واختلفوا في إرادة الله سبحانه إلى أربع فرق.
وغير ذلك الكثير من اختلافاتهم العقائدية مع بعضهم البعض، فكيف يمكن القول بان التعبد على مذهبهم صحيح شرعا، وعلى أي مذهب بعني هؤلاء بقولهم؟.
إن الفتوى الشهيرة للشيخ شلتوت على الرغم من انتشارها فهي غير موثقة علميا.
فلم يوجد لها اصل في الفتاوى المعتمدة المجموعة في تراث الشيخ ولا توجد في أي بحث علمي له ، ولم يوجد لهذا الأمر ذكر عند الشيخ إلا في حوار صحفي[6] ربما أخذته الغفلة فيه أو ربما قال رأيا بغير دراسة، لكن فتاواه تقرر غير ذلك إذ تعتبر شريعتهم مخالفة لشريعة رب العالمين، فيقول عن زواج المتعة في “فتاويه” ص (275): (إن الشريعة التي تبيح للمرأة أن تتزوج في السنة الواحدة أحد عشر رجلا وتبيح للرجل أن يتزوج كل يوم ما تمكن من النساء دون تحميله شيئا من تبعات الزواج؛ إن شريعة تبيح هذا لا يمكن أن تكون هي شريعة الله رب العالمين!!).
وكان الشاهد العملي من فعل الشيخ شلتوت وقراراته وهو شيخ الأزهر هو الحكم والفيصل في ذلك، فيقول الشيخ حسنين مخلوف “سعى القمي لدى الشيخ شلتوت في أن يقرر تدريس الفقه الشيعي الإمامي في الأزهر أسوة بالمذاهب الأربعة التي تدرس فيه. وأنا حين علمت بهذا السعي كتبتُ كلمة ضد هذه الفكرة، وأنه لا يصح أن يدرس فقه الشيعة في الأزهر؛ ألَا ترون أن الشيعة يجيزون نكاح المتعة ونحن في الفقه نقرر بطلان نكاح المتعة، وأنه غير صحيح؟ وقد أبلغتُ هذا الرأي لأهل الحل والعقد في مصر إذ ذاك، فأبلغوا الأمر لشيخ الجامع الأزهر بأنه لا يجوز تدريس هذا الفقه فيه ولم ينفَّذ والحمد لله».
والشيخ شلتوت على افتراض صحة الفتوى له غير معصوم فمن الممكن أن يخطئ أو يزل أو يقضي بغير علم دقيق لم يستكمل جوانب البحث فيه أو يمكن تعرضه للخديعة أو الإيهام وخاصة عند إجادة الشيعة لذلك بتقيتهم المعهودة.
وهناك مالا يستعصي على الحصر من فتاوى شيوخ أزهريين أمثال الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتي مصر الأسبق والشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر الأسبق والشيخ عطية صقر الرئيس الأسبق للجنة الفتوى في الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية ما يرد على هذه الفتوى المزعومة فلماذا تستدعى دوما فتوى الشيخ شلتوت المزعومة وحدها إذا لم يكن هناك غرض؟.
ومن أي مصدر معتبر شرعا يأتي كل من يخرج على الأمة الإسلامية في كل فترة ليقول بان التعبد بالمذهب الشيعي جائز ليجر بلاد الإسلام إلى شر مستطير وفتنة مضلة ؟
——————————-
[1]منها كتابه “مسائل عقائدية” ص:110.
[2] (كتابه «التوحيد والوحدة» ص:33- 34).
[3] رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم ، وقال عنه ابن تيمية: هو حديث صحيح مشهور وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
[4] تحفة الأحوذي ج7 – الصفحة:332.
[5] مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين المؤلف: أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري (المتوفى: 324هـ).
[6] حوار أجرته مجلة المجتمع العربي المصرية مع الشيخ في أغسطس 1959.