الدكتور زهير لهنا يكتب عن: قضية توسيع قانون الإجهاض في المغرب
هوية بريس – د. زهير لهنا
السبت 02 ماي 2015
في حين يتجه قلقي الرئيسي حول النساء المغربيات في سن الإنجاب إلى قدرتهن على أن يلدن في ظروف كريمة في المستشفيات العامة أوفي مؤسسات منخفضة الثمن، سئلت مراراً عن مواقفي بخصوص النقاش الذي يدور حالياً في الشارع المغربي حول الإجهاض وإضفاء الصفة القانونية عليه.
لقد وجد الإجهاض منذ القدم، ولكن تطور المجتمع وصعوبة المعيشة بالنسبة للبعض ويسرها على البعض الآخر، ساهم في طرح الموضوع أو بشكل أدق جعل البعض يطمح لطرح الموضوع للنقاش. وليكن، نعم إنها قضية شائكة تؤثر على سلامة وكرامة النساء (والرجال أيضاً) وتؤثر أيضاً على سلامة التزامهم الديني علماً أن الغالبية العظمى من المغاربة هم مسلمون ويفتخرون بذلك.
أثار الإقصاء الأخير (ثم إعادة الإدماج) للبروفيسور الشرايبي من رئاسة مصلحة التوليد التابع لمصلحة الأمومة بمستشفى الليمون بالرباط، أثار هذا الإقصاء التعاطف مع البروفيسور، وأعاد وضع قضية الإجهاض على طاولة النقاش في المملكة الشريفة.
أنشأ الشرايبي في عام 2007 الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري (AMLAC) مناضلاً بقوة وحيوية لإنقاذ النساء اللواتي يجهضن في ظروف سيئة، وبالتالي يصلن إلى أقسام المستعجلات في المستشفيات بالتهابات قاتلة في بعض الأحيان. ناهيك عن الأمهات العازيات اللواتي لم يلدن أو لم يستطعن الإجهاض واللواتي يعشن قصصاً مؤلمة ترويها بعضها السيدة عائشة الشنا التي تستضيفهن في مقر جمعية التضامن النسائي، وتعمل على إعادة دمجهن في المجتمع من خلال تعليمهن حرفة ما، توجد لهن “وضعا” معيناً في المجتمع.
في الاجتماع الأخير للجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري الذي عقد في عام 2012، تدخلتُ في النقاش موضحاً أنه مما يشرح الصدر أن تجد أناساً يناضلون من أجل الفئات الأشد فقرا ومن أجل أولئك الذين يتم استغلالهم وهم غالباً من النساء اللواتي يعشن في ظروف جد متواضعة، وغالباً ما يكن قد تعرضن للاعتداء من طرف رجال ماكرين أو في بعض الأحيان من قبل أبناء الأسر اللواتي جئن للعمل عندهم خادمات يعملن كل شيء. خادمات تخلى عنهن مجتمع ظالم وأحياناً آباء أسلموهن إلى الشارع وأهواله. لكنني للأسف لم أسمع أحداً يتحدث عن سبب ومصدر هذا البلاء، لأن الأصل في الأطباء وعلماء الاجتماع أن يبحثوا عن الأسباب لا أن يركزوا فقط على معالجة العواقب.
إذا كان تشريع الإجهاض في فرنسا في عام 1975 قد خفض عدد النساء التي كن يعانين من مضاعفات الإجهاض غير القانوني، فإن عدد حالات الإجهاض ظل مرتفعاً بالرغم من مجانية وسائل منع الحمل وسهولة الوصول إليها حتى من طرف القاصرين. وهذه المجانية بالذات، وإمكانية القيام بالإجهاض دون ضرورة الإفصاح عن الاسم، هونا من وقع العملية. أضف إلى هذا وصول العقاقير المجهضة إلى الأسواق؛ كل هذا جعل المزيد من النساء يقدمن على هذه العملية ببساطة لأنهن لا يشعرن بخطورة ما يعملن.
أما في الواقع، فإن النساء اللائي يلجأن إلى الإجهاض، يستمر الشعور لديهن بما فعلن لمدة طويلة، بغض النظر عن الوسيلة التي استعملن لإسقاط حملهن، سواء أخذن عقاراً يعمل على “إسقاط” الحمل في غضون ساعات قليلة، أو نِمْنَ لبضع دقائق في غرفة عمليات مستشفى ليستيقظن على رائحة الدماء.
يترك الإجهاض لدى النساء ندبة لا يمحى أثرها مهما طال عليها الزمان. لا يوجد امرأة تُقدم على الإجهاض وهي مسرورة، لأن جزءاً منها ينتزع منها. وإذا كانت معظم النساء اللائي يقدمن على الإجهاض إنما يفعلن ذلك نظراً للمأزق الذي وجدن أنفسهن فيه نتيجة حملهن، فإن اللاوعي عندهن لا يتأخر في الظهور على السطح.
ما العمل إذن في بلد مسلم مثل المغرب، ويقوده أمير المؤمنين؟
من المؤكد أن أي عمل اجتماعي يجب أن يقاس بمقياس الشريعة الإسلامية التي يدين بها الكل. هناك حالات تبيح التضحية بالجنين للحفاظ على حياة الأم، وهذا أمر قد تضمنه الدستور أصلاً. أما في الحالات الأخرى، فإن المذهب المالكي يعتبر أن النطفة الأمشاج الناتجة عن تلقيح البويضة من طرف الحيوانات المنوية للرجل مقدسة لأنها تحمل الحمض النووي لما سيشكل الإنسان مستقبلاً.
وماذا عن النساء اللائي يعانين من تبعات مجتمع يعاني من الانفصام؟ أترى نخدمهن فعلاً حين نقنن لهن الإجهاض؟
لست متأكداً من ذلك، إن الأمر لا يعدو كونه تهوينا للأمر وتجزيئا للنساء عليه كما هو الحال في البلدان التي سبقتنا في تقنين الإجهاض، وقد رأينا تبعات ذلك. ناهيك عن أننا نيسر لهن معصية خالقهن، غالبا نتيجة جهلهن وقلة فهمهن للأحكام الشرعية، ولأن نخبة مكونة من بعض المثقفين والفقهاء أفتت يوماً بإباحة ذلك. ويكفينا أن نرى ما يحصل الآن من تفشي القروض الربوية والفساد وأكل الحقوق في المجتمع المغربي لمعرفة خطورة الفتاوى السيئة وخطورة فتح الباب للمخالفات.
إن كنا نحب النساء فعلاً، ونريد أن نرحم ضعفهن وسوء استغلالهن، فالأولى بنا أن نحميهن من الجوارح الذين يتربصون بهن ويستغلون ثقتهن. وحتى لو قمنا غداً بتقنين الإجهاض، فإنه يجب علينا أن نتجاهل العقلية المغربية لكي نعتقد بأن هؤلاء النساء المسكينات سوف يستطعن الحصول على إجهاض مجاني عند طبيب نسائي في مستشفى عمومي. إن معظم، إن لم نقل الكل، سيحجم عن الأمر خوفاً من تأنيب الضمير.
وفي الأخير، دعونا ننظر في قضية زنا المحارم والاعتداءات الجنسية التي تؤدي إلى الحمل. إن هذه الحالات هي نادرة للغاية، والأصل في التشريع ألا يُسنَّ للاستثناءات، ولكن يتم التعامل مع هذه الحالات الاستثنائية كل على حدة. وإن كانت مثل هذه الحالات قد وجدت في العالم الإسلامي، فلأن التشريع الإسلامي الذي يشدد العقوبة على مثل هذه الجرائم لم يطبق.
إن عقوبة مثل هذه الجرائم في الإسلام هي الإعدام. ولو أننا طبقنا هذه العقوبة في الواقع، لم نكن لنسمع عن كثير من هذه الفظائع التي نراها اليوم. وحينها ما كان للشاذ الجنسي ومغتصب الأطفال دانيال جالفان فينا أن يذوق طعم الحرية والإفراج من السجن.
بدلاً من ذلك، فإننا نوجه سهامنا نحو الحلقة أو الكيان الأضعف، نحو الجنين لأنه لا يستطيع الدفاع عن نفسه. الأمر يستحق حقا التفكير والتأمل. أن ننصب أنفسنا في مرتبة الإله كي نقرر من يجب أن يعيش ومن ينبغي أن يموت هي مسألة خطيرة بل وقاتلة. إن كل حمل يتكون ثم ينتقل نحو الرحم ويسكن فيها إنما يتم بإرادة إلهية، وكذلك كل حمل لا يكتمل، كل بإرادة الله وحده. هذه هي الطريقة التي أشرح بها الأمر للنساء المسلمات اللاتي يلجأن إلى عيادتي في فرنسا بغية الإجهاض. دون الحكم عليهن، أوجههن وأرشدهن بما لدي من علم طبي وديني، وأحثهن على البحث والاستقصاء ومساءلة ضمائرهن قبل أن يجدن أنفسهن مضطرات لإصلاح عطب شبيه بتجميع شتات زجاج مهشم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* طبيب نساء وتوليد؛ رئيس سابق لمستشفى الجامعات، باريس.
وفاعل جمعوي وناشط في المنظمات الإنسانية خصوصاً في ميدان الصحة الإنجابية.