الأبناء بين الإنجاز والإجهاز
الشيخ عمر القزابري
هوية بريس – الخميس 07 ماي 2015
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلی آله وصحبه أجمعين، أحبابي الكرام:
لا شك أن الأمة ولادة، ولم تخل فترة من فتراتها من نوابغ، ساهموا في نهضتها ورقيها، ولكن الأمر اليوم، غير الأمر بالأمس، ومرد ذلك إلى اختلاف البيئات، وتغير الأولويات، فزمننا مع الأسف زمن غلا فيه الخسيس، ورخص فيه النفيس، فالطريق مخوف، والنجاة دونها مهالك وحتوف، وما أعلق هذه الصورة بقول ابن دريد في المقصورة:
لا تعجبن من هالك كيف هوى***بل فاعجبن من سالم كيف نجا
هناك أطفال لمعت منهم لوامع النبوغ، وهم دون البلوغ، وسطعت لهم المواهب، وتوقدت لها فيهم الملاهب، إلا أن لهب المواهب كلهب النار، إذا لم تمد بوقودها خمدت وصارت رمادا تذروه الرياح، وهناك ريح اليوم خبث منها الهواء، واغبرت الأجواء، فإلى أين أنتم يا أطفال الأمة ذاهبون، ألملاعب تلعب بعقولكم، أم إلى ملاه تغتال نفوسكم، أم ستقعون أسرى لمسلسلات تبلد الإحساس، وتسوق إلى الإفلاس؟
هل ستبقى حياة أبناء المسلمين بين صحون يَأكلون فيها، وصحون فوق الأسطح يُؤكلون فيها، بل يؤكل فيها أهل الدار جميعا؟
لقد آضت البيوت اليوم مآوي يأوي إليها الأولاد ليستريحوا من عناء اليوم فينامون ويأكلون ويشربون، هذا لأجسادهم، أما عقولهم فقد انبرى لها قوم آخرون، إذ هم اليوم أقدر على الولد من والديه، وأملك لأمره، يشكلون وجدانه، ويوجهون فكره كما يريدون، وذلك عبر البرامج تعليما وإعلاما، فهم بالأولاد أظفر، وحظهم في نشأتهم أوفر، هل زمان الأعلام، ولى وألقى ما فيه وتخلى؟
إن ما تعانيه الأمة ليس راجعا لقلة العقول، ولكن لغفلة أو تغافل حماة العقول، وعدم اهتمامهم بالمنقول، من قرءان ومن صحيح أقوال الرسول، وإن هذا الأمر الموجع ليشتد برحاؤه على من علم تاريخ الأمة في كل باب وناد، وعظيم إنجازات الآباء والأجداد.
إنه ليوجد في أمتنا اليوم من تهيأت نفسه لما تهيأت له نفوس أولئك الأقمار، من أعلام الأمة الكبار، لو أنهم أتيح لهم ما أتيح لأسلافهم من حسن التربية والتعليم، قالت العرب: من كتم داءه قتله.
إن المدرسة في الأمة تقريبا قد انهارت، وإن مجاري التعليم تقريبا قد غارت، فلو لم يتدارك هذا الأمر بقية العلماء في الأمة، وأهل السعة من المصلحين وولاة الأمور، فسوف تتهافت بين أيديهم الأجيال كما تتهافت الفراش على شعلة الفتيل، فكم من جريح وكم من قتيل، وجرح الفكر خطره وبيل؟!!
إنه تهافت الأجيال الذي تزول به الدول، وتضعف منه الأمم، وتنقرض به الحضارات، وإنه لمن الواجب على حملة همّ الأمة، أن يدعوا إلى حماية المواهب من المخمدات التي تمالأت على إطفائها، فتبلغ بناشئة الأجيال إلى التخاذل، والشعور بالنقيصة والقصور فلا تنهض لهم الهمم، ولا ترتقي عزائمهم القمم.
إننا في زمن قد كثرت فيه عوامل الخفض والسكون، وقلت فيه عوامل الرفع، ومن ثم وجب على الآباء تدارك الأمر، ومضاعفة الجهد، بمراقبة أبنائهم، وحسن توجيههم، وربطهم بكتاب الله الذي هو السبيل إلى الأقومية.. (إن هذا القرءان يهدي للتي هي أقوم)، وكذا ربطهم بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي تمثل لقاح الاحتماء، الاحتماء من كل غزو، وتمثل حقن الإمداد، الإمداد بكل وسائل الدفع والرفع، فإن الآباء إذا تخلوا عن دورهم، والمدارس إذا تخلت عن رسالتها، فإن الابن ساعتها، أمام أحد أمرين: انهيار وتردي في مغاوي التباب، أو سقوط في براثن التطرف والإرهاب، وكلاهما شر مستطير، نسأل الله صلاح الحال.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري.