عاصفة الحزم والمحور السعودي-التركي
(من الشرق الأوسط الكبير إلى الشرق الإسلامي الجديد)
ذ. حماد القباج
هوية بريس – الخميس 14 ماي 2015
في الوقت الذي اتفقت فيه كلمة عدد كبير من العلماء والسياسيين والمثقفين على حاجة الأمة الماسة إلى مواقف صارمة من قبيل “عاصفة الحزم”؛ يرى البعض بأن هذه العاصفة ما هي إلا حلقة من حلقات المؤامرة الغربية، وأنها جزء من مخطط “الشرق الأوسط الكبير”..
وإذا كنا نسَلّم بأن أي حدث من حجم عاصفة الحزم؛ يمكن استغلاله من طرف الغرب؛ كما فعلوا بثورات ما سمي بالربيع العربي ..
فإننا في الوقت نفسه؛ ينبغي أن نتخلص من عقدة الشعور بالهيمنة المطلقة والقدرة الشاملة للإمبريالية الغربية؛ بحيث نفسر كل شيء بأنه مؤامرة مدبرة بأدق تفاصيلها!
ونسحب هذا التصور على مواقف وأحداث يمكن أن نستثمرها لتحقيق مكاسب، وقطع أشواط مهمة في طريق استكمال استقلالنا واسترجاع كرامتنا، ولو كره الظالمون المهيمنون..
فالوصول إلى هذا الهدف؛ متوقف بشكل كبير على تخلص نخبنا وشعوبنا من تلك العقدة، وآثارها النفسية المدمرة.
إن عاصفة الحزم تشكل -في نظري- فرصة حقيقية وواقعية لتصحيح المسار، وتغيير منحى الأحداث؛ وهي بحق موقف إسلامي نادر؛ لم نعهده منذ عقود.
ويبدو أن التصور الذي يؤطره كان حاضرا منذ أمد؛ إلا أن تفعيله كان متوقفا على زوال القيادات السابقة للنظام السعودي؛ والتي فرطت كثيرا وارتكبت أخطاء سياسية فادحة؛ في مقدمتها: الانحياز إلى الأنظمة الديكتاتورية في مواجهة شعوبها الثائرة على واقع الذل والمهانة، وإيواء ونصرة الحكام الظالمين المجرمين في حق شعوبهم؛ (مبارك / بن علي / علي صالح / السيسي).
وهو ما انعكس سلبا على الواقع السوري؛ حيث تم التخلي عن الثوار وخذلانهم، وتقديمهم فرائس سهلة لخطة إمبريالية لا ترقب فيهم إلا ولا ذمة؛ خطة خبيثة وضعتهم بين مطرقة السفاح بشار الأسد وسندان الصنيعة الاستخباراتية المسماة: (تنظيم الدولة الإسلامية)..
فالواقع السوري المؤلم؛ هو نتيجة مأساوية لعدد من الأخطاء الاستراتيجية للأنظمة العربية؛ وفي مقدمتها: تخلي السعودية عن دورها في المنطقة، الذي يخوله لها وزنها الديني والاقتصادي وموقفها الجغرافي..
وإلا فكيف يستساغ منطقا؛ أن تُقَدّم القيادات السعودية السابقة؛ غطاء لجرائم بحجم جرائم النظام المصري الانقلابي؛ مهما كانت المسوغات؟!
وكيف يسمح بالتدخل السافر لإيران وحزبها الشيطاني في سوريا؛ وما ترتب على ذلك من ترسيخ للطائفية المسيَّسة المقيتة، وما أفرزته من مجازر وحشية إرهابية؟!
وكيف سمحت القيادات المذكورة؛ بتوسع شرذمة الحوثيين بذلك الشكل المهول في اليمن؛ والاستيلاء على كل مؤسسات الدولة، وتوفير خزان كبير من الأسلحة النوعية بدعم إيراني مكشوف؟!
فالحقيقة المرة هي أن تلك القيادات فرطت كثيرا؛ وتركت فجوات واسعة أمام التوسع الإيراني الأخطبوطي..
ولا أشك بأن بطانة السوء كان فيها من يعمل بمكر لدعم ذلك التوسع الخطير الذي ابتلع لبنان والعراق وسوريا، وبدأ يتناول وجبات دسمة من اليمن وبعض دول الخليج؛ مما جعل حيدر مصلحي (وزير الاستخبارات الإيراني السابق في حكومة محمود أحمدي نجاد) يؤكد صحة ما جزم به رئيس الوزراء (الإسرائيلي) بنيامين نتانياهو من أن طهران “تسيطر على أربعة عواصم عربية؛ في إشارة إلى دمشق وصنعاء وبغداد وبيروت”.
قال الوزير المذكور -كما نقلته وكالة أنباء فارس-: “إن إيران تسيطر فعلاً على أربع عواصم عربية كمال قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو”.
قال: “إن تصريحات نتنياهو تبين مدى تنامي قوة إيران في المنطقة”، مضيفا: “الثورة الإيرانية لا تعرف الحدود وهي لكل الشيعة”، مؤكداً بأن “جماعة أنصار الله (الحوثيون) في اليمن هي إحدى نتاجات الثورة الإيرانية”.
إن إيران في مواجهتها للعالم الإسلامي السني؛ لم تصل يوما في جرأتها إلى هذا الحد، ولم تبلغ قط إلى هذه الدرجة من التوسع!
فكيف سمح النظام السعودي السابق بتدهور الأمور إلى هذا الدرك؟
وها هو اليمن المسكين يتجرع مرارة التساهل مع الفاجر علي عبد الله صالح؛ الذي تسلم جائزة المبادرة الخليجية بيده اليمنى، وهو يقبض بالشمال مكافآت إيران في مقابل تمكينه لشرذمة الحوثيين!!
في حلقة الأحد الماضي من برنامج “ساعة حوار” على قناة المجد، والتي خصصها الدكتور فهد السنيدي لموضوع: “الشرق الإسلامي ومعالم محاور جديدة”؛
وضح الأستاذ مهنا بن عبد العزيز الحبيل (الكاتب الإسلامي والمحلل السياسي)؛ مجموعة من المعطيات والتحليلات المهمة:
1- فرص نجاح عاصفة الحزم في اليمن كبيرة، ونجاحها سيعبِّد الطريق نحو حل الأزمة السورية وإسقاط نظام بشار الأسد.
2- الموقف الحقيقي لأمريكا والاتحاد الأوروبي من عاصفة الحزم؛ هو نفس موقف روسيا وإيران، لكن مصالح الدول الغربية تضطرها إلى مجاملة السعودية، ووزن المملكة الاقتصادي والمعنوي يمنع تلك الدول من معارضتها بشكل معلن ومباشر.
3- النظام السعودي السابق ارتكب أخطاء يجب تصحيحها؛ منها: التساهل مع إيران في مقابل معاداة الجماعات الإسلامية المعتدلة.
4- فور تولي سلمان بن عبد العزيز الحكم؛ تشكل محور كفيل بتغيير الأوضاع نحو الأحسن لصالح الأمة الإسلامية ..
وهذا المحور يتكون من: السعودية وتركيا وقطر، وهو مدعوم من دول إسلامية أخرى.
5- هذا المحور قدم مؤخرا دعما نوعيا للثورة السورية؛ جعلها تتقدم في مناطق مهمة ووازنة، وهذا الدور سيتقوى شيئا فشيئا، مِمّا سيحدث توازنا في صراع هيمنت فيه إيران وروسيا.
6- تصريح الملك سلمان بأنه لا مستقبل للأسد في سوريا؛ يمثل ضربة لاتفاقية مصر وروسيا التي هدفت إلى إجهاض المعارضة الثورية، وترسيخ قدم النظام السوري المجرم.
(قلت: هذا الموقف المصري؛ يؤكد اضطلاع النظام الانقلابي بدور كبير في إنجاح الثورات المضادة كما هو الحال في ليبيا).
7- الملف المصري حاضر على طاولة المحور المذكور، وحل الأزمة المصرية هو هدفه بعد إسقاط المشروع الإيراني في اليمن وسوريا.
8- دول الخليج مخترَقة، وهناك توجه يحاول الحد من فعالية المحور المذكور؛ وهذا التوجه هو الذي يقف وراء قمة (كامب ديفيد) المقررة يوم 14 مايو الجاري.
9- عدم حضور الملك سلمان في القمة المذكورة؛ يمكن أن يفسر على أنه رسالة قوية؛ خلاصتها: رفض أي محاولة غربية لإجهاض الدور السعودي في إيقاف المد الإيراني.
10- من العوامل التي تعزز فرص نجاح هذا المحور؛ انفتاح العرب على إخوانهم المسلمين من غير العرب؛ كالماليزيين والإندونيسيين، وقيام تنسيق سياسي واقتصادي قوي بينهم.
(قلت: يمكن أن أطور هذا المعنى بالتذكير بواجب إحياء الرابطة الإسلامية بين كل هذه الدول، والتخلي عن العصبيات القومية ونحوها من الروابط الضيقة والمنحرفة التي رسخت تمزق الأمة وضعفها).
وقد ختم الأستاذ الحبيل مداخلاته بقوله: “الملك سلمان مؤهل جداً ليعلن عن المحور المتحدث عنه؛ وأرجو أن يكون ذلك قريبا”.
قلت: مهما استفحل واقع الذل والمهانة؛ فإن تغييره يبقى أمرا ممكنا؛ وهذا يحتاج إلى تضافر الجهود، وتجاوز الاختلافات العقيمة التي ترسخ النزاع والفرقة والصراع، كما أنه رهين بالتخلص من العقلية الانهزامية التي تحلل وتقرأ كل الأحداث في ظل الشعور العميق بالضعف واليأس.
ولتعمل القوى الحية على أن تجعل من عاصفة الحزم منطلقا نحو الشرق الإسلامي الجديد، بدل أن يستغلها الأعداء ليجعلوا منها منطلقا نحو الشرق الأوسط الكبير..