إنهم يصنعون الإرهاب ولكن لا يشعرون
ذ. أحمد اللويزة
هوية بريس – السبت 16 ماي 2015
الشباب الذي انحرف وانغمس في المعاصي والمجون يمكنه في أي لحظة أن يتوب ويندم ويعود إلى رشده بعد أن خاض غمار الإباحية والفسوق، وخالط الواقع المر الأثيم المعلن والخفي، وعلم من حال الأمة ما أظهرت من فجور مجاله الشارع والمدرسة والشاطئ والمنتزهات وهلم جرا، وما أبطنت من رذيلة ومجالها العلب الليلية وبيوت الدعارة والليالي الحمراء والفنادق المتخصصة وهلم جرا.
فكيف إذا عاش هذا المرء متنقلا من نحر إلى صدر ومن حانة إلى أخرى ومارس الفاحشة مع أصناف وأشكال من النساء، وكيف لإنسان إذا أراد الخمر وجدها مقربة وإذا أراد المخدرات وجدها ميسرة… إنه واقع يكرهه حتى الذين يساهمون فيه بالفساد.
إن هؤلاء الشباب إذا تذكر الواحد منهم هذا السالف المقيت والماضي الرهيب أصيب بالغثيان وصداع الرأس؛ فعند أول صحوة ضمير تراوده فكرة الانتقام من هذا المجتمع الذي كان سببا له في أن يعيش دهرا من حياته عاصيا لله متذبذبا بين معصية وأخرى.
ومع خلو الساحة من العلماء الربانيين والحيلولة بينهم وبين تأطير الشباب، فسح المجال واسعا لحملة الفكر الأهوج لينفردوا بالشباب فيعملوا على شحنه من أجل الثأر والفداء، فينمو فيهم شعور بالانتقام يغذيه ازدياد مظاهر الخنا وصور الظلم المقنن يوما بعد يوم.
إنهم يصنعون الإرهاب بالتضييق على قنوات بث الإسلام النقي الخالي من كل تطرف أو شذوذ، ويهيؤون أجواء صالحة لتكوين جموع من الحاقدين في دهاليز الظلام وأنفاق التطرف، عوض أن يكون تكوينهم باديا ظاهرا جليا، ألم تغلق دور القرآن في وجوه الراغبين في تعلم كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، والتشبع بمبادئ السمع والطاعة كما ينص على ذلك الشرع الحنيف، وترك الغلو والعنف في التغيير والإصلاح؟
ففي دور القرآن تعلمنا العدل والإنصاف وعدم الخروج على الحكام، وأن الفتنة أشد من القتل، وتعلمنا الحجة والدليل الذي يحمينا -بإذن الله- من كل مشوش ورد شبهة كل متطرف معاند.
لكن وها هي هذه الصروح العلمية تغلق، فما مصير مرتاديها الذين يشعرون بالغبن من تصرف المسؤولين، فكيف لو تسلط عليهم أحد دعاة الفتنة مستغلا هذا الحنق والشعور بالظلم، فيغذي ذلك بروح الانتقام الذي لن تحول دونه كل المحاولات الأمنية والعقابية. فمن المسؤول إذن؟
إنهم يصنعون الإرهاب ولكن لا يشعرون، بالمنع والتشفي والحقد على كل ما هو إسلامي أصيل، والتجني على هوية الأمة المغربية المسلمة والتي مهما ابتعدت بأعمالها عن القيم الإيمانية لم تبتعد قلوبها، فإنها تشعر بالضيم إذا مست في دينها وعقيدتها.
إنهم يغذون الإرهاب بما يعتبرونه معالجة له، هل نفعهم لهوهم ومجونهم ومهرجاناتهم؟
ألم يمر هؤلاء المنفجرون من هناك؟
إنهم يشجعون الإرهاب حين يصورون كتب الإسلام على جرائدهم وينعتونها أنها تحوي سموم التطرف كما فعلت جريدة «الأحداث» في كثير من أعدادها.
ومن جهة أخرى فالفقر والجهل والتهميش.. وغيرها من الأسباب التي يتذرعون بها، ليست أسبابا رئيسة لمعضلة الإرهاب، فالذين انتحروا في أمريكا أو بريطانيا أو إسبانيا لم يكونوا جهالا محدودي التعليم ولم يأتوا من دواوير «القصدير» والأحياء الهامشية، لم يكونوا فقراء معدمين، فـ«ابن لادن» من أغنى الناس وأبناء أوربا لا يشكون فقرا ولا فاقة، كما أن المؤمن ليس له مشكلة مع الفقر مادام يؤمن بعدل الله في قسمة الأرزاق، ولكنه يعاني إذا كان يضايق في دينه وإيمانه.
فشيء واحد يجمع هؤلاء وأولئك على اعتقاد هذه العقيدة المنحرفة والسلوك المشين، هو هذا الفحش والفجور المدعم والمحمي من قوى داخلية وخارجية تسعى للهيمنة وتحقيق مكاسب مادية وغيرها، هذا الظلم الذي بسط رداءه على العالم، وهذا القهر الذي جثا على قلوب الذين لا حول لهم ولا قوة.