على هامش فيلم نبيل عيوش.. الأفلام الماجنة: جرأة على الحرام ومتاجرة بالأعراض
د. رشيد نافع
هوية بريس – الأربعاء 20 ماي 2015
إن العجب لا ينقضي من أقوام زعموا كذباً وميناً أنهم دعاة لتحرير للمرأة والخروج بها مما هي فيه من الظلم والقهر، فيا للعجب ممَّ يحررونها؟ أمن دين الإسلام الذي لا سعادة للبشرية إلا به؟ أم من الاقتداء بالسلف الصالح في الحشمة والحياء والعفة والصيانة؟ أحقاً يريد أدعياء التقدم ودعاة التحرر تكريم المرأة وتحريرها؟ أم يريدون تجريدها من العفة والحياء وتقييدها بأوضار السيئة الرذيلة؟
الكريم المنان منّ علينا بلباسين عظيمين لباس نزين به بواطننا وهو لباس التقوى ولباس نجمل به ظواهرنا ونستر به عوراتنا وهو لباس الظاهر من الثياب وغيرها قال الله تعالى: “يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ“، فلباس التقوى يستر عورات القلب ويزينه ولباس الظاهر يستر عورات الجسم ويجمله فعن تقوى الله تعالى والحياء منه ينبثق الشعور باستقباح التعري والتكشف فمن لا يستحي من الله ولا يتقيه لا يهمه أن يتعرى وأن يدعو إلى العري.
وقد حذر الله سبحانه بني آدم ذكرهم وأنثاهم من اتباع خطوات الشيطان وأعوانه التي تسعى إلى تحطيم حياء الناس وأخلاقهم وتدعو إلى العريِ والتهتك والتكشف باسم الزينة والحضارة والتقدم والموضة وغير ذلك من الشعارات البراقة، قال الله تعالى: “يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا“، وما هذا إلا وسيلة لإشاعة الفساد والمعاصي والرذائل والتلطخِ بأوضار الدنايا والخطايا، والمتأمل في واقع الناس اليوم وخاصة النساء يؤمن بصدق ما ذكرنا فإن المنتجين والمخرجين ومن شاكلهم سعوا بكل وسيلة وأخذوا بكل سبب لنشر التعري والتهتك بين نساء المسلمين، فسموا التكشف أناقة والعري حضارة، وبنوا لهم صنماً جعلوه قبلتهم سموه الموضة التي هي أكبر ما يفسد الأديان ويهدم البنيان، فاستباحوا بهذه الموضة المحرمات واستحلوا الموبقات، فاستنزفوا الأموال واستهلكوا الأوقات وضيعوا الأهداف والغايات، فأباحت لهن التعري والتكشف وإظهار المفاتن، فانتشر بين بناتنا ونسائنا لبس الأزياء والثياب التي تظهر الصدور والبطون والظهور وغير ذلك من المفاتن.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لايدخلن الجنة ولايجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا” رواه مسلم. فقوله: “كاسيات عاريات” ينطبق على جميع الصور التي فشت وشاعت وانتشرت في ألبسة كثير من نساء اليوم.
إنّ من كمال هذا الدين وجمالِه تكريمَه للمرأة المسلمة وصيانتَه لها وحفظَها لشرفها وعفّتِها وكرامتها، فالمرأةُ المسلمة تعيش في كنف الإسلام وفي ضوء توجيهاته وآدابه العظام عَيشةً هنيئة مِلْؤُها السعادة والعزّ والطمأنينة والرفعة في الدنيا والآخرة، ولا تزال المرأة تحيا هذه الحياة الطيبة مادامت متمسكة بدينها، محافظة على شرع ربها، قائمة بحقوق الإسلام وواجباته وآدابه العظام.
وما جاء في الإسلام من توجيهات للمرأة، وبيان للآداب التي عليها أن تلزمها ليست هي في مقام التضييق على المرأة أو الكبت لحريتها أو نحو ذلك، وإنما هي في الحقيقة ضوابط عظيمة وآداب كريمة تُعد صيانةً للمرأة وحفظاً لفضيلتها وعفّتها، وصيانة للمجتمع الذي تعيش فيه، وإذا ترحّلت المرأة عن آداب الإسلام وأخلاقه وآدابه العظام ترحّلت عنها الفضيلة وحلت بساحتها الرذيلة ووقعت في الموبقات والآثام، ما أجمل أن تعيش المرأة راعية لآداب الإسلام، محافظة على آداب الشريعة لتحيا حياتها الهنيئة، مليئة بجمال الإسلام وأخلاقه الفاضلة وآدابه العظيمة.
روى الإمام البخاري في صحيحه من حديث حذيفة رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: “نعم وفيه دخن“، قلت: وما دخنه؟ قال: “قوم يهدون بغير هدى تعرف منهم وتنكر“، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: “نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها“، قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: “هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا“، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: “تلزم جماعة المسلمين وإمامهم“، قلت: فان لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: “فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك” متفق عليه.
ولقد حذر العلماء والخطباء والناصحون من أهل الشبهات قديما وحديثا، وألفت المؤلفات، وعقدت الندوات، وجلي الأمر للناس، وكشف أمر الطوائف الضالة، والجماعات المنحرفة، والأفكار الوافدة، فأصبح معظم الناس ولله الحمد على بينة من الأمر فعرفوا دعاة الفتنة من دعاة الحق، ودعاة الضلالة من دعاة الهدى، ولكن هناك خطر داهم لا يقل خطورة عن الأمر الأول، وهم دعاة الشهوات، والانحلال، والانفتاح، والانفساخ، وتجريد الدين من لبه والاكتفاء بالانتساب إليه، فأخذوا ينادون بنداءات منها الحرية الشخصية التي تعني التحرر من الدين والموروث الثقافي والعادات والأعراف والتقاليد وما إلى ذلك من الدعوات الشهوانية التي كان حذيفة رضي الله عنه يسأل عنها وعن أهلها، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم من أبناء جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، ودعاة على أبواب جهنم.
ولقد استعمل هؤلاء وسائل فتاكة في دعواتهم الشهوانية، فاستعملوا الإغراءات المالية، والوعود الفارغة، لأن ضعاف النفوس فيها فتون فيها كما قال تعالى: “يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً“.
واستعملوا أيضا الصحافة والإعلام لنشر أباطيلهم حتى إن المرء لا يصدق عندما يفتح صحيفة أو مجلة أو وسيلة أخرى، ويرى صور النساء العاريات الكاسيات اللواتي خصصت لهن حيزا لنشر أباطيله تارة باسم الفن، وتارة باسم الشباب، وتارة باسم المغنيات، أو المطربات أو الممثلات، بل ولربما برروا أباطيلهم هذه بفتاوى الضالين المضلين أشباههم الذين جوزوا لهم هذا العمل المشين وما أكثرهم بدعوى سماحة الإسلام، وفسحة الإسلام، وسطية الإسلام، فكانوا ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا” متفق عليه.
إن أعظم أسلحة الشهوانيين العصرية: المرأة، فاستعملوا هذا السلاح الفتاك في الانحلال، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء” رواه مسلم.
فقام أولئك الشهوانيون بإلباسها الحلي والحلل وضربها بالأصباغ، وتغير خلقها ونزع حجابها من على رأسها، وعرضها على الناس من خلال الفضائيات والسهرات أو الجرائد والمجلات والمسابقات، فاستشرفها من استشرفها.
كلمة عفوية أخيرة
هل نعلم أن من أسماء الله الحسنى الرقيب؛ أي: المراقب، المطلع على أعمال العباد، الذي لا تخفى عليه خافية قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً“، وقال تعالى: “وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً“، ووالله لو لم يكن في كتاب الله إلا هذه الآيتين لكفت، لمن استشعر عظمتها وأدرك معناها، “أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد” الذي يراك أينما كنت ويعلم ما تخفي وما تعلن، قال تعالى: “إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء“، وقال تعالى: “يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ“، فأنت أنت يا من جلست أمام هذه المشاهد الفاضحة وترى الرجال والنساء بكل تفسّخ ومجون بأبشع صورها وأفضح مناظرها “إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً“، فالفطر السليمة والأعراف المستقيمة تستنكر هذا؛ وأنت؟! تتلذذ بالنظر إلى هذه الأجساد الفاضحة، والله جل وعلا من فوقك مطلع عليك يرى حركاتك وسكناتك ويرى عينك نعم عينك وهما تحدِّقان بهذه الفاحشة وسمعك وهو يتمتع بالأصوات وأنت غافل أو متغافل عن رقابة الله لك وشهود الله عليك ومنها جوارحك التي ستشهد عليك يوم القيامة يوم لا تخفى خافيه قال تعالى: “يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية“، عندها تتكلم الجوارح، قال تعالى: “حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون“، فيخاطب المرء جوارحه: “وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا” لمَ يا عين تشهدين؟! لمَ يا سمع تشهد؟! ولكن الجواب أعظم “أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء” وذلك كله في مشهدا لا مثيل له فرحماك ربي..
إذاً أين استشعار شهود الله عليك؟! أين استشعار رقابة الله تعالى لك؟! أين الحياء من الله؟! ألست تستحي من أن ترى هذه المشاهد أمام الناس أو على أقل تقدير عند أمك أو أبيك أو بعض أهلك؟! فمن أحق بهذا الحياء بالله عليك!! أعتقد أن الجواب واضح.. الله أحق ولا شك.
فتذكر اطلاع الله عليك وإن أغلقت دونك الباب وأسدلت على نافذتك الستار واختفيت عن أعين البشر، تذكر مَنْ لا تخفى عليه خافية، تذكر من يرى ويسمع دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء، جل شأنه وتقدس سلطانه.
إذا خَـلَـوتَ بـريـبـة فـي ظُـلـمةٍ***والنفس داعيـة إلى العصيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها***إن الذي خـلـق الظلام يراني