أي قيمة للفن أساسا؟!
ذ. أحمد اللويزة
هوية بريس – الجمعة 22 ماي 2015
دعك من الكلام الرنان الذي يخاطب البلادة بادعاء أن الفن نشأ مع الإنسانية، وأنها لا يمكن أن تعيش بدونه لأنه يعبر عن جانب من الشخصية الإنسانية التي تتشكل من مشاعر وأحاسيس تعبر عنها من خلال أشكال وألوان من الإبداع الفني، ويعتبرون ذلك غذاء الروح في أعلى درجة الافتراء! وأية روح هذه؟ اللهم إلا أن تكون من الأرواح الشريرة فذاك غذاؤها حقا؛ لأن الأرواح جوالة؛ إما أن تحوم في العلاء أو حول الخلاء.
قد يكون في كلامهم جانبا من الصواب، لكن المراد به في خطاب القوم غير الحقيقة، وإنما تزويرها بالباطل، وتسمية الأشياء بغير مسمياتها تدليسا وتلبيسا، فلنضرب صفحا عما يمكن أن يقال عن الفن تاريخيا وفلسفيا وإنسانيا، لنتأمل ما نراه ونسمعه عن واقع صار الفن فيه البضاعة الرائجة عرضا وطلبا، والفنانون (الفتانون) هم السادة والعلية والنخبة في كل المجتمعات، وغيرهم معجبون ومتلقفون ومتلهفون لما تجود به قرائح القوم، وما تنفثه صدورهم من خبث إسقاطا لواقع مرير لم يزيدوه إلا مرارة وقبحا.
ماذا يفعل أهل الفن ولاسيما الممثلون والممثلات؛ إنهم أناس يؤدون أدوارا تشخيصا لظاهرة مجتمعية، هكذا يقولون، وأنهم لا يزيدون إلا على إظهار الواقع في لوحة فنية إبداعية وعكسه على مرآة الفن السابع، ويزعمون أنهم من خلال ذلك يسعون للإصلاح… عجبا!! أما أنا فلا أراهم إلا قوم احترفوا التمثيل، يسترزقون مثل باقي عباد الله، ويطلبون لقمة عيش ملفوفة بحلة من الترف والسرف والخيلاء والغرور والكبر المجتمعي، والفن أيسر طريق لذلك لا سيما إذا تبنى الفنان الجرأة، جرأة على القيم النبيلة والأخلاق السامية.
إن رأس مال هذه الفئة المحترفة هو المشاكل والظواهر الاجتماعية السلبية أو الإيجابية، وهذا معناه لو انقضت المشاكل والظواهر لانقطع مورد الرزق، ولا أحد يريد لرزقه أن ينقطع، ومن تم فبقاء رأس المال أمنية لكل عامل، وعليه فهؤلاء يتمنون لو أن مجتمعاتهم تبقى غارقة في مشاكلها حتى يجدوا لأنفسهم أدوارا يمثلون بها على الشعوب ولا يعيشون البطالة، فأحيانا كثيرة تجدهم يشخصون ما يريدونه أن يقع لا ما هو واقع.
لن يتمسح فنهم أو يغسل عاره بما ينتجونه من أفلام تاريخية يصفونها بالدينية، لأن ذلك يكرس فكرة الاسترزاق والبحث عن المادة بأي سبيل وطريق، وإلا كيف نفهم أن يكون الممثل في هذا الدور زاهدا عابدا خاشعا في محرابه، وفي فيلم آخر يمثل دور فاسق فاجر، بل أكثر من ذلك أن يلتقي الفنان مع الفنانة في ليلة حمراء ماجنة -وتلك حال كثير منهم وعند صحافة الفضائح الخبر اليقين- وليس ببعيد أن يكونا قد أنهيا للتو تشخيص دور صحابي وصحابية مثلا، والسؤال هنا؛ إذا لم يتأثر هؤلاء بما يمثلون من أدوار العفاف والصدق والحياء والخشية… كيف سيتأثر المشاهدون الذي لا يعدو أن يكون ذلك عندهم مجرد فرجة عابرة يرتبطون بها من إخلال أسلوب التشويق والإثارة وتابعونا في الحلقة القادمة.
منذ ضجة الفن التعبيري من رقص ومسرح وسينما وتشكيله سلطة على الأذواق البشرية وفتح المجال لهذا الأمر بشكل مريب لم تزدد البشرية إلا مشاكل وتدهورا على مستوى القيم (ولنتأمل مصر عاصمة الفن في العالم الإسلامي أين وصلت، وكيف حالها؟!)، ثم نلتفت إلى ما نعيشه اليوم في بلد اسمه المغرب، الذي يغدق الأموال الطائلة على أفلام عنوانها البارز تكريس الفجور الأخلاقي ونزع غطاء الخجل الذي يمكن أن يعتري بعض الوجوه، وإلا ما السر في ظهور أفلام في كل دفعة إنتاج سينمائي لا تخلوا من مشاهد القبح والوقاحة وبدون سياق إلا إقحام الفجور من أجل التطبيع معه؟
وما السر في إغراق التلفزة بأفلام خاصة بواقع مغاير من قبيل المسلسلات المكسيكية والتركية والهندية، وفي مواضيع تافهة فكان من واقعنا ما لم يكن قبل غزو هذه المسلسلات لبيوت المغاربة؟
أموال تضيع هباء منثورا، ومشاكل لا تنقضي، وتنمية معطلة ولا تتطور إلا على الورق، وشعب مقهور مغيب، كثير منه متلهف لمثل هذا الإسفاف، وللتعمية والتلبيس تنتشر أخبار كنار في الهشيم على إعلام الخزي والعار عن رحلات تفقدية وجمع دعم في هذا المهرجان أو ذاك لأناس في أوضاع حرجة، محرمون من أبسط ظروف العيش، عجبا يقدمون لهم الفتات الذي يجعل منه الإعلام المنافق ذهبا براقا، وأكثر معاناة الناس سببها ما تقدمه الشاشة من انحراف يشخصه أبطال الأفلام بمقابلات مادية ضخمة، فيرسخون في أذهان الناشئة والجماهير صورا نمطية عن البطولة المزيفة؛ إجرام ولصوصية ومخدرات وقتل ونصب واحتيال وهلم جرا ، ناهيكم عن الملايير التي لو وفرت لمشاريع حقيقية لكانت أنفع للبلاد والعباد، فنحافظ على المال والأخلاق والترابط الاجتماعي، ونحقق تنمية حقيقة قائمة على الهوية. لكن تلك نية مبيتة لطابور الفساد الذي تحركه يد الأفعى الصهيونية، التي تريد الحفاظ على تخدير الشعوب الإسلامية حتى تبقى نهضتها مؤجلة إلى حين.
هذا الذي يسمونه زورا وبهتنا بالفن، ويسقطون حرف العين قبل الفاء عمدا وإصرارا، فهو أقرب للعفن من الذوق السليم الذي يتماهى مع الفنون الجميلة الخلاقة والمنضبطة بالهوية وكيان الأمة. عندما ننتقده يتهموننا بتبلد الحواس وتصلب المشاعر وقسوة العواطف، أمَا واتجاه لقطات الخنا ومشاهد الخلاعة التي يقحمونها إقحاما فلتتبلد العواطف، ولتجف المشاعر، ولا أرهف الله ذلك الإحساس، إحساس يملؤونه حسرة وأسى وألما لما آل إليه حال الأمة عجل الله بفرجها، وفك أسرها من أغلال الغواية وقيود بني علمان، وحداثة أهل الزور والبهتان.