مسودة قرار الوردي حول الخدمة الإجبارية سنتين بعد التخرج؛ لماذا وإلى أين؟
عبد الصمد المهادي
هوية بريس – الجمعة 22 ماي 2015
منذ مدة أعلن وزير الصحة عن مسودة قرار تجبر كل طبيب متخرج (مستثنيا خريجي كلية الطب الخاصة) على قضاء سنتين على الأقل بإحدى المناطق النائية بمقابل هزيل لا يتجاوز 2000 درهم بدعوى “مجانية التكوين” و”رد الجميل للوطن” مما أثار غضب هؤلاء اللذين عبروا عن الرفض القاطع للقرار.
قد يتساءل المواطن لماذا نرفض هذا القرار والمغرب يعاني من الخصاص في الموارد البشرية في قطاع الصحة؟
وفي هاذا الصدد يجب توضيح النقاط التالية:
1- نحن لا نعترض على مبدأ العمل في المناطق النائية وإنما ما لا يمكن أن نقبله هو إرسال خيرة شباب المغرب بعد 8 سنوات من الدراسة إلى مناطق لا يتوفر فيها أدنى المستلزمات الضرورية لعمل الطبيب الذي يتحول إلى “شوافة” أو في أحسن الأحوال يعمل كممرض وذلك في غياب أبسط المعدات الطبية، وكل ذلك بتعويض أقل من أجرة الحارس نفسه، وبدون تغطية صحية ولا رقم تأجير، وبدون احتساب هذه السنوات في الأقدمية ولا في التقاعد.. أي باختصار: إنها العبودية.
2- القرار يأتي في ظرفية سياسية توحي أنه لا يتعدى كونه حملة انتخابية ومحاولة لاستدرار تعاطف المواطن وكسب بعض الأصوات الانتخابية التي سيكون لها دور مهم في تحديد معالم الخريطة السياسية للمغرب في المستقبل.
3- أكذوبة مجانية التكوين: الوزير الحسين الوردي يقول بأن الدولة قامت وتكرمت على الأطباء “عامون ومتخصصون” بأن قامت بتكوينهم بالمجان، وبالمقابل عليهم رد هذا الجميل بالقبول بالخدمة الاجبارية الصحية… وبعض المواطنين يوافقونه على كلامه… لكن أذكر سيد وزير الصحة بالحقائق التالية:
أ- الدولة لم تتكرم علي بشيء، فالطبيب درس وتكون بفضل الأموال المحصلة من جمع الدولة لضرائب والديه وإخوته وأعمامه وعماته وأخواله وخالته وأبناء عماته وأبناء خالته وأجداده وجداته… الخ، فإذا قمنا بعملية حساب بسيطة وسريعة ستجد أن أسرة الطبيب الصغيرة وعائلته الكبيرة قد مولت من خلال الضرائب التي حصلت عليها الدولة مدة سنين عديدة تكوينه بل تكوين أجيال من الأطباء…
ب- من يقول من المواطنين أن الدولة قد قامت بتكوين الأطباء بالمجان وبالتالي عليهم أن يقبلوا الخدمة الإجبارية فليعلم أن جل المغاربة تكونوا بالمجان وبدورهم عليهم رد الدين للدولة… والأطباء مستعدون لتقاسم تلك المنحة “أو ما سيسميه الوزير راتبا شهريا معه” لكي ينضم هو بدوره لهذه الخدمة الإجبارية ويساعدهم في أداء مهمتهم على أكمل وجه.
ج- أن الطالب منذ السنة الثالثة إلى السادسة وهو يسدي خدمات للدولة مقابل منحة شهرية قدرها 110 درهم: يقوم بها بكل الأعمال: من متابعة المريض ومرافقته، مساعدة الأطباء، إسعاف المرضى… ويقوم بمعالجة المرضى في السنة السابعة والثامنة بمقابل لا يتعدى 900 درهم شهريا في مستعجلات المملكة ومستوصفاتها في ظروف قاسية حاطة بالكرامة… دون تأمين صحي، ولا تعويض مادي، ولا تكوين مستمر… كذلك الطبيب المقيم “Bénévole” يقوم بعمل جبار من عمليات جراحية وفحوصات وكشوف وحراسة بمقابل مادي ضئيل جدا 3500 درهم شهريا… فأظن أن هذا يكفي وزيادة كرد للدين بفائدة.
هـ- لا ننكر فضل الوطن علينا فنحن مستعدون لخدمته، والأطباء قدموا خدمات جليلة لهذا الوطن ويعملون في المناطق النائية في ظروف مزرية وكارثية دون تكوين مستمر ولا تجهيزات ولا تحفيزات مادية ومعنوية… وأظن أن الحكومة والسيد الوردي عليهم أن يبرزوا بدورهم روحهم الوطنية في توفير كل ما يطلبه هذا الطبيب من أجل علاج مرضاه في ظروف إنسانية وتحسين وضعيته المادية والاجتماعية ففاقد الشيء لا يعطيه.
4- ماهي نتائج مثل هذا القرار؟
مثال التجربة المصرية:
جراء فتح مصر رأسمال المصحات أمام “مول الشكارة” وتطبيق الخدمة الإجبارية الصحية على الأطباء براتب 300 جنيه مصري… هناك 72000 طبيب مصري في السعودية فقط!! أما في مصر فعدد الأطباء 42000… القرارين تسببا في هجرة الأطر الطبية للخارج… لم تستطع الدولة حل مشاكل الصحة المتراكمة ولا الحفاظ على أطرها الطبية.
مصر منذ ثورة يونيو وهي تطبق مبادئ الاشتراكية أو ما سمي آنذاك الناصرية، وتم إقرار التجنيد الإجباري لكل المواطنين، وأقرت الخدمة الإجبارية الصحية على مهني قطاع الصحة… وعند قدوم السادات عرفت مصر عصر الانفتاح والخصخصة وقد تم فتح رأسمال المصحات أمام المستثمرين المحليين والأجانب… واستمر هذا الوضع إلى عهد مبارك.. فأصبح المستثمرون يفرضون على الدولة القبول بالترخيص لأطباء أجانب للعمل في مصحاتهم فتم إهمال الطبيب المصري الذي لم يجد له موقعا في القطاع الخاص، إلا بعض المحظوظين… فأصبح هناك قطاع عام يشمل مستشفيات الدولة وأطباء مصريين برواتب وحوافز ضئيلة جدا.. وقطاع خاص بمؤهلات كبيرة وأطباء أجانب…
فلا تستغرب إذا وجدت في مصر طبيبا مختصا يعمل في الصباح في المستشفى الحكومي وبعد الظهر كسائق لسيارة الأجرة من أجل تحسين مدخوله في انتظار الهجرة لبلد يقدره.
المواطن ظن أنه بفتح رأسمال المصحات أمام المستثمرين سوف تعرف الأسعار انخفاضا يمكنه من العلاج في تلك المستشفيات الخاصة لكن هيهات… ظل محدودي الدخل يعالجون في المستشفيات العامة التي أصبحت تعرف خصاصا حادا في الأطر الطبية… أما الأغنياء فيعالجون في المصحات المجهزة ورعاية طبية أجنبية.
ولعل المتتبع لمستجدات قطاع الصحة يمكنه أن يلاحظ بسهولة أن السياسة التي تنتهجها الوزارة الوصية تمشي على نفس الخطى المصرية وهو مالا يمكن لكل ذي لب أن يقبل به لبلدنا الحبيب.
5- ما هو البديل؟
تعيين مناصب مالية كافية لتوظيف الأطباء العامين (هذه السنة تم فتح 15 منصبا لا تكفي حتى لتعويض من يتقاعدون) وبحوافز مادية ومعنوية وبمساعدات تخول له شروط العيش الكريم وظروف تحفظ له كرامته وبتوفير مستلزمات عمله، فطبيب بدون معدات كما قيل كنجار بدون خشب وفلاح بدون أرض.
تعيين مناصب مالية كافية لسلك التخصص لتغطية الخصاص في الأطباء المتخصصين الذي يتسبب في طول مدة المواعيد.
وفي الختام؛ ننوه إلى أن إصلاح المنظومة الصحية يتأسس على تكريم المريض والطبيب في آن واحد.. المريض بتوفير أدوية.. أسرة ومستلزماته الطبية الكاملة في محيطه القريب وبمجانية كاملة.. وتكريم الطبيب بتحفيزه ماليا.. معنويا وبظروف عمل ملائمة ليؤدي واجبه على أتم وجه..